هل الرئيس الأميركي فوق القانون؟

هل الرئيس الأميركي فوق القانون؟

06 يونيو 2018
ترامب: لدي الحق في العفو عن نفسي (Getty)
+ الخط -

قبل أيام، قال وزير العدل الأميركي السابق إيريك هولدر: "شدوا الأحزمة لأننا نتجه نحو الدخول في أزمة" قريباً. يعرف هولدر، بحكم تجربته في هذا الموقع (أيام الرئيس باراك أوباما)، أن البيت الأبيض يسير باتجاه الصدام مع وزارة العدل وبالتالي مع القانون. ويوم الأحد الماضي، جاء كبير محامي الرئيس دونالد ترامب، رودي جولياني، ليؤكد توقعات هولدر ويهيئ البلاد لأزمة مقبلة حول مدى الحصانة القانونية التي يتمتع بها الرئيس الأميركي: هل هو فوق القانون أم تحته كسواه من المواطنين؟

المرافعة القانونية التي قدمها جولياني في مقابلاته مع برامج الأحد الإخبارية الهامة على شبكات التلفزة تفيد، بالرغم من الصيغة الملتبسة التي عرضها فيها، بأن الرئيس محصّن بالامتيازات الخاصة التي يمنحه إياها الدستور بحيث لا تطاوله الإجراءات المرعية في حالات معينة كالتي تدور حولها التحقيقات الروسية التي يتولاها المحقق الخاص روبرت مولر. بالنسبة إلى جولياني، فإن الرئيس لا يمكنه أصلاً عرقلة سير العدالة ولا يجوز "إجباره بمذكرة استدعاء على الخضوع للاستجواب". وأضاف أن "الدستور منحه الصلاحيات لإنهاء التحقيقات... وحتى لمنح عفو لنفسه".





مطالعة جولياني هذه أثارت عاصفة من الجدل القانوني وموجة عارمة من المخاوف السياسية، إذ إنه لا يوجد نص صريح في الدستور حول منح الرئيس العفو لنفسه. كما أن لا سابقة لهذا الأمر في تاريخ الرئاسة الأميركية.

وجاء طرحه من قبيل التوسع في التفسير، إذ إن النص يعطي الرئيس صلاحية منح العفو "لأي مرتكب لجريمة فيدرالية" من دون أن يحدد مواصفات مرتكبها إلا إذا كان "عرضة للعزل". ولذا يقول جولياني إن هذا الخيار "غير وارد... لأنه قد يؤدي إلى محاكمة الرئيس وعزله". لكن حسب عدد من القانونيين، فإن "الكفة راجحة لصالح ترامب، لكنه من الحكمة أن لا يسعى الرئيس إلى هذا السبيل"، كما يرى جوناثان ترولي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة جورج واشنطن في واشنطن. فهذا الأمر يثير من المخاوف أكثر مما يثير من السجال القانوني، لأنه إذا مضى به الرئيس وأحيل أمره إلى المحاكم وصولاً إلى المحكمة العليا، فقد يؤسس لسابقة خطيرة تسلّح الرئيس بصلاحيات غير محدودة في نظام مبني على "التوازن والرقابة" بين السلطات الثلاث. ويفسر هذا الأمر السبب الذي جعل إشارة جولياني عن العفو، والتي عاد الرئيس وكررها أول من أمس في تغريدته على حسابه في تويتر، عندما قال إن لديه الحق المطلق في العفو عن نفسه، تنال الحصة الأكبر من الضجة التي أثارتها مرافعته حول استدعاء الرئيس للتحقيق وتوجيه تهمة عرقلة سير العدالة ضده.

الأرجح أن القنبلة التي فجرها جولياني استهدفت تحقيق أكثر من هدف. فهي تبدو أقرب إلى رسالة موجهة إلى المحقق الخاص مولر، لحمله على صرف النظر عن استدعاء الرئيس بذريعة عدم جواز ذلك (مع أنه سبق وجرى استدعاء بيل كلينتون لمثل هذا الإجراء وخضع للتحقيق في البيت الأبيض لمدة أربع ساعات، وكاد أن يجبر على الذهاب إلى المحكمة للإدلاء بإفادته). كذلك ترمي إلى استباق تقرير مولر النهائي وتحذيره مسبقاً من أن الرئيس قد يلجأ إلى العفو لرد الإدانة لو صدرت ضده مع الباقين من المتهمين من فريقه. فالاعتقاد السائد أن مولر اقترب من وضع اللمسات الأخيرة على تحقيقاته، وقد يعلن نهاية مهمته مطلع الصيف ليأتي تقريره النهائي على الأقل قبل شهرين من انتخابات الكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. 
وبذلك يقول جولياني إن أي ادانة قد تضطر البيت الأبيض إلى ممارسة صلاحياته للدفاع عن نفسه، حتى ولو أدى ذلك إلى أزمة دستورية، بحيث يجري تحميلها له.

لا يذكر المؤرخون أن أميركا مرّت بزمن كالذي تعيشه في الوقت الراهن. "إنه وقت غير طبيعي ويثير المخاوف"، يقول جون برانن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية "سي أي ايه"، والذي يربط أساس الخلل بالتمادي الرئاسي. وينعكس هذا القلق في حديث الدوائر والأوساط المعنية بواشنطن، ويشارك فيه حتى الجمهوريون في الكونغرس من المحسوبين على الرئيس والذين لا يخفون تذمرهم ولو في جلساتهم الخاصة من الانفلات الحاصل في غرفة القيادة، كما قال السناتور الجمهوري جاف فلاك. واستدعت هذه المخاوف تحذيرات من انعكاسات سلبية على المؤسسات والضوابط والأصول المرعية وبالتالي على "شمولية القانون في بلد القانون"، مع كل ما يستتبع ذلك من انعكاسات على انتظام آليات الحكم فضلاً عن رسم السياسات والمواقف والردود.

وتبدّى القلق في فيض من الكتب والمؤلفات التي ظهرت تباعاً في الفترة الأخيرة حول هذا الموضوع والتي وضعها مسؤولون سابقون وأكاديميون ومحققون صحافيون، منهم المدير السابق لوكالة الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر، وأستاذ القانون الدستوري في جامعة هارفرد البروفسور لورانس ترايب والمؤرخ جون ميتشم وغيرهم. وقد تقاطعت جميعها عند التصويب على مخاطر أداء رئاسة ترامب على مختلف الأصعدة والمستويات، بدءاً من اشتباكه مع المؤسسات الأمنية، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي أي"، ومع وزير العدل جيف سيشنز، والصحافة والتحقيقات الروسية وغيرها. وقد استفحلت المآخذ والتخوفات في الآونة الأخيرة بقدر ما توغلت التحقيقات في سبر أغوار التدخل الروسي في الانتخابات وما تفرع عنه من ملفات، بما في ذلك توجيه المدعين الأميركيين، يوم الاثنين، إلى المدير السابق لحملة الرئيس دونالد ترامب الانتخابية، بول مانافورت، تهمة محاولة الضغط على شهود في التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات. ويقول القرار الاتهامي الصادر عن المدعي الخاص روبرت مولر، المشرف على التحقيق، إن مانافورت اتصل بشهود هاتفياً وعبر رسائل نصية مشفرة بغرض حملهم على تقديم "شهادات كاذبة مادياً". ويضيف النص أن مثل تلك الأنشطة ترقى إلى انتهاك شروط إطلاق سراحه بكفالة، ما "يدفع للافتراض القانوني لصالح توقيفه"، ما يعني أنه يواجه احتمال سجنه قبل محاكمته. ويخضع مانافورت للإقامة الجبرية في منزله منذ توجيه الاتهامات إليه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وبحسب وثائق المحكمة، فإنه سعى للضغط على شهود قد يتم استدعاؤهم للإدلاء بشهاداتهم في المحكمة حول أنشطة ما يعرف بـ"مجموعة هابسبرغ" المتهمة بالقيام بحشد غير قانوني على صلة بالمصالح الروسية في أوكرانيا.
لكن الأخطر من كل ذلك، كما يقول المتخوفون، يتمثل في أن أحداً لا يعرف ما الذي قد يأتي به يوم غد من مفاجآت الرئيس.