العراق: حراك سياسي في المناطق المحررة بدعم إيراني

العراق: حراك سياسي في المناطق المحررة بدعم إيراني

30 مارس 2019
تراجعت القوى السنيّة الأساسية في الانتخابات الأخيرة(يونس محمد/Getty)
+ الخط -
لم تحقق القوى العربية السنّية التي احتكرت المشهد السياسي في شمال العراق وغربه، فضلاً عن العاصمة بغداد طيلة السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، نتائج مرضية لها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، الأمر الذي اضطرها إلى إعادة ترميم صورتها أمام شارعها في محافظات عدة كالأنبار ونينوى وصلاح الدين وبغداد وديالى وبابل والبصرة وكركوك، ومناطق أخرى من البلاد.

هذا الحراك الحزبي لتلك القوى رافقته حالة من المشاعر السلبية في الشارع تجاه الأحزاب والقوى السياسية الدينية والمذهبية. وتصدّر الحزب الإسلامي (الجناح السياسي لحركة الإخوان المسلمين في العراق) قائمة القوى العاملة على خلق سلسلة مبررات لمواقفها التي اعتُبرت خذلاناً للجمهور، خلال احتلال تنظيم "داعش" لمناطق واسعة في العراق، مثل اختفاء كوادر الحزب خلال فترة معاناة ملايين النازحين في مخيمات النزوح، وتِهَم الفساد التي لاحقت مسؤولين بتلك الأحزاب في برنامج مساعدة النازحين.

وعلى غرار الحزب الإسلامي، وجدت كيانات سياسية نفسها، ضعيفة النتائج، كحزب الحل ومؤتمر الصحوة والمشروع الوطني. وهو ما بدا واضحاً في نينوى، التي حصل فيها حزب رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على الصدارة، وفي الأنبار التي تنافس فيها تحالف "الفتح" و"سائرون" مع القوى السنيّة التي تعتبر المحافظة معقلاً لها. وحاسب الناخبون الكيانات السياسية السنيّة بقسوة، ما أدى إلى تراجعها برلمانياً  من نحو 100 مقعد إلى أقل من 70 مقعداً بعد تشتت الأصوات على قوى عربية شيعية وأخرى مدنية.

في هذا الإطار، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، عن "تلقي قوى عربية سنية دعماً واسعاً من إيران، بين شهري إبريل/ نيسان وأغسطس/ آب من العام الماضي".

وقال أحد وزراء حكومة العبادي، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعم الإيراني لتلك القوى تفاوت بين دعم سياسي وآخر قانوني من خلال إسقاط تهم فساد وإرهاب كانت تلاحق عددا من شخصيات تلك القوى ورموزها، بوساطة من طهران وأخرى من بيروت من قبل قيادات في حزب الله، إضافةً إلى تقديم الدعم المالي لبعض الأطراف التي عادت لتمارس نشاطاً سياسياً داخل المدن المحررة. وهو بالعادة كان من بين امتيازات حصلت عليها تلك الأطراف لقاء الانضمام إلى معسكر الفتح، الذي كان في معركة مع الطرف الشيعي الآخر المتمثل بمقتدى الصدر وحيدر العبادي وعمار الحكيم، للظفر بلقب الكتلة الكبرى التي لها حق تشكيل الحكومة".



وعن ملفات التزوير في الانتخابات البرلمانية الماضية، التي أرفق بعض منها بتسجيلات صوتية لمتورطين، أشار المصدر إلى أن "القضاء أوقف مذكرات اعتقال بحق شخصيات عدة، بعد أن صدرت قبل سنوات بتهم الإرهاب والفساد المالي والتحريض على استهداف القوات النظامية وإثارة النعرات الطائفية وتهم أخرى".

وأكد أن "تلك الكتل منشغلة الآن بترميم صورتها في شمال العراق وغربه بطرق عدة بعد نقمة السكان عليها"، واصفاً ذلك بأن "سكان جنوب العراق يتشاركون مع الغرب والشمال في نقمتهم على القوى السياسية وتوظيفها المستمر للطائفة والطائفية لخدمة مصالحها".

وحول ذلك، قال النائب عن "المحور الوطني" يحيى المحمدي، إن "غالبية الأحزاب فقدت جمهورها وليست السنية فقط، واتضح ذلك من خلال نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة ونسبة العزوف الكبيرة عنها، لأن الأحزاب لم تتمكن من تقديم أي نموذج تستطيع من خلاله زيادة عدد مؤيديها أو جماهيرها في الوسط الذي تعمل فيه". وأوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الأحزاب السنية التي توجهت إلى التحالف مع الأحزاب الشيعية، تحديداً مع الحشد الشعبي، تبحث عن البقاء في المشهد السياسي والوصول إلى مراكز مهمة في الدولة، وبالتالي فإن جميع الأحزاب تحالفت مع بعضها وكل حسب ما يعتقد ويتطابق مع رؤيتها وتوجهاتها".

وأشار إلى أن "معظم التحالفات الحالية مرحلية فقط، وبعد الانتهاء من ملف استكمال الحكومة سيُعاد النظر في كثير من التحالفات، وقد نشهد عودة التحالفات الطائفية (الوطني الشيعي والقوى السني)"، مبيناً أن "إسقاط التهم عن بعض الشخصيات السنية المتهمة بالإرهاب والسماح لها بالعودة إلى الوسط السياسي، هو من مقتضيات المرحلة الحالية، ونحن أردنا أن نفتح صفحة جديدة ومشوارا جديدا وأن نتسامح فيما بيننا ونحسن النيّات ونجتمع على مشروع لخدمة الدولة والوطن".

من جهته، اعتبر عضو "ائتلاف الوطنية" حامد المطلك، أن "إيران ساعدت خلال الأشهر الماضية بالضغط على الأحزاب الحاكمة في البلاد، لتستر القضاء على قضايا إرهاب وفساد تورطت فيها شخصية سنية، مقابل تحالف هذه الشخصيات وأحزابها مع الحشد الشعبي، لأن إيران تسعى إلى أن يكون لها أذرع في العراق، وعليه منحت عفواً لعدد من الزعامات السنية التي صدرت بحقها مذكرات إرهاب". وأشار في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "إيران لها كلمة وسيطرة في هذا الإطار لا يمكن إنكارها".

وأضاف أن "عموم أبناء المحافظات العربية السنية لا يرغبون بالبقاء مع هؤلاء الأشخاص الفاسدين، لا سيما أن مؤشرات كثيرة تلاحقهم بما يتعلق بدعم إيران، ويعطي صورة بأنهم يستعينون بالطرف الشرقي أكثر من المصالح العراقية، وأنهم قد تقرّبوا من الأطراف المعادية لهم في السابق من أجل مصالحهم وليس من أجل مصلحة البلد، ولو كان عكس ذلك، لارتفعت أصواتهم من أجل المطالبة بحقوق مناطقهم".

إلى ذلك، أكد القيادي في تحالف "القرار" أثيل النجيفي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إيران وحلفاءها من السنّة لهم دور مباشر في إسقاط التهم عن المتهمين بالإرهاب، ومثل هذه الأمور تتم عن طريق الترتيبات السياسية أكثر مما هي مرتبطة بالقضاء". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التخوّف الحقيقي ليس من تحالف بعض الأحزاب الطائفية من كلا الجانبين مع بعضهم برعاية إيرانية، إنما من أن يُستثمر هذا التحالف خصوصاً في مشروع ضد الأميركيين وجعل أبناء تلك المحافظات بمواجهة عسكرية تحت شعار المقاومة، وتوريطهم مرة ثانية بمعارك جديدة".



المساهمون