الشمال السوري يستعيد وجهه المدني: شعارات الثورة حيّة تُرزق

الشمال السوري يستعيد وجهه المدني: شعارات الثورة حيّة تُرزق

16 سبتمبر 2018
التظاهرات تؤكد استشعار سكان إدلب بالخطر (عامر السيد علي)
+ الخط -
بدّلت التظاهرات الحاشدة في شمال سورية وشمال غربها، يوم الجمعة، معطيات في المعادلة السورية، إذ جاءت تأكيداً لتصميم السوريين على استعادة الوجه المدني لثورتهم، بعد أن حاول النظام وحلفاؤه وتنظيمات متشددة طمس معالم هذا الوجه الذي كان حاضراً بقوة في التظاهرات التي شهدت إقبالاً غير مسبوق من النساء، ومن فعاليات مدنية في محافظة إدلب، كانت هذه التنظيمات حاولت على مدى سنوات تقليص دورها إلى حد كبير، مقتفية أثر النظام في إسكات أي صوت معارض عبر القتل، أو الاعتقال، أو دفعه إلى الهجرة خارج سورية.

وتجمهر عشرات آلاف السوريين، أول من أمس، في مختلف مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، رافعين علم الثورة، تحت شعار "لا بديل من إسقاط النظام"، مرددين شعارات مناهضة للنظام والروس، بينها "ما في للأبد، ما في للأبد، عاشت سورية ويسقط الأسد". وسجل نشطاء محليون أكثر من 100 تظاهرة في الشمال السوري، شملت مدن وبلدات إدلب وريف حماة الشمالي وريفي حلب الشمالي والغربي، في مشهد وُصف بـ"المهيب"، أعاد للأذهان السنوات الأولى للثورة السورية، وبعث بالعديد من الرسائل إلى الداخل والخارج، في وقت بدت سورية "غنيمة" تتخاطفها القوى الإقليمية والدولية.

وجسدت تظاهرات يوم الجمعة، عودة المظاهر المدنية إلى حد بعيد إلى محافظة إدلب في شمال غربي سورية بعد سنوات من الاختفاء، عقب سيطرة تنظيمات عملت على فرض قوانينها المتشددة على هذه المحافظة، التي باتت أهم معقل للمعارضة السورية بعد أن خسرت تباعاً مواقعها في جنوب سورية ووسطها في سياق "مصالحات" اتضحت لاحقاً خطورتها على مستقبل سورية. وكان لافتاً خروج عدد كبير من النساء في تظاهرات الجمعة جنباً إلى جنب مع الرجال، بعد سنوات من محاولات كانت تهدف إلى تحجيم دور المرأة في المجتمع وتقليص نشاطها إلى الحد الأدنى، وفي مجالات محدودة. وبدأت محافظة إدلب منذ بداية العام الحالي تستعيد وجهها المدني إثر اختفاء مظاهر تشدد فرضتها تنظيمات متشددة، أبرزها "هيئة تحرير الشام"، التي تشكل "جبهة النصرة" عمودها الفقري، في مؤشر واضح على تصميم السوريين على تحقيق مطالب الثورة في نقل البلاد إلى ضفة الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية من دون تمييز مكون من مكونات الشعب السوري عن غيره. كما جاءت المشاركة الكثيفة من المهجرين من مختلف المناطق السورية إلى الشمال السوري في التظاهرات، لتؤكد أن التهجير وارتكاب المجازر وتدمير المرافق الحيوية والتهديد المتواصل من قبل النظام وحلفائه باستخدام أسلحة محرمة دولياً ضد ملايين السوريين، لم تكسر إرادتهم وسعيهم إلى إنقاذ بلدهم من التشظي والتشرذم.

وبددت تظاهرات الجمعة الصورة السلبية التي حاول النظام وحلفاؤه تسويقها لمحافظة إدلب، وأكدت أن التنظيمات المتشددة ما هي إلا ذريعة وغطاء لتدخل عسكري يعيد سورية إلى ما قبل 2011 عام انطلاق الثورة السورية التي استعادت الكثير من ألقها مع تجدد التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام والمنددة بالإرهاب والداعية إلى وحدة البلاد أرضاً وشعباً. ويقول الكاتب والناشط المدني المعارض، محمد السلوم، لـ "العربي الجديد"، إن تظاهرات الجمعة محاولة لاستعادة الصوت المدني المصادَر والمخنوق والمضيّق عليه، سواء من قبل "جبهة النصرة" أو تنظيمات إسلامية أخرى حاولت إيهام الرأي العام بأنها قادرة على مصادرة الآراء والإيحاء بأن كل الناس مؤيدة لها. واعتبر السلوم، وهو من أبناء محافظة إدلب، أن تظاهرات الجمعة، والتي سبقتها، تؤكد استشعار سكان إدلب بالخطر، وأن هناك تهديداً وجودياً لهم بعملية عسكرية كبيرة من قبل قوات النظام وحلفائه، لذلك تحركوا ليقولوا نحن هنا، وإن التنظيمات المتشددة لا تمثلنا. ورأى أن محافظة إدلب لم تستعد بعد كامل وجهها المدني "كما يجب"، مضيفاً: "هي في الطريق لاستعادة هذا الوجه، وهذا الأمر تكفله زيادة الزخم المدني في الأسابيع المقبلة، وهو وحده قادر على دحض روايات النظام وروسيا، وجبهة النصرة".

من جانبها، أكدت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، أن تظاهرات الجمعة "كانت تتويجاً لاستعادة محافظة إدلب الكثير من وجهها الحقيقي، ونبذ الوجه المزيف الذي حاولت تنظيمات تصديره إلى الخارج"، موضحة أن "محافظة إدلب تستعيد وجهها المدني وبزخم كبير". وأوضحت المصادر أن المظاهر المدنية بدأت بالعودة منذ فترة طويلة، "إذ عادت المطاعم المختلطة"، قائلة: "اليوم في إدلب وريفها مقاهٍ ومسابح، ونشاط رياضي واضح". وأشارت المصادر إلى أن صوت الشارع في شمال غربي سورية "بات أعلى من صوت التنظيمات والفصائل المتشددة"، مضيفة: "أدركت هذه الفصائل عدم جدوى تحدي الشارع السوري المعارض، لذا لم تجد بداً من الانسحاب إلى الوراء، وعدم التدخل في الحياة اليومية للمدنيين. التيار المنتمي إلى تنظيم القاعدة في طريقه للاندثار نتيجة الوعي بخطورة هذا التيار على القضية السورية التي لم تحد عن وطنيتها رغم ما واجهه السوريون من أهوال". وتابعت المصادر: "هناك تيار ووعي كبير ضد موضوع التبعية لفصيل أو تنظيم بعينه. هناك حراك مدني متصاعد في كل مناطق شمال غربي سورية، ومن المتوقع أن يترسخ أكثر في المقبل من الأيام. يمكن القول إن تظاهرات الجمعة كانت تجسيداً لاستعادة الروح الحقيقية للثورة السورية البعيدة عن التطرف والتشدد".

كما حملت تظاهرات السوريين في جمعة "لا بديل من إسقاط النظام" رسائل سياسية واضحة للداخل السوري، والخارج، يأتي في مقدمتها أن الشارع السوري المعارض لاعب بارز في تقرير مصير سورية، وأنه قادر على تغيير معادلة سياسية تحاول روسيا تسويقها تقوم على إعادة إنتاج النظام وفق تفاهمات تحفظ نفوذ القوى الإقليمية والدولية في البلاد. كما أكدت التظاهرات أن السوريين ليسوا مصرين على إسقاط النظام فحسب، بل على محاسبة القتلة الذين يدرك المجتمع الدولي مدى الإجرام الذي مارسوه طيلة أكثر من سبع سنوات. ومن المرجح أن تحاول المعارضة السورية الاستفادة من زخم تظاهرات الجمعة، من أجل إيقاف محاولات دؤوبة من قبل الروس والإيرانيين للقفز فوق المرجعيات الدولية الخاصة بالملف السوري، لإعادة إنتاج النظام وفق صيغ يرفضها الشارع السوري المعارض، الذي وجّه خلال تظاهرات الجمعة رسائل واضحة إلى المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، يتهمه فيها بالتماهي مع الخطة الروسية للحل السياسي في سورية. وفي هذا الصدد، قال الناطق الرسمي باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي: "لم ننظر إلى تظاهرات الجمعة على أنها في إدلب بل هي في سورية"، مضيفاً، في حديث مع "العربي الجديد"، أن إدلب هي ملخص سورية، وتضم كل طلاب الحرية. وتابع: "سورية تصرخ من أجل الحرية كما صرخت في العام 2011". وأشار إلى أن "الهيئة" أوصلت ما جرى في الشمال السوري إلى مجموعة السبع خلال اجتماع معها في جنيف جرى الجمعة، مضيفاً: "حملت التظاهرات رسائل واضحة مفادها أن السوريين ليسوا تنظيم داعش وجبهة النصرة، بل هم أكثر من يطالب بخروج التنظيمات المتشددة من سورية. كانت رسائل واضحة للنظام وحلفائه الذين حاولوا تشويه سمعة السوريين من خلال وصمهم بالإرهاب". وأعرب العريضي عن اعتقاده بأن تظاهرات الجمعة "وجدت صدى عالمياً، وأصبحت مدخلاً لإعادة فهم حقيقي للقضية السورية ككل".