أسئلة مفتوحة بعد مقتل البغدادي: مصير "داعش" وخطر الانتقام

أسئلة مفتوحة بعد مقتل البغدادي: مصير "داعش" وخطر الانتقام

29 أكتوبر 2019
تداعيات عدة منتظرة لمقتل البغدادي (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
كما طوى قتل زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي صفحة رجل أرهب العالم لسنوات، فإنه فتح الباب أمام عشرات الأسئلة التي قد لا تجد لها جواباً سريعاً. ولعل أولها مَن سيرث البغدادي ويكون الخليفة الجديد للتنظيم في ظل عمليات تصفية متلاحقة للقيادات آخرهم المساعد الأيمن لزعيم "داعش"، أبو الحسن المهاجر، الذي أكدت قوات سورية الديمقراطية (قسد) مقتله، مساء الأحد، في عملية مشتركة نفذتها مع القوات الأميركية بالقرب من بلدة جرابلس، شمال غربي سورية، بعد ساعات فقط من تصفية البغدادي. كما يبرز تساؤل آخر حول ما هي التداعيات داخل التنظيم لهذا التطور، وعلاقته مع باقي التنظيمات الإرهابية لا سيما "القاعدة" و"جبهة النصرة"، وهل ستستفيد هذه التنظيمات من رحيل البغدادي للتمدد والتوسع على حساب "داعش"؟ إضافة إلى ذلك، يترقب العراق ومعه سورية تداعيات رحيل الرجل الذي أعلن خلافته من هذين البلدين، بعدما سيطر تنظيمه على مساحات شاسعة منهما عام 2014، وما خلّف ذلك من مآسٍ وضحايا وخراب دفع ثمنه مئات آلاف المدنيين. لكن الارتدادات لن تتوقف عند حدود هذين البلدين، بل إن دول جنوب شرق آسيا حيث يوجد أكثر المتطرفين تنظيماً في القارة، والدول الأوروبية التي عانت طويلاً من "الذئاب المنفردة"، كلها تخشى من عمليات انتقامية رداً على عملية قتل البغدادي.

وبعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الأحد، نجاح العملية التي نفذها جنوده في باريشا، شمال إدلب السورية، وحملت اسم كايلا مولر، المواطنة الأميركية التي خطفها التنظيم في سورية وتعرضت للاغتصاب على يدي البغدادي قبل قتلها، وأن زعيم التنظيم قد قُتل، فإن هذا الإعلان فتح الباب للحديث عن التبعات المحتملة أو المفترضة على بُنية التنظيم، الذي توسّع وتضخّم في وقت مضى حتى سيطر على مساحات واسعة، وكانت له أجهزة عسكرية وأمنية واقتصادية، تحكّمت بمقدرات الأراضي التي سيطر عليها، وفرضت حكمها وسطوتها على الآلاف، بل الملايين من سكان تلك الأراضي والمناطق.

بيد أن مقتل البغدادي لن تكون له تداعياته الملموسة على شكل التنظيم وهيكليته وحسب، وربما سينسحب ذلك على التنظيمات الجهادية الأخرى، لا سيما في سورية. ويبرز الحديث هنا تحديداً عن "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً). هذا الكيان الذي يعد شقيق تنظيم "داعش" في الانتماء "كإخوة منهج" وعدوه في آن، سيحاول الاستفادة بشكل أو آخر من مقتل البغدادي وتأثيره على تنظيم "داعش"، فقد خلت الساحة لأحد قطبيها وهو زعيم "الهيئة" أبو محمد الجولاني، والذي سيحاول ترتيب أوراقه سواء داخل تنظيمه أو على مستوى الشخصيات الجهادية التي تقف على مسافة واحدة من التنظيمين، لإعادة تسويق نفسه على أنه، مع "الهيئة"، الورقة الوحيدة بل الأمثل لقيادة "العمل الجهادي"، على الأقل في سورية.

ولا شك أن تنظيم "حراس الدين" الذي ولد في سورية نتيجة الصراعات الفكرية بين مختلف التيارات الجهادية، والذي يعد الأقرب إلى فكر "داعش" لجهة المنهجية، سيعمد هو الآخر لترتيب أوراقه بناءً على هذا المستجد للاستفادة من تبعاته، على الرغم من أنه يتقاسم مع "داعش" الحدة نفسها في العداء الدولي والملاحقة لمقراته وقياداته، التي استُهدفت مراراً من قبل التحالف الدولي والولايات المتحدة والروس.

وعن تأثير مقتل البغدادي على بُنية "داعش" بحد ذاتها، رأى الباحث السياسي حمزة المصطفى، وبخلاف تحليلات تقول إن التنظيم قد لا يتأثر كثيراً بهذا التطور، أن "مقتل البغدادي سيكون له تأثير كبير على استمرار التنظيم وتلاشيه"، مضيفاً "في الوقت عينه، فإن الظروف القائمة في المنطقة لا تزال تمثل بيئة خصبة لظهور تنظيمات جهادية جديدة قد تكون أكثر شراسة من تنظيم البغدادي". وشرح المصطفى في حديث مع "العربي الجديد"، الأسباب التي قد تؤدي لانتهاء تنظيم "داعش" بعد مقتل زعميه بالقول: "تنظيم (الدولة) بخلاف التنظيمات الجهادية الأخرى، قدّم نفسه في نسخته الجديدة على أنه حالة دولتية مكتملة الأركان وخلافة شرعية لها إقليم جغرافي وسكان وتفرض سيادتها بمفهوم الغزو أو التمدد، ومع انهيار الدعامة الفكرية بعد إسقاط الخلافة ومقتل الخليفة، سيعود التنظيم إذا ما أراد تنظيم نفسه، إلى وضعه المحلي ضمن العراق، ما قد يعرضه من جديد لانشقاقات هي موجودة أصلاً، وستزداد بوجود تنظيمات جهادية أخرى قد تكون أكثر جاذبية"، لافتاً إلى أن "هذا الأسلوب من العمل الخفي وغير المباشر والذي لا يتطلب عملاً ميدانياً وبقعة جغرافية، هو أسلوب القاعدة، وبالتالي لن يُقدّم التنظيم جديداً إذا ما اعتمده، بل إن أغلب مقاتليه قد يذهبون إلى هناك (القاعدة)".

وحول تأثير مقتل البغدادي على التنظيمات الجهادية الأخرى، أشار المصطفى إلى أن "التنظيمات الجهادية ذات البُعد العالمي مثل حراس الدين، لا يوجد لها أي مستقبل، لأن العالم سيحاربها، والولايات المتحدة سوف تستمر في تفجير معسكراتها واغتيال قادتها حتى تتغير ظروف الميدان السوري، أما جبهة النصرة فمستقبلها يعتمد بشكل كبير على الصراع المحلي مع العالمي وبراغماتية الجولاني، فربما ستستمر كقوة على المدى المنظور، لكنها ستتفكك بعد ذلك".


لكن مدير "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، جاسم محمد، يختلف مع المصطفى في رؤيته للتداعيات المحتملة لمقتل البغدادي، إذ رأى محمد أن "مقتل زعيم داعش لن يؤثر على التنظيم بشكل عام، لكن من الممكن أن يُضعف التنظيم خلال هذه المرحلة، فمن المرجح أن يخسر مصادر التمويل والتجنيد بسبب العلاقات والكاريزما التي كان يتمتع بها البغدادي، وهذا يعيدنا بالذاكرة إلى مقتل أسامة بن لادن وكيف خسر تنظيم القاعدة بسبب فقدان كاريزما زعيمه مصادر التمويل والعلاقات، لكن القاعدة لم ينته، والشيء نفسه ينطبق على داعش، فقد يفقد بعض مصادره، لكن بالتأكيد لن تكون نهايته".

وأشار محمد في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "من المحتمل أن تكون هناك خلافات داخل التنظيم، ومن الممكن أن تنشط جماعات أكثر تشدداً ضمن بنية داعش الفكرية لمحاولة الهيمنة عليه، مثل جماعة الحازمون، وهذا سيؤدي إلى انقسامات لهيمنة تيار على آخر، وتبقى كلها داخل بنية التنظيم، وسنرى أيضاً عمليات ثأر لمقتل البغدادي، لكنها ستكون محدودة بسبب ضعف داعش أخيراً". وتوقّع أن تبقى "العلاقة بين داعش والتنظيمات الجهادية الأخرى في الجدل نفسه، سواء مع تنظيم القاعدة أو جبهة النصرة، نتيجة صراع الأفكار والرؤى والتوجهات في ما بينها، خصوصاً بالنسبة لجبهة النصرة التي ستمعن في إثبات نظرياتها وتفوقها، وهذه التنظيمات أساساً مبنية في علاقاتها مع بعضها على الاختلاف". وأشار إلى أنه "لا تزال هناك شكوك حول مقتل البغدادي، والإدارة الأميركية مطالبة بتقديم المزيد من الأدلة لإثبات مقتله، فهي لم تقدّم سوى إعلان عن نتائج فحص الحمض النووي وهذا لا يكفي".

أما الباحث السياسي والصحافي فراس فحام، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مقتل البغدادي في الوقت الحالي له تأثير من الناحية الرمزية فقط من دون أن يكون له تأثير من الناحية المعنوية، لأن البغدادي في الفترة الأخيرة لم يعد يمسك بزمام قوة كبيرة، ورأينا أنه قُتل في مكان بعيد جداً عن معاقل التنظيم، وهذا ما يدل على أنه كان متوارياً عن الأنظار"، مضيفاً "كانت الضربة القاضية بالنسبة لداعش هي خسارة مساحات شاسعة في العراق وسورية، والتي كان يفرض سطوته عليها، خصوصاً معقليه في الرقة والموصل، فمع ذلك خسر الموارد التي كان يقتات بها، سواء الموارد النفطية أو الموارد المالية نتيجة فرض الضرائب والجبايات".
واعتبر فحام أن "داعش انتهى منذ فترة طويلة وقبل مقتل البغدادي، ويأتي مقتل الأخير بمثابة نشر ورقة النعوة لتنظيمه، ولكن لا يعني ذلك بالضرورة انتهاء فكره المتطرف، فقد نشاهد صعود تنظيمات جديدة تحمل الفكر نفسه وإن كانت بتسميات مختلفة، طالما أن هناك أطرافاً دولية وإقليمية تستفيد وتستثمر في هذه التنظيمات لتوسيع تمددها في المنطقة العربية، وعلى رأسها النظام الإيراني الذي تمدد في سورية والعراق بذريعة مكافحة الإرهاب".

وعن استثمار التنظيمات الجهادية الأخرى لمقتل البغدادي، رأى فحام أن "هذه التنظيمات تنظر بعين الارتياح لمقتل البغدادي، لأن هناك تنافساً بينها وبين داعش على الشرعية الجهادية، فكل تنظيم يدعي لنفسه أنه هو صاحب الشرعية الجهادية، وبالتالي يريد أن يستقطب العنصر البشري والموارد الاقتصادية، ونلاحظ ذلك بوضوح بين هيئة تحرير الشام وحراس الدين، إذ يعيش التنظيمان حالة من التنافس بينهما على الشرعية الجهادية ومن سيرث تركة الجماعات الجهادية الأخرى، وبالتالي فإن إزاحة البغدادي عن هذا المشهد ستكون فرصة جيدة لباقي التنظيمات، خصوصاً حراس الدين، من أجل توسيع نفوذها ليس فقط في سورية، وربما في العراق أيضاً في وقت لاحق".

يُذكر أن تنظيم "داعش" تأسس في بادئ الأمر في العراق على يد أبو مصعب الزرقاوي، تحت مسمى "دولة العراق الإسلامية"، ومع اندلاع الثورة في سورية وامتداد التنظيم إليها بعد تسلم قيادته من قبل أبو بكر البغدادي خلفاً للزرقاوي وأبو عمر البغدادي بات يعرف باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ومع إعلان أبو بكر البغدادي الخلافة عام 2014 اختصر الاسم إلى "الدولة الإسلامية". وتمدد التنظيم ليشمل مساحات واسعة في العراق وسورية واستولى على موارد اقتصادية هامة، إلا أنه في العام الحالي شهد التنظيم انتكاسات كبيرة، فخسر كل المساحات التي كان يسيطر عليها قبل ملاحقة زعيمه وإعلان مقتله يوم الأحد الماضي.