العراق: رؤية الصدر حول شكل الحكومة تعطل حسم التحالفات

العراق: رؤية الصدر حول شكل الحكومة تعطل حسم التحالفات

24 مايو 2018
حملت الانتخابات مفاجآت سياسية (مرتضى سوداني/ الأناضول)
+ الخط -
دخلت مشاورات الكتل السياسية العراقية الفائزة بالانتخابات البرلمانية أسبوعها الثاني، من دون التوصل إلى تفاهمات نهائية تقود إلى الإعلان عن الكتلة الكبرى التي ستتولّى تشكيل الحكومة العراقية، وفقاً لما ينصّ عليه الدستور النافذ في البلاد.

واستكمل قادة الكتل والائتلافات السياسية، خلال الأيام الماضية، لقاءاتهم، من خلال زيارات في بغداد أو النجف. يضاف إلى ذلك تسجيل دخول بعثة الأمم المتحدة على خط المباحثات بإجراء مبعوثها في العراق يان كوبتيش سلسلة لقاءات مع الزعماء العراقيين حول مباحثات تشكيل الحكومة، ليكون ثالث طرف خارجي بعد إيفاد إيران قائد فيلق القدس قاسم سليماني ومواطنه رجل الدين محمود الشاهرودي والأميركي بريت ماكغورك. ويبذل الطرفان الأميركي والإيراني جهداً كبيراً في هذا الإطار.

وذكر مسؤول عراقي في بغداد، مقرّب من رئيس الوزراء حيدر العبادي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأمر الوحيد الذي تقدم في مشاورات تشكيل الحكومة العراقية لغاية الآن هو الانتهاء من تسمية كل كتلة لوفدها التفاوضي ووضع خطوط عريضة لما تريده لقاء الاندماج أو التحالف مع الكتلة الأخرى.
ووفقاً للمسؤول نفسه فإنه إلى جانب موضوع رئيس الوزراء، يبرز ملف آخر لا يقل أهمية يتعلق بشكل الحكومة المقبلة، فمقتدى الصدر الذي يدير المفاوضات نتيجة تصدّر تحالف سائرون يضع شروطاً مسبقة، منها ألا تكون حكومة محاصصة طائفية مثل الحكومات السابقة، بمعنى ستة وزارات للشيعة وخمسة للسنة وأربعة للأكراد وواحدة لكل من المسيحيين والصائبة والتركمان. لكن تعتبر كتلتا الفتح والنصر هذا الأمر غير عملي، على اعتبار أنه لا يمكن إرضاء الكتل بدون منحها مناصب في الحكومة. كذلك يصرّ الصدر على برنامج شامل ضد الفساد يتضمن فتح ملفات الفساد بالدولة العراقية منذ عام 2003 وحتى الآن.

وكشف المسؤول عن مساعٍ للمصالحة يجريها زعيم قائمة الفتح هادي العامري بين مقتدى الصدر وبين زعيم مليشيا العصائب قيس الخزعلي، وهو القيادي السابق المنشق عن "جيش المهدي" بزعامة الصدر، وذلك من أجل تحقيق تقارب جديد بين القائمتين. إلا أنه على الرغم من رغبة الخزعلي في ذلك إلا أن الصدر فرض شروطاً مذلة على الخزعلي لقاء الموافقة على مقابلته، مرة أخرى.
ووفقاً للمسؤول نفسه فإن "ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي (25 مقعداً) ليس من بين الكتل المخطوب ودها، على الرغم من تواصله مع كتل كردية وأخرى سنية، غير أن الصبغة الطائفية وتاريخه السيئ يأتيان عكس رغبة الشارع ومزاجه اليوم في الحكومة التي ينشدها، والتي تتناغم مع طروحات مقتدى الصدر".

وحتى مساء أمس الأربعاء فإن الحراك بدا محصوراً بين تحالف النصر (يتزعمه العبادي) والفتح (العامري) وسائرون (الصدر)، في الوقت الذي حسمت فيه كتلتا الوطنية (إياد علاوي) والقرار (أسامة النجيفي) أمرهما بتحالف يكون أحد أركانه الرئيسة سائرون بزعامة الصدر. وقال قيادي سياسي سني بارز في بغداد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه تم التوصل إلى "تفاهمات مهمة مع الصدر والمدنيين، ونعتقد أن نجاح هذا التحالف بداية نهاية التخندقات الطائفية في العراق". ولفت إلى أن البرنامج الذي يطرحه الصدريون هو الأنسب حالياً، ومحاولات التقرب التي يجري المالكي (نوري المالكي زعيم ائتلاف دولة القانون) بلا معنى.
وقال عضو تحالف النصر الذي يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي، علي سعد الله، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحوارات حالياً اقتصرت على ثلاث كتل فقط حول تشكيل الحكومة هي النصر وسائرون والفتح". وأشار سعد الله إلى أن "ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي خارج المنافسة عملياً. كما أنه مرفوض من قبل تحالف سائرون، والفتح تريد أن يكون دولة القانون آخر خيارات لها في حال لم تحقق التحالف المطلوب مع النصر أو سائرون"، مستدركاً بأن "شروط الصدريين مقبولة بالنسبة للنصر، لكنها صعبة على الفتح بطبيعة الحال".

في هذه الأثناء، قال النائب عن حزب الدعوة، جاسم البياتي، إنه يوجد اختلاف في وجهات النظر بين رئيس الوزراء حيدر العبادي وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بشأن تشكيل الحكومة المقبلة. وأضاف البياتي، في تصريحات صحافية، أن "العبادي يعارض تشكيل حكومة من المستقلين بدون منح جميع الأحزاب حقوقها الانتخابية، كما أن رؤية الصدر بتشكيل حكومة خارج الأحزاب غير قابلة للتطبيق".
وأضاف البياتي أن كتلة سائرون التي يدعمها الصدر حصلت على 54 مقعداً في مجلس النواب الجديد، وبالتالي لا يمكنها إنجاح أي مشروع بدون التوافق والتحالف مع الكتل السياسية الأخرى.
في غضون ذلك تتحدّث مصادر أخرى في بغداد، مقربة من تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، الذي حسم أمره بالدخول في تحالف مع الصدر على ما يبدو، عن أن قرار الصدر بترشيح رئيس وزراء من قائمته يعني نفور تحالف النصر منه، وبالتالي فإن فرصه في تشكيل الكتلة الكبرى ستتراجع لصالح تحالف الفتح.
ووفقاً للمصادر نفسها فإن تحالف سائرون سيوافق على العبادي رئيساً للوزراء ضمن وثيقة شرف داخلية يلتزم بها العبادي ببرنامج ثابت للحكومة.
في موازاة ذلك، سلّم الحزب الديمقراطي الكردستاني عرضه إلى كل الكتل في بغداد خلال زيارته التي بدأها الثلاثاء إلى العاصمة وتخللتها لقاءات بزعماء الكتل السياسية المختلفة.
وتفيد تسريبات من أوساط سياسية عراقية بوجود حالة امتعاض غير محدودة من محاولات ابتزاز يقوم بها وفد الحزب الديمقراطي للكتل في بغداد، من خلال جملة شروط يفرضها على من يريد التحالف معه.

ووفقاً للمصادر نفسها، فإن البارزانيين (27 مقعداً) عرضوا شروطاً عدة، من بينها عودة موازنة الإقليم المالية إلى 17 في المائة من مجمل موازنة العراق، بعد أن كان العبادي قد خفضها إلى 12 في المائة. ومن بين الشروط أيضاً عودة البشمركة إلى كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها وحل ملف النفط والغاز والمنافذ الحدودية. ولم يوافق على تلك الشروط حتى الآن سوى المالكي، الذي يسعى في محاولة مدعومة إيرانياً، إلى تشكيل تحالف من دولة القانون والفتح والحزب الديمقراطي وحزب الفضيلة ضمن تحالف النصر الذي يتعرض منذ يومين لمحاولات جدية تستهدف تفكيكه، بالإضافة إلى كتل صغيرة بعدد من محافظات الوسط والجنوب والغرب، مثل بيارق الخير وإرادة وكفاءات وتحالف بغداد وقلعة جماهير صلاح الدين، وهو ما سيحرم الصدر فرصة تشكيل تحالف كبير يمنحه صلاحية تشكيل الحكومة.
وقال خبير في الشأن الكردي ومقرب من كواليس مفاوضات الأحزاب الكردية، علي ناجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأحزاب الكردية رشحت مجموعة من الأسماء التي لها دور سياسي بارز في إقليم كردستان والعراق بعد 2003 لتولي منصب رئاسة الجمهورية خلال الدورة المقبلة. وأوضح أن من أبرز تلك الأسماء هوشيار زيباري وبرهم صالح ووزير الموارد المائية الأسبق لطيف رشيد والقيادي في الحزب الديمقراطي فاضل ميراني.
وبيّن أن الرئيس الحالي فؤاد معصوم يعتبر من أكثر المرشحين حظاً، وذلك نظراً إلى ما يتمتع به من مقبولية دولية وإقليمية، لكنه يواجه اعتراضات من داخل حزبه الاتحاد الوطني الكردستاني. ولفت إلى أن السياسي الكردي برهم صالح لديه أيضاً نفس المقبولية الدولية والاعتراض الحزبي من الاتحاد الوطني. وأشار إلى أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، بزعامة مسعود البارزاني، لديه رغبة شديدة في الحصول على منصب رئيس جمهورية العراق مقابل منح مناصب للاتحاد داخل إقليم كردستان.
وبحسب المصدر نفسه فإن "مرشّحي الديمقراطي هما وزير المالية هوشيار زيباري، خال مسعود البارزاني، والآخر سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي فاضل ميراني". ولفت إلى أن الكتل السنية والشيعية في بغداد أبلغت أربيل أنه لا مجال للحديث عن رئاسة البرلمان بالوقت الحالي، بعد أن كانت القوى الكردية تسعى إلى الحصول على هذا المنصب.