تمهيد إسرائيلي لضربات مقبلة في سورية

الترويج الإسرائيلي للكشف عن "خطة الرد الإيرانية": تمهيد لضربات مقبلة في سورية

08 مايو 2018
إصرار على عدم احتفاظ إيران بوجود عسكري بسورية(فرانس برس)
+ الخط -

بعدما روّجت الصحف الإسرائيلية على مدار شهر، للتكهنات الإسرائيلية بشأن طبيعة وموقع الرد الإيراني على قصف قاعدة "تيفور" الإيرانية في سورية، فجر 9 إبريل/ نيسان الماضي، مع ما رافق ذلك من محاولات لتحديد الاعتبارات الإيرانية لجهة الردّ من عدمه، وهو ترويج كان في واقع الحال جزءاً من الحرب الإعلامية والنفسية المتبادلة بين إيران وإسرائيل في الأشهر الأخير، تقدّمت الصحف الإسرائيلية، أمس الاثنين، بتوجيه واضح من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، خطوة أخرى إلى الأمام، في افتعال أخبار "دراماتيكية" تفيد بأن إسرائيل تمكّنت أخيراً من كشف طبيعة الرد الإيراني المقبل. وأوضحت الصحف أنّ هذا الردّ سيأتي من الأراضي السورية، عبر هجمات بصواريخ أرض ــ أرض، تقوم بتنفيذها مليشيات وعناصر موالية لإيران في سورية، وفق خطة عكف على إعدادها الحرس الثوري الإيراني، شملت أيضاً استدعاء خبراء من "حزب الله" اللبناني في تفعيل المنظومات الصاروخية من هذا النوع، وهي خبرات يبدو أن المليشيات الشيعية الموالية لإيران في سورية تفتقر إليها.

كما ترافق ذلك مع تهديد وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، باغتيال رئيس النظام السوري بشار الأسد إذا واصل السماح لإيران بالعمل من الأراضي السورية. وقال شتاينتز، وهو عضو في مجلس الوزراء الأمني المصغر، لموقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني (واي نت)، أمس الاثنين، إن "إسرائيل قد تقتل الأسد وتطيح بنظامه إذا استخدمت إيران الأراضي السورية في تنفيذ هجمات ضدها"، مضيفاً "إسرائيل لم تتدخل في الحرب الأهلية (السورية) حتى الآن. إذا استمر الأسد في السماح لإيران بالعمل داخل أراضي سورية ستصفيه إسرائيل وتطيح بنظامه"، على حد قوله.

وجاء الترويج الإسرائيلي، أمس، في الصحف للكشف عن "خطة الرد الإيرانية"، بشكل لافت للنظر، لجهة كونه إملاء من المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تعمل أخيراً في ظلّ توافق تام في وجهات النظر مع المستوى السياسي في حكومة الاحتلال. واتفقت عناوين الصحف الإسرائيلية ومواقعها الإلكترونية على عبارة "الكشف عن خطة الرد الإيرانية"، وذلك بعد أن كانت تنشر منذ قصف قاعدة "تيفور" الإيرانية في سورية، سيناريوهات وتوقعات إسرائيلية للردّ الإيراني، جاعلةً هذا الرد واسع النطاق ومبهم، ليشمل عمليات حدودية من قبل مليشيات إيرانية أو موالية لإيران، من داخل سورية، تستهدف مواقع إسرائيلية عند الحدود، وعمليات يقوم "حزب الله" بتنفيذها من داخل لبنان، وحتى أنها تحدّثت عن شنّ عمليات ضدّ أهداف إسرائيلية خارج الأراضي المحتلة، قد تطاول أهدافاً إسرائيلية في القارة الأوروبية.


لكنّ الرسالة التي وجهتها الصحف الإسرائيلية، أمس، حول "الكشف عن خطة الرد الإيرانية" وقصر هذا الرد بشكل قاطع على اعتزام إيران الاكتفاء بردّ صاروخي من طراز أرض ــ أرض موجهة لقصف مواقع عسكرية إسرائيلية وليس مدنية، تثير الشكوك بأن الهدف من "هذا الكشف"، جاء لتهيئة الرأي العام العالمي بالأساس لضربة إسرائيلية لمواقع بطاريات الصواريخ الإيرانية في سورية، أو ربما أيضاً في لبنان، خصوصاً بعد أن كانت التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أنّ إيران لن تردّ سريعاً لتفادي توفير الحجة للرئيس الأميركي دونالد ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي من جهة، ولعدم توريط "حزب الله" في أوج المعركة النيابية اللبنانية، من جهة أخرى.

ورغم ذلك، فإنّ الرسائل الإسرائيلية، ولا سيما تصريحات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الأحد، خلال لقائه مع صحافيين أجانب، بأنه "إذا كان لا بدّ من المواجهة مع إيران، فينبغي أن تقع الآن"، تشير إلى قرار إسرائيلي باستباق أي ضربة إيرانية، من جهة، ورسالة موجهة للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عشية لقائه المرتقب مع نتنياهو، غداً الأربعاء، من جهة ثانية، وذلك لممارسة ضغوط على إيران لعدم الردّ عسكرياً على مواقع داخل الأراضي المحتلة، والتمهيد لطرح الموضوع الإيراني في اللقاء مع نتنياهو، والبحث عن أوراق مساومة تجنّب الطرفين، الإسرائيلي والإيراني، تصعيداً لا يرغبان به في المرحلة الحالية، على الرغم من استمرار حملة تراشق الاتهامات والتهديدات المتبادلة بين الطرفين.

مع ذلك، يبدو الاحتلال مصراً على عدم تمكين إيران من الاحتفاظ بوجود عسكري فعليّ لها في سورية، وعلى منعها من نشر قوات شيعية تكون ذراعاً محلية لها هناك، وتؤدي دوراً كالذي يؤديه "حزب الله" في لبنان، أي الذراع الأول في ساحة المواجهة الحدودية المباشرة مع إسرائيل، ما يعني مضاعفة مصادر القلق الإسرائيلي من وجود مليشيات كهذه تأتمر بأوامر إيرانية مباشرة. علماً أن إسرائيل من شأنها في حال التوصّل إلى تفاهمات مع روسيا ومع إيران بشكل غير مباشر، القبول بالإبقاء على مستشارين إيرانيين للنظام في سورية.

في المقابل، وبموازاة هذه الحرب الدعائية والنفسية المتبادلة بين إيران ودولة الاحتلال، فمن الواضح أنه لا يمكن عزل كل هذه الحرب عن موضوع الملف الإيراني النووي، خصوصاً أن إسرائيل تبحث عن طرق لحثّ المجتمع الدولي على قبول موقفها الرافض للاتفاق النووي حتى بعد الاستعراض الإسرائيلي الأسبوع الماضي لمسألة الاستيلاء على "الأرشيف النووي في إيران". ويأتي هذا بعدما تبيّن أنه باستثناء الولايات المتحدة، فإن غالبية الدول الأجنبية أكدت أنه لا جديد في استعراض نتنياهو للوثائق الإيرانية في مؤتمره الصحافي الأسبوع الماضي، بل إن فرنسا أعلنت أن هذه الوثائق تؤكد الحاجة للإبقاء على الاتفاق وربما تعديله، ولكن ليس إلغاءه.

وبطبيعة الحال، فإنّ الرسائل التي وجهتها إسرائيل عبر تقارير "الكشف عن طبيعة الرد الإيراني"، جاءت مصحوبة بتأكيدات أن جيش الاحتلال مستعد لمواجهة السيناريوهات المحتملة كافة، كتأكيد لجهة ردع إيران عن تنفيذ خطط الرد العسكرية على ضرب قاعدة "تيفور".

وكان نتنياهو قال في جلسة الحكومة الأسبوعية، الأحد: "إننا مصممون على وقف العدوانية الإيرانية ضدنا، وإن كلّف هذا الأمر مواجهة معها، فمن الأفضل أن تكون الآن وليس لاحقاً". كما أشار إلى أن لقاءه مع بوتين، غداً، يكتسب أهمية على ضوء المعلومات الجديدة عن نوايا إيران التمركز في سورية.

المساهمون