التجنيد الإجباري في المغرب: 5 عصافير بحجر واحد

التجنيد الإجباري في المغرب: 5 عصافير بحجر واحد

03 سبتمبر 2018
يستهدف التجنيد فئة الشباب بين 19 و25 سنة(فرانس برس)
+ الخط -
منذ المصادقة على مشروع قانون الخدمة العسكرية في المغرب، والمتضمّن التجنيد الإجباري لفئة الشباب بين 19 و25 سنة على وجه الخصوص، لم يفتر السجال الحقوقي والسياسي والاجتماعي بشأن دلالات وخلفيات الدولة من العودة إلى التجنيد الذي تم إلغاؤه منذ عام 2007 بعد إقراره للمرة الأولى في البلاد عام 1966. ويورد قانون الخدمة العسكرية بين مضامينه أنه "يستهدف مساهمة المواطنين والمواطنات الذين تراوح أعمارهم بين 19 و25 سنة، في الدفاع عن الوطن ووحدته الترابية بأداء خدمة عسكرية خلال مدة محددة في 12 شهراً، ويرمي ذلك إلى إذكاء روح الوطنية لدى الشباب في إطار التلازم بين حقوق المواطن وواجباته".

وإذا كان تعزيز روح الوطنية هو الغاية المعلنة رسمياً من وراء العودة إلى نظام التجنيد الإجباري للشباب المغربي، فإن تحليلات أخرى تضيف غايات سياسية وحقوقية على ذلك، من قبيل لجم احتجاجات الشباب، وامتصاص البطالة المتفشية، وترويض شريحة الشباب "غير المروّض"، وأيضاً التحضير لأي مستجدّات في ملف نزاع الصحراء.

وسيتمّ تجنيد عشرة آلاف شاب مغربي كل سنة، لمدة 12 شهراً لكل شاب، مع نيل تعويض مالي شهري يبلغ ألفي درهم مغربي (نحو 213 دولاراً أميركياً)، في حين ستتم معاقبة الرافضين للتجنيد الذين لا تنطبق عليهم الاستثناءات من قبيل العجز البدني أو المعيلين لأسرهم والطلبة المتابعين لدراستهم، وفق مشروع القانون الذي سيعرض على البرلمان للمصادقة عليه في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

"إذكاء روح الوطنية لدى الشباب في إطار التلازم بين حقوق المواطن وواجباته"، هو الهدف الرئيس الظاهر من قانون تجنيد الشباب الإجباري، بحسب بلاغ رسمي، إذ تسعى الدولة إلى تعزيز روح الوطنية في فئة الشباب المغربي، خصوصاً مع توالي تقارير وتحذيرات عن عزوفه عن المشاركة في العمل السياسي والجماعي، وأيضاً بحثه عن الهجرة بأي ثمن إلى الضفة الأوروبية.

وفي الوقت الذي أفادت فيه تقارير وطنية ودولية بأنّ نسبة متنامية من شباب المملكة فاقد للثقة في المؤسسات الوطنية ويتوق إلى العيش خارج البلاد، أشارت دراسة سابقة من إعداد منتدى عسكري مغربي غير رسمي، إلى أنّ "إعادة تفعيل الخدمة العسكرية الإلزامية ستكون في صالح الشباب، لكونها أداة لإذكاء روح الوطن والوطنية، وأداة للتضامن والوحدة بين المجندين".


لكن بعض المراقبين رأوا خلفيات أخرى في هذا التوجه، واعتبروا أنّ الخلفية الثانية التي قد تكون وراء عودة التجنيد الإجباري تتمثّل في رغبة الدولة في امتصاص البطالة لدى فئة الشباب المغربي، خصوصاً الذين تراوح أعمارهم بين 19 و25 عاماً، وهي الفترة العمرية التي يكون فيها الشاب قد تجاوز البكالوريا وتخرج من الجامعة، إذ لا يجد الكثير من الشباب في هذا العمر الوظيفة المناسبة. وتتحدّث أرقام إحصائية جديدة لمندوبية التخطيط (مؤسسة حكومية) عن تنامي معدّلات البطالة وسط الشباب، خصوصاً الحاصلين على شهادات جامعية، حيث تبلغ 22.7 في المائة.

لكنّ الرافضين للتجنيد الإجباري للشباب تكتلوا ضمن "تجمع لرفض التجنيد" ليردوا على هذه النقطة بشأن امتصاص التجنيد للبطالة، مؤكدين أنّ "الخدمة العسكرية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحسّن من وضعية الشباب في ما يخصّ الشغل، وتبقى مجرّد حلّ ترقيعي يبيّن عجز الدولة عن حلّ المشاكل الأساسية".

ووفق هؤلاء، فإنّ "تشغيل 10 آلاف شخص كل سنة في سياق قانون الخدمة العسكرية الإجبارية، سيكلّف الدولة على أقلّ تقدير 300 مليون درهم سنوياً (نحو 32 مليون دولار)، وهذا المبلغ يساوي ربع ميزانية وزارة الثقافة، وهو ما يكفي لفتح 20 مدرسة يتعلّم فيها أزيد من 12 ألف تلميذ وتلميذة كل سنة، أو تشييد 5 مستشفيات خلال كل عام".

أمّا الخلفية الثالثة من وراء العودة إلى التجنيد العسكري الإجباري، فقد تتجسّد في الرغبة في نزع فتيل الاحتجاجات في عدد من المناطق، والتي عادة ما يكون وقودها الشباب، من قبيل الاحتجاجات التي شهدتها منطقة الحسيمة وزاكورة وجرادة. فرغم أنّ كل منطقة لديها طابعها ومشاكلها الخاصة التي دفعتها إلى الاحتجاج، لكنّ النقطة المشتركة أنّ المحتجين بمعظمهم من فئة الشباب.

ويرى محللون أن تنامي وتيرة الاحتجاجات الاجتماعية قد يكون خلف قرار عودة التجنيد الإجباري، لضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، ومنها إيجاد عمل ولو مؤقت براتب شهري لمدة عام واحد قد يتطور ليكون عملاً دائماً في المستقبل، وبالتالي تحييد الشباب المتذمّر، ومنحه فرصة للاندماج في النسيج المجتمعي، وابتعاده ما أمكن عن شوارع وفضاءات الاحتجاج.

الخلفية الرابعة الثانوية للعودة المرتقبة للتجنيد الإجباري ترتبط بسابقتها، وتتجسّد أساساً في تطويع الشباب الذي يرفض الانخراط في المؤسسات ويبدي تجاهلاً نفسياً واجتماعياً لها، ويلجأ إلى الاحتجاج والانتقاد من خارج هذه الوسائط المؤسساتية، كلجوئه إلى وسائل التواصل الاجتماعي مثلاً، والتي كثيراً ما أفضت إلى احتجاجات قوية في الشارع. ووفق هذه الخلفية، فإنّ الشاب المجنّد سيجد نفسه محاطاً بقوانين مؤسساتية عليه أن يحترمها. كما سيحدّ ذلك من "الاندفاع والتهوّر" المعروف عند الشباب، خصوصاً بالنظر إلى طبيعة التكوين الصارم الذي يخضع له المجندون.

ولعل آخر الخلفيات التي تقف وراء التجنيد الإجباري للشباب ما يتعلق بمستجدات نزاع الصحراء الذي يدور بين المغرب وغريمته "جبهة البوليساريو". ففي الوقت الذي ما فتئت المملكة تصرّ فيه على أنّ الحلّ لن يتجاوز سقف الحكم الذاتي الموسّع لأقاليم الصحراء، فإنّ الجبهة تروّج لطرح الانفصال وتقرير المصير لما تسميه "الشعب الصحراوي".

وطبقاً لهذا التفسير، فإنّ المغرب يسعى بإقرار التجنيد الإجباري من جديد إلى تقوية جبهته الداخلية استعداداً لأي طارئ في الصحراء، خصوصاً في خضّم التهديدات المتتالية لـ"جبهة البوليساريو" للمملكة، بكونها مستعدة لشنّ حرب ضدها في أي وقت، وفي سياق تحفيز قيادة "البوليساريو" لقواتها بالتهيّؤ لخوض حرب محتملة مع المغرب.

وشهد شهر إبريل/ نيسان الماضي تصعيد المغرب وجبهة "البوليساريو" معاً للهجتهما بخصوص إمكانية وقوع حرب بين الطرفين، لا سيما في خضّم اقتحام قوات من "البوليساريو" لمنطقة الكركرات ومناطق صحراوية عازلة، وهو ما اعتبرته حكومة الرباط استفزازاً من الجبهة لبدء حرب عسكرية، وأكدت أنها مستعدة لأي طارئ في المنطقة، حتى لو كان عسكرياً.

المساهمون