حرب الجولان 2018: إسرائيل وإيران تنقلان مواجهتهما إلى سورية

حرب الجولان 2018: إسرائيل وإيران تنقلان مواجهتهما إلى سورية

11 مايو 2018
بقايا صواريخ سقطت على قرية لبنانية حدودية (علي عبدو/الأناضول)
+ الخط -
ما حصل بعد منتصف ليل الأربعاء وفجر الخميس بين إسرائيل وإيران، على الأراضي السورية المحتلة، أكان في الجولان أو في المناطق الخاضعة للسيطرة السورية والإيرانية، من حرب غير مسبوقة في حدتها دامت ساعات أربعاً، ينقل المعركة بين الطرفين إلى مستوى جديد لكن داخل الساحة السورية، بشكل اختصره وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بعبارة "إذا أمطرت عندنا، فسيحصل عندهم الطوفان". حدث لم يكن مفاجئاً نظراً إلى الأجواء التي سبقته، بدءاً من زيادة دولة الاحتلال وتيرة قصفها أهدافاً تابعة لإيران ولحلفائها في سورية، تحديداً منذ استهداف قاعدة الـ"تي 4" في ريف حماة الشهر الماضي، حتى أصبحت الغارات الإسرائيلية تحصل بوتيرة يومية، وهو ما كانت تعرف إسرائيل أن إيران سترد عليه بطريقة أو بأخرى.

كذلك، لا يمكن فصل حرب الساعات الأربع عن تطورات الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي قبل يومين، وقد ترافق القرار الأميركي أيضاً مع تسخين لأجواء الحرب الإيرانية ــ الإسرائيلية، على الأقل فوق الأراضي السورية، وهو ما ترجم بحالة استنفار مستمرة في الأراضي المحتلة منذ أيام، وخصوصاً في الجولان. ولم يكن مصادفة أن تقصف إسرائيل أهدافاً في سورية بعد دقائق معدودة من انتهاء خطاب دونالد ترامب الذي أعلن انسحاب أميركا من الاتفاق النووي مساء الثلاثاء الماضي، وهو ما ردّت عليه إيران بإطلاق 20 صاروخاً باتجاه أهداف للاحتلال في الجولان عند منتصف ليل الأربعاء ــ الخميس، فردّت تل أبيب بدورها بشكل عنيف بقصف مجموعة أهداف من ريف حمص إلى محافظات دمشق وريف دمشق والسويداء ودمشق العاصمة ودرعا. قصف ترك شظايا وبقايا صواريخ على الأراضي اللبنانية التي ظلت هادئة مع تسجيل صمت لافت لحزب الله اللبناني، وهو صمت لا يعرف بالتمام ما إذا كان سيتواصل في حال تطورت الأجواء الحربية الإسرائيلية ــ الإيرانية. 


وفي حين وضعت إسرائيل قاعدة جديدة للمعادلة مع إيران في سورية، قوامها أن لتل أبيب "الحق" في استهداف أي وجود إيراني في سورية حصراً. في المقابل، يمنع على إيران أن تردّ على هذا الاستهداف، فإن عضو لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، محمد جواد جمالي، اعترف فعلياً بالاستهداف الذي تعرضت له قوات بلده في حرب الساعات الأربع، وقال لقناة "الجزيرة" إن "إسرائيل ستندم على امتحان قدرات إيران في سورية والرد الإيراني قادم وإسرائيل تعرف ذلك تماماً". كلام شبه رسمي عوّض الصمت الرسمي الإيراني، في ظل إصرار إسرائيلي على أن المواجهة انتهت عند حدود ما انتهت إليه عند الرابعة فجر الخميس، مع "أمل" الدولة العبرية بألا تتطور إلى حرب شاملة. لكن الموقف الروسي ظل هو العقدة الأبرز في ما حصل وما تلا الحدث. ففي حين جاهرت إسرائيل بأنها أخطرت روسيا سلفاً بنيتها قصف الأهداف، جاء الرد الروسي محاولاً الإيحاء بالحياد بين طهران وتل أبيب، وذلك بعدما تولت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، صباح أمس، الإعلان أن قوات الدفاع السورية استطاعت إسقاط نصف الصواريخ الإسرائيلية التي استهدفت الأراضي السورية. لكن المواقف الغربية أجمعت على الالتفاف حول دولة الاحتلال وتحميل إيران مسؤولية "الاستفزاز"، لتصدر بيانات أميركية وفرنسية وبريطانية وألمانية متشابهة لناحية "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتحميل المسؤولية للحرس الثوري الإيراني، ليضاف إلى الكباش الغربي- الإيراني الناتج من الملف النووي، مصدر توتر إضافي. أما أكثر موقف متحمس للقصف الإسرائيلي، فلم يكن لا أميركياً ولا بريطانياً، بل بحرينياً، إذ نافست تأييد المنامة لخطوة تل أبيب، ما بدر عن واشنطن وبرلين وباريس ولندن، فاعتبر وزير الخارجية البحريني خالد آل خليفة أنه "يحق لأي دولة ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر". وكتب آل خليفة في حسابه على تويتر: "طالما أن إيران أخلّت بالوضع القائم في المنطقة واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة ومنها إسرائيل أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر".


ونددت الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا في بيانات ومواقف منفصلة، بما سمتها "الهجمات الصاروخية الاستفزازية" التي شنتها إيران من سورية، وأيدت "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وصدر الموقف الأميركي عن البيت الأبيض، الذي سمّى الحرس الثوري الإيراني لدى الحديث عمن يتحمل مسؤولية ما حصل وما قد يحصل "في منطقة الشرق الأوسط برمتها"، بحسب بيان الرئاسة الأميركية. وحث وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون، في بيان، "إيران على التوقف عن الأعمال التي يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة". وفي السياق، علق وزير الخارجية الألماني هايكوك ماس على معركة الجولان بالقول إنه "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها"، بينما اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن الوضع في الشرق الأوسط "بات مسألة حرب أو سلام"، ودعت كل الأطراف إلى "ضبط النفس"، ذلك في كلمة ألقتها أثناء تسليم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون جائزة شارلمان في ألمانيا. وفي موقف مشابه، رأت وزارة الخارجية الفرنسية أن على إيران "الامتناع عن كل الاستفزازات العسكرية"، وحذرت من "أي طموحات للهيمنة الإقليمية".

وجاءت هذه الأحداث بعد ساعات من انتهاء لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع الرئيس فلاديمير بوتين. واستبعد نتنياهو بعد لقاء يوم الأربعاء مع بوتين، أن تحاول روسيا "الحد من عمليات إسرائيل العسكرية في سورية". وكشف جيش الاحتلال أن إسرائيل أبلغت موسكو سلفاً ببنك الأهداف الذي ستقصفه في سورية، ثم اتصل نتنياهو بعد حرب الساعات الأربع ليتشاور وبوتين حول الأحداث. ودعا وزير الخارجية سيرغي لافروف إيران وإسرائيل إلى "الحوار"، واصفاً ما حصل بـ"التصعيد الخطير". وأشار لافروف إلى أنه في الاتصالات التي أُجريت مع قيادتي البلدين، "أكدنا ضرورة تجنب أي أعمال قد تكون استفزازية من الجانبين".

وتأخر صدور الموقف السوري الرسمي لساعات، قبل أن تنقل وكالة "سانا" الحكومية عن مصدر في وزارة الخارجية قوله إن ما حصل "يفتتح مرحلة جديدة من العدوان على سورية". وقال المصدر إن "دخول الكيان الصهيوني وداعميه في المواجهة بشكل مباشر بعد أن كان متخفياً وراء أدواته الإرهابية يؤشر إلى أن مرحلة جديدة من العدوان على سورية قد بدأت مع الأصلاء بعد هزيمة الوكلاء". ورأى المصدر أن الضربات تأتي "رداً على هزيمة أدواته من المجموعات الإرهابية".

وقد بدأ كل شيء عند حوالي منتصف ليل الأربعاء ــ الخميس. وبحسب الرواية الإسرائيلية الرسمية، فقد بادرت قوات إيرانية في سورية إلى إطلاق 20 صاروخ أرض ــ أرض على مواقع في الجولان، وهي المرة الأولى التي تتهم فيها إسرائيل إيران باستهدافها من سورية. وبحسب الإذاعة الإسرائيلية، فقد تمكنت منظومات القبة الحديدية من اعتراض أربعة صواريخ من أصل 20 قذيفة، "ولم تسقط أية قذيفة أو صاروخ في الجولان"، بحسب الادعاء الإسرائيلي. عندها، سارعت المقاتلات الإسرائيلية إلى تنفيذ مجموعة كبيرة من الغارات دامت أكثر من ساعتين على خمس محافظات سورية و50 هدفاً، وشملت "كل البنى التحتية الإيرانية تقريباً في سورية"، بحسب تعبير أفيغدور ليبرمان، في أكبر ضربة إسرائيلية في سورية منذ حرب عام 1973.

وقال بيان رسمي أصدره الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال، رونين ميلنيس، صباح الخميس، إن الطيران الحربي الإسرائيلي استهدف عشرات الأهداف العسكرية المختلفة التابعة لإيران وفيلق القدس في سورية، بما فيها مواقعه جنوب دمشق وأخرى شمال دمشق. وبحسب البيان، فقد طاول القصف الإسرائيلي مواقع عسكرية مختلفة، مثل مخازن للسلاح ومواقع استخباراتية وأخرى لوجيستية ومواقع في الكسوة، كما استهدف القصف المطار الدولي في دمشق، ومواقع للدفاعات الجوية السورية وقاعدة الصواريخ التي أطلقت منها القذائف الليلة باتجاه المواقع العسكرية في الجولان المحتل. وحذر ليبرمان من أن إسرائيل لن تسمح لإيران "بتحويل سورية قاعدةً أمامية لها ضد إسرائيل"، لافتاً إلى أن جيشه ضرب "غالبية المواقع والبنى الإيرانية في سورية، وعليهم أن يدركوا أنه إذا أمطرت عندنا فسيكون عندهم الطوفان".

أما الجيش الروسي، فأوضح أن إسرائيل أطلقت أكثر من 70 صاروخاً على منشآت إيرانية في سورية، وأشار إلى أن "الدفاعات الجوية السورية أسقطت أكثر من نصفها". وقالت وزارة الدفاع الروسية في بيان أن 28 طائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز أف -15 وأف -16 أطلقت نحو 60 صاروخ جو-أرض خلال الغارة التي استغرقت ساعتين في وقت مبكر من فجر الخميس، وأكثر من عشرة صواريخ أرض - أرض تكتيكية. وقد أسفرت الضربات الإسرائيلية عن مقتل 23 مقاتلاً على الأقل بينهم خمسة من قوات النظام السوري و18 عنصراً من القوات الموالية له، حسبما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي الجولان المحتل، فتحت المدارس الإسرائيلية أبوابها كالمعتاد صباح أمس، بعد أن دفعت صافرات الإنذار السكان إلى الاحتماء في الملاجئ. وقال ليبرمان إن إسرائيل لا تسعى إلى تصعيد الوضع على الجبهة السورية، لكن تساحي هنغبي الوزير المقرب من نتنياهو، حذر من مزيد من المواجهات. وقال هنغبي: "لا أعتقد أن بوسعي إبلاغكم أن ضربة واحدة فعالة ومدمرة مثل تلك التي تلقاها (الإيرانيون) الليلة الماضية ستكون كافية لإقناع نظام متطرف جداً وعنيد".
أما رواية "مصدر من قوات موالية لدمشق"، تحدث لوكالة "فرانس برس"، فتنص على أن "إسرائيل بادرت بالقصف، والرد تم بإطلاق أكثر من 50 صاروخ أرض أرض باتجاه مواقع الاحتلال العسكرية في مرتفعات الجولان"، مشيراً إلى أن الإسرائيليين "اعترضوا بعضها القليل". وأضاف "المصدر" أن "على العدو الاسرائيلي أن يقبل بمعادلة الردع الجديدة، بعد تلقيه الرسالة والرزمة الأولى".

المساهمون