التمدّد اليميني ينعكس ارتفاعاً لعدد المنسحبين من ميثاق الهجرة

التمدّد اليميني ينعكس ارتفاعاً لعدد المنسحبين من ميثاق الهجرة

11 ديسمبر 2018
الاتفاق غير ملزم ويحتاج للتصويت بالأمم المتحدة(فضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
تبنّى ممثلو حوالى 150 دولة، أمس الإثنين، في مراكش المغربية، ميثاق الأمم المتحدة حول الهجرة، بعد إعلانه شفهياً، وبعد ما أثاره من انتقادات واعتراضات من طرف القوميين وأنصار إغلاق الحدود في وجه المهاجرين. ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، في افتتاح المؤتمر، اللحظة بالمؤثرة، كونها "ثمرة جهود جبارة"، داعياً إلى "عدم الخضوع للمخاوف والسرديات الخاطئة حول الهجرة". وانتقد ما سمّاه "الأكاذيب الكثيرة التي أحاطت بنص الميثاق الذي يسعى إلى تعزيز التعاون الدولي من أجل هجرة آمنة منظمة ومنتظمة". وقال أثناء افتتاح مؤتمر مراكش: "الهجرة ستحصل دائماً، ويجب أن يتم تدبيرها على نحو أفضل"، معتبراً الميثاق بمثابة "خارطة طريق من أجل تفادي المعاناة والفوضى ومن أجل تعزيز تعاون يكون مثمراً للجميع". وسيخضع الميثاق لتصويت نهائي من أجل إقراره في 19 ديسمبر/كانون الأول الحالي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. بدوره، أفاد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بأن "عدد الحكومات التي انضمت لتأييد الاتفاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة كان أقل من عدد الدول التي عملت على صياغته".

ويتضمّن النص غير الملزم، الذي يشمل 25 صفحة، مبادئ تتعلق بالدفاع عن حقوق الإنسان والأطفال والاعتراف بالسيادة الوطنية للدول. ويقترح إجراءات لمساعدة البلدان التي تواجه موجات هجرة، من قبيل تبادل المعلومات والخبرات ودمج المهاجرين، كما ينص على منع الاعتقالات العشوائية في صفوف المهاجرين وعدم اللجوء إلى إيقافهم سوى كخيار أخير.

ورأى المدافعون عن حقوق الإنسان أن "مضمون النص يبقى غير كافٍ"، مسجلين أنه "لا يضمن حصول المهاجرين على المساعدة الإنسانية والخدمات الأساسية، كما لا يضمن حقوق العاملين من بينهم". كما أعربت منظمة "العفو الدولية" عن أسفها لكون "تطبيق مقتضيات الميثاق يبقى رهن حسن نوايا الدول التي تدعمه ما دام غير ملزم".

واعتبر منتقدو الميثاق أنه "يفتح الباب أمام موجات هجرة كثيفة لا يمكن التحكم فيها". وأعلنت 15 دولة انسحابها منه أو تعليق قرارها النهائي بخصوصه. واستغربت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة المكلفة شؤون الهجرة العالمية، لويز أربور، "الحجم الهائل من التضليل الذي يحيط بالميثاق وما يتضمنه، مع أنه لا يجعل الهجرة حقاً ولا يحمّل الدول أي التزام". وذكرت خلال ندوة صحافية يوم الأحد الماضي بمراكش، أن "هذه الوثيقة ليست سراً ولغتها واضحة".


وجددت الولايات المتحدة، يوم الجمعة الماضي، التعبير عن "رفض الميثاق وأي شكل من أشكال الحوكمة العالمية"، بعدما انسحبت من محادثات إعداده في ديسمبر 2017، مؤكدة أن "سياسة أهدافه لا تنسجم مع القانون الأميركي وسياسة الشعب الأميركي ومصالحه". واعتبر بيان حادّ اللهجة للبعثة الدبلوماسية الأميركية لدى الأمم المتحدة، أن "القرارات حول أمن الحدود في شأن من يُسمَح له بالإقامة قانوناً أو الحصول على الجنسية، هي بين القرارات السيادية الأكثر أهمية التي يمكن أن تتخذها دولة ما". وكثفت واشنطن تحركاتها في الأشهر الأخيرة للترويج لرؤيتها حول الميثاق لدى دول عدة خصوصاً في أوروبا، بحسب دبلوماسيين من الأمم المتحدة.

وانسحبت حتى الآن ثماني دول من محادثات تفعيل الميثاق، بعدما كانت ضمن الموافقين عليه في 13 يوليو/تموز الماضي بنيويورك. وتشمل لائحة المنسحبين كلاً من النمسا وأستراليا وتشيكيا وجمهورية الدومينكان والمجر وليتوانيا وبولندا وسلوفاكيا. وارتأت ست دول أخرى إجراء المزيد من المشاورات الداخلية بخصوصه، وهي كل من بلجيكا وبلغاريا وإستونيا وإيطاليا وسلوفينيا وسويسرا، وكذلك الاحتلال الإسرائيلي.

وشهدت العاصمة الكندية أوتاوا، يوم الأحد، مواجهة أمام مقرّ البرلمان بين مدافعين عن المهاجرين ومتظاهرين يمينيين يعارضون الميثاق. وأكد رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو اعتزامه التوقيع على الميثاق، مذكراً بأن "الترحيب بالناس من جميع أنحاء العالم من خلال نظام هجرة صارم هو ما جعل كندا قوية، وفي الحقيقة هذا شيء يحتاج إليه العالم أكثر". ووصلت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الداعمة هي الأخرى للميثاق، إلى مراكش للمشاركة في المؤتمر. بينما تسبّب قرار رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشال المشاركة في المؤتمر في تصدع الائتلاف الذي يقوده، مع انسحاب حزب التحالف الفلمنكي الجديد منه إثر خلاف استمر أياماً. ونظم هذا الحزب المعادي للهجرة يوم السبت الماضي، في بروكسل تجمّعاً للتنديد بالميثاق، بحضور زعيمة اليمين الفرنسي المتشدد مارين لوبان، وستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وبات ملف الهجرة ورقة انتخابية يرفعها الشعبويون في بلدان الاتحاد الأوروبي، مع اقتراب انتخابات برلمان التكتل المقررة في مايو/أيار المقبل.

وأوكل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من جهته، تمثيل بلاده لوزير الدولة للشؤون الخارجية، وسط معارضة للميثاق من اليمين واليمين المتشدد وبعض أعضاء حركة "السترات الصفراء" الذين تظاهروا للأسبوع الرابع على التوالي احتجاجاً على السياسة الضريبية والاجتماعية في فرنسا. ويوجد حوالى 258 مليون شخص مهاجرين حول العالم، ما يمثل 3.4 في المائة من مجموع سكان العالم، وتمثل تحويلاتهم المالية حوالى 450 مليار دولار، أي حوالى 9 في المائة من الناتج الخام العالمي، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
(فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز)