الدنمارك نحو مجتمع متعدّد الثقافات

الدنمارك نحو مجتمع متعدّد الثقافات

09 ديسمبر 2018
مجتمع متنوّع (العربي الجديد)
+ الخط -

يُتوقّع أن يشهد المجتمع الدنماركي ارتفاعاً في نسب المهاجرين، وبالتالي تحوّله إلى مجتمع أكثر تعدّدية، خلال السنوات المقبلة، ما يؤدّي إلى خلق سجالات بين الأحزاب في البلاد، خصوصاً المشككة منها في قدرة هؤلاء على الاندماج

يُبيّن تقرير مركز الإحصاء الدنماركي، الصادر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أنّ 25 في المائة من سكان العاصمة كوبنهاغن هم من أصول مهاجرة، أو من أحفاد المهاجرين. وبحسب الأرقام، تتّجه الدنمارك نحو تغيّر في بنيتها الديموغرافية، مع زيادة نسبة المهاجرين فيها إلى أكثر من 21 في المائة بحلول عام 2060. وينصبّ التركيز اليوم على المهاجرين من أصول غير غربية، لأسباب عدة تتعلّق بالتحاق هؤلاء بسوق العمل، ونسب ارتكاب الجرائم، وغيرها من المؤشّرات المقلقة في مجال الاندماج مستقبلاً.




التقرير الذي حمل عنوان "مهاجرو الدنمارك عام 2018"، يشير إلى أن البلاد ستشهد زيادة كبيرة في أعداد المواطنين من أصول أجنبية، ما سيؤدي إلى سجالات سياسية واجتماعية بين يسار ويمين الوسط، حول صورة هذا البلد الإسكندنافي بعد أقل من 40 عاماً. ويُلاحظ معدّو تقرير الهجرة في الدنمارك أنّ "العقود الثلاثة الماضية شهدت ارتفاعاً حاداً في أعداد المهاجرين من أصول غير غربية، وتضاعفت نسبتهم خمس مرات". وفي حين كان مجموع هؤلاء المهاجرين في عام 1988 لا يتعدى 95 ألفاً، فإن أرقام العام الحالي 2018 سجلت نحو 493 ألف مهاجر من العالم الثالث. وما يثير الجدال، أن عدد هؤلاء سيرتفع في عام 2060 إلى نحو 867 ألفاً، علماً أن نسبتهم من مجموع سكان الدنمارك اليوم (5.7 ملايين نسمة) هي 8.5 في المائة، ويتوقع أن يصبحوا أكثر من 13 في المائة بعد نحو 4 عقود، 3 في المائة منهم يتحدّرون من أصول مهاجرة، فيما 10 في المائة يُصنّفون كمهاجرين. وبحسب التقرير، فإن 25 في المائة من سكان العاصمة الدنماركية كوبنهاغن هم من أصول مهاجرة.

ووفقا للتعريف الرسمي الدنماركي، فإن المهاجرين هم "الذين وُلدوا في دولة أخرى، ولا يحمل أي من الوالدين الجنسية الدنماركية. واللاجئ هو في الخانة نفسها، إلى جانب اليد العاملة التي تقيم في البلاد بعقد عمل. أما المتحدرون منهم أو أحفادهم، فيقصد بهم هؤلاء الذين وُلدوا في الدنمارك، سواء كان أحد الوالدين مواطناً أم لم يولد في الدنمارك".



هذه الأرقام تجاوزت توقعات الإحصاء الدنماركي وعدد من الدراسات المتخصصة في هذا المجال. ويلاحظ معدو التقرير أن زيادة نسبة المهاجرين من أصول غير غربية ستصل إلى 49 في المائة، فيما الغربية إلى 50 في المائة.

وسبب السجال هو الفشل في الحد من الهجرة واللجوء وتحويل البلد إلى مجتمع متعدد الثقافات، بحسب حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد، الذي يتخذ موقفا سلبياً جداً من مهاجري دول العالم الثالث، خصوصاً العالم الإسلامي. وفي مسعاه لتطبيق وقف زيادة عدد هؤلاء نسبة إلى عدد السكان، استطاع الحزب تمرير سياسة "النقلة النوعية" في ما يتعلق باستقبال اللاجئين، حول ضرورة عدم دمجهم وتحويلهم إلى مقيمين دائمين، بل حمايتهم مؤقتاً ريثما يرحلون إلى دولهم. وعلى الرغم من ذلك، تبدو السياسات المتشددة عاجزة عن وقف زيادة النسبة المئوية لمجموع المهاجرين أو أحفادهم، في مجتمع تنخفض فيه نسبة الإنجاب.

سوق العمل
يلاحظ التقرير أن "الفرق بين المهاجرين من أصول غربية وغير غربية والدنماركيين، يكمن في مجال العمل". وتركز الأحزاب السياسية على هذه القضية للإشارة إلى "ضرورة تشديد سياسة الهجرة والتركيز على المقيمين حالياً"، بحسب حزب "فينسترا" الليبرالي الذي يترأسه رئيس الوزراء لارس لوكا راسموسن، والذي يشكل ائتلاف يمين الوسط الحاكم. وتتفق زعيمة أكبر أحزاب المعارضة في يسار الوسط (الحزب الاجتماعي الديمقراطي)، ميتا فريدركسن، معه.




حالياً، فإنّ نحو 80 في المائة من الدنماركيّين ملتحقون بسوق العمل، علماً أن النسبة بين المهاجرين من أصل غير غربي لا تتعدى 50 في المائة. ويبدو أن نسبة العمل أكثر انخفاضاً بين المقيمين من سورية والصومال ولبنان والعراق. يضيف الباحثون في مركز الإحصاء الدنماركي أن "الفئة العمرية ما بين 16 و64 عاماً من المهاجرين غير الغربيين في الدنمارك يشكلون ما نسبته 8 في المائة من المواطنين. إلا أنّ نصيبهم من الدعم الاجتماعي يصل إلى 11 في المائة. كما أن 19 في المائة من مجموع المستفيدين من المساعدات الشهرية (من دون عمل لفترات طويلة) هم من المهاجرين غير الغربيّين".

ويكشف التقرير أنّ "مستوى الجرائم أعلى بين صفوف المهاجرين والمتحدّرين من بلدان غير غربية". وبحسب ما تنقل الصحافة المحلية عن أحد المديرين في "مركز الإحصاء" نيلز بلوغ، فإنّ معدلات العمل والدراسة أقل لدى المهاجرين، بالمقارنة مع الدنماركيين. يضيف أنّه "سجّل اتجاه إيجابي متزايد بين المهاجرين بعد وقت من الإقامة للتوجه إلى العمل، من دون أن يصل إلى مستوى الدنماركيين". أحد أهم أسباب التراجع أن النساء عموماً لدى هذه الفئة من المهاجرين لا يعملن. يتابع أنّ "المهاجرين من خلفية غير غربية يحتاجون إلى الالتحاق بسوق العمل بمقدار 80 ألف وظيفة للّحاق بنسبة الدنماركيين العاملين".

في السياق، يقول مقرر شؤون الهجرة والدمج في الحزب الاجتماعي الديمقراطي، ماتياس تيسفايا: "الدنمارك تجد نفسها اليوم وسط هجرة متزايدة. الأمر المهم بالنسبة لنا في الدراسة الجديدة هو ما يستتبع هذه الزيادات بين السكان من أصول غير غربية، لناحية معدلات البطالة والجريمة والرقابة الاجتماعية".



ويقترح تيسفايا حلولاً لهذه التحديات، منها أن تعمل الدنمارك على "انتهاج سياسة سيطرة أفضل في ما يتعلق بالهجرة وأعداد اللاجئين ولمّ الشمل. ولا أقصد بذلك وقف هجرة اليد العاملة الماهرة التي نحتاجها، سواء كانت غربية أم غير غربية. عملياً، فإن منح إقامات للآلاف (نحو 100 ألف خلال السنوات العشر الماضية)، يعني الحاجة إلى مساكن وأطباء واستقبال الأطفال في المدارس وتقديم جلسات علاج نفسية لهؤلاء. كذلك، هذه الأرقام تعني الحاجة إلى تشغيل هؤلاء الناس، خصوصاً أننا نتحدث عن أيدٍ عاملة غير ماهرة وغير متعلمة. يمكننا مواجهة الأمر لمدة سنة أو سنتين، لكن لا يمكن مواجهته عقدا بعد عقد. هذا يضغط على نظامنا".

ويتفق الحزب الحاكم "فينسترا" الليبرالي، مع هذا الرأي، من خلال قول مقرر الهجرة والدمج فيه، عضو البرلمان، مادس فوليدي، إن "الأرقام الصادرة تكشف أهمية ألا نفقد زمام الأمور. نحن لا نرغب في أن تصبح الدنمارك مختلفة عما هي عليه اليوم. وعليه، لابد من تشديد سياستنا، فالدنمارك لا يمكنها تحمّل المزيد من فشل الاندماج، وعلينا أن نسيطر تماماً على تدفق اللجوء نحو بلدنا".

ويلاحظ مركز الإحصاء الدنماركي أن أحفاد المهاجرين ينخرطون أكثر فأكثر في نظام التعليم الدنماركي. ويقول مدير بلوغ إن "مؤشرات التوجه نحو استكمال الدراسة بعد المرحلتين الابتدائية والإعدادية تسير بشكل أفضل لدى الذكور والإناث".




ويعيش في الدنمارك نحو 770 ألفاً من أصول مهاجرة، ويشكّل هؤلاء نحو 13 في المائة من سكان البلاد. ويتوقع أن تصل نسبة هؤلاء عام 2060 إلى نحو 21 في المائة، على عكس توقعات تقرير عام 2017، التي أشارت إلى أنهم لن يشكلوا أكثر من 20 في المائة. ويبدو أنّ أرقام اللاجئين وإقامات لم الشمل هي التي ساهمت في زيادة أعداد مهاجري "الأصول غير الغربية"، خلال السنوات العشر الأخيرة.

المساهمون