السيسي يوسع مهام الرقابة الإدارية... والهدف ترسيخ حكمه

السيسي يوسع مهام الرقابة الإدارية... والهدف ترسيخ حكمه

08 فبراير 2018
أطلق السيسي يدالهيئة على كبار رجال الدولة ومنشآتها(سهيمي عبدالله/Getty)
+ الخط -
دخلت خطة اعتماد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على هيئة الرقابة الإدارية في تثبيت دعائم حكمه على الأرض والسيطرة على الأجهزة التنفيذية بالدولة مرحلة جديدة يدفع فيها السيسي بالجهاز لتنفيذ أدوار يستعصى على الجيش القيام بها، لانشغاله بالقسم الأكبر من المشاريع المرفقية والعمرانية والخدمية، في ما يبدو تكريساً لتجاهل السيسي الجهاز الإداري بالدولة بصورة غير مسبوقة، وعدم الاهتمام بتحديثه أو تطوير أدائه، والاكتفاء فقط بوضع خطط لتخفيض عمالة هذا الجهاز عموماً، وتصفية بعض كوادره والعديد من مقوماته الذاتية، وإحلال الجيش والرقابة الإدارية بدلاً منها.

ومنح السيسي للهيئة منذ توليه منصبه، ثم بعدما جعل على رأسها صديقه المقرب اللواء محمد عرفان، مساحة واسعة بإطلاق يدها على كبار رجال الدولة والعاملين بها ومنشآتها وزيادة أهمية التحريات التي تُجريها حول المرشحين للمناصب الوزارية أو للتعيين بالدولة أو للالتحاق ببعض الوظائف ذات الطبيعة الخاصة، أو الاستعانة بها لأداء أدوار تختص بها الحكومة في الأصل كالاشتراك مع الجيش والمخابرات العامة في بيع السلع الغذائية بأسعار أرخص، واشتراكها في إدارة عدد من المشاريع الخدمية. كذلك حظيت الهيئة بتغطية إعلامية ودعائية مضطردة لتضخيم صورة "حرب السيسي على الفساد"، مستفيدة أيضاً من عمل نجله الأكبر مصطفى في الهيئة.

إلا أن المرحلة الجديدة من الخطة تقوم على الدفع بالهيئة لأداء أدوار غير تقليدية كانت توكل في السابق إلى الجهاز الإداري بالدولة أو إلى رجال أعمال مقربين من النظام. إذ يكشف مصدر مطلع في الهيئة الوطنية للإعلام أن الرقابة الإدارية هي التي تدير عملية تطوير التلفزيون الرسمي وليس الهيئة الوطنية التي يوكل إليها الدستور مهمة إدارة وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وعلى رأسها اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) المثخن بالخسائر المالية إلى حد تفكير الدولة في تصفية أجزاء منه وبيعها بالكامل بطريق الخصخصة والإبقاء على بعض الأقسام الحساسة منه فقط تحت يدها لدواعي الأمن القومي.

يروي المصدر أن مسؤولي الاتحاد فوجئوا منذ ثلاثة أشهر تقريباً بدعوتهم لاجتماع في رئاسة الجمهورية حضره عدد من ممثلي الجهات المسماة "سيادية" ومنها الرقابة الإدارية، وأصدر السيسي تعليمات لمدير مكتبه عباس كامل باستقطاع إدارة القناة الأولى الحكومية بالكامل من الاتحاد ووضعها تحت يد الرقابة الإدارية، لتصبح الهيئة الرقابية مختصة بتطوير أداء القناة على نحو عاجل واستغلال مقوماتها وزيادة عوائدها وإبرام التعاقدات من الناحيتين الإدارية والمالية، على أن يقتصر دور الكوادر الفنية في القناة على إمداد الرقابة الإدارية بالمعلومات والاستشارات الفنية.

ويوضح المصدر أن الرقابة الإدارية باتت هي المدير الفعلي للقناة الأولى، إذ خصص عرفان لجنة من ضباط الهيئة لمباشرة الشؤون المالية والإدارية والتعاقدات الخاصة في القناة، كان من ثمارها إطلاق القناة بخريطة برامجية جديدة بداية العام الحالي، وإطلاق برنامج "توك شو" رئيسي جديد يقدّمه الإعلامي خيري رمضان المقرب من النظام الحاكم، وإبرام عقود رعاية إعلانية جديدة مع مؤسستي "الأهرام" و"الأخبار" الحكوميتين.


ويؤكد المصدر أن القناة الأولى لن تكون المشروع التلفزيوني الوحيد للرقابة الإدارية، ولكنها البداية فقط، مشيراً إلى أن الهيئة لا تحقّق مكاسب مالية من تداخلها في العمل الإعلامي، ولكن اختيارها يعبّر عن شقين مهمين في خطة السيسي؛ الأول تسليط الهيئة الرقابية على الشؤون المالية لواحد من أكبر الأجهزة الإدارية للدولة وهو التلفزيون الرسمي، تعبيراً عن عدم رضاه عن أوضاعه المالية والإدارية وخسائره المستمرة. والثاني عدم تجديد الدماء في إدارة هذا الجهاز المدني والاعتماد على أجهزة ذات صفة عسكرية أو رقابية في إدارته، بما يُعتبر امتداداً لاعتماد السيسي الحصري على العسكريين في إدارة شؤون البلاد، وهو ما يفتح الباب فعلياً لهجرة الكفاءات خارج مصر أو على الأقل خروجها من دائرة الضوء لحساب دخول أشخاص بعيدين كل البعد عن الكفاءة والخبرة الفنية في إدارة المؤسسات الإعلامية.

دور آخر بدأت الرقابة الإدارية تمارسه أيضاً، على الرغم من أنه مسند دستورياً لمجلس الوزراء، وهو إعداد مشاريع القوانين الخاصة بإدارة الجهاز الحكومي ومكافحة الفساد. فبعد تعديل قانونها أخيراً بما يسمح لها بالاستقلال الجزئي عن الجيش والشرطة وتعيين خريجين جدد من جميع التخصصات كأعضاء فنيين بها، بدأت الرقابة الإدارية تشكيل لجان فنية وقانونية لفحص القوانين المنظمة لعمل الجهاز الإداري للدولة، وتحديد الثغرات التي يُعتقد أنها تسمح بوجود الفساد الإداري، واقتراح تعديلات لها وإرسالها لرئاسة الجمهورية رأساً، ليرسلها السيسي بدوره لمجلس الوزراء ثم البرلمان لإصدارها قانونياً.

هذه المهمة الجديدة تُحوّل الهيئة من دورها كجامع للمعلومات عن الفساد والتحري عن وقائع معينة، إلى ما يشبه "الحكومة الموازية" على حد تعبير مصدر حكومي، يكشف عن غضب جهات حكومية عديدة من توسيع صلاحيات الرقابة الإدارية، خصوصاً أن المقترحات الواردة من الرقابة الإدارية تتجاوز بكثير دورها التقليدي الذي كان محدوداً على مدار 50 عاماً ويشترط لتفعيله صدور قرارات استثنائية من رئيس الوزراء.

ويشير المصدر إلى أن الهيئة الرقابية بدأت، عرفياً، في ممارسة صلاحيات أوسع بالتحري عن المرشحين لشغل المناصب القضائية والدبلوماسية، وليس فقط الوظائف الإدارية والوزراء ونوابهم. كذلك طلبت استحداث نصوص قانونية تسمح لها بتفتيش المقار الحكومية من دون إذن مسبق تحت مظلة اختصاص سيتم تدعيمه لها هو المتابعة الدورية لمدى كفاءة العمل بناء على قرار من رئيس هيئة الرقابة الإدارية نفسه، ما سيسمح لأعضاء الهيئة (وهم يتمتعون بصفة الضبطية القضائية كضباط الشرطة) بدخول الأماكن الحكومية بمختلف أنواعها ودرجاتها من دون اشتراط إذن مسبق من النيابة العامة، سواء لضبط جرائم بعينها أو للتفتيش بهدف الكشف عن أي جرائم، أو للتفتيش العادي لإعلان سيطرة الهيئة على أروقة الحكومة.

وخلال العامين الماضيين، كان للهيئة النصيب الأكبر في كشف قضايا الفساد التي تم إبرازها إعلامياً، بدءاً من قضية رشوة وزير الزراعة الأسبق صلاح هلال ومدير مكتبه محي قدح، ثم قضية رشوة مجلس الدولة التي تورط فيها الأمين العام السابق للمجلس وائل شلبي الذي انتحر في حجرة احتجازه داخل مقر الرقابة الإدارية في مدينة نصر، ثم قضية رشوة نائبين سابقين لرئيس محكمة في الزقازيق، ثم قضية الرشوة المتهمة فيها سعاد الخولي نائب محافظ الإسكندرية، وأخيراً القضية المتهم فيها محافظ المنوفية هشام عبدالباسط.