بعد استقالة وزير الداخلية الفرنسي... حكومة ثالثة وتعديل واسع

بعد استقالة وزير الداخلية الفرنسي... حكومة ثالثة وتعديل واسع

07 أكتوبر 2018
ماكرون يريد حكومة تحقق قفزة جديدة (فيليب ووزاجر/فرانس برس)
+ الخط -

تنشط الاتصالات في الكواليس بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومته، إدوارد فيليب، من أجل التسريع في إخراج حكومته الثالثة للعلن، قبل المجلس الحكومي يوم الأربعاء المقبل. 

وتأتي هذه الجهود في وقت يعاني فيه الرئيس، وكل السلطة التنفيذية، من تراجع في الشعبية، بعد الفوضى التي أثارتها استقالة وزير البيئة، نيكولا هولو، على أمواج الراديو، ثم "هروب" وزير الداخلية الصاخب، جيرار كولومب، الذي يؤكد هيرفي غاتينيو، في افتتاحية "لوجورنال دي ديمانش"، اليوم الأحد، أنه "أضاف ما يشبه الفوضى، رغم ما قد يقوله الإيليزيه، وأفسَدَ المعادلة الماكرونية الأصلية". 

ويريد الرئيس ماكرون ورئيس حكومته بثّ نَفَس جديد في الحكومة، التي تعرف نوعاً من الشلل، حتى تحقق كل الإصلاحات الموعودة، وعلى رأسها الإصلاح الدستوري وإصلاح نظام التقاعد، وتحقق اختراقاً كبيراً، يُعوّل عليه ماكرون في سياساته الخارجية في الانتخابات الأوروبية، التي يقترب موعدها.

وهذا النَّفَس الجديد هو ما يعول عليه أيضاً رئيس البرلمان، المقرب من الرئيس ماكرون، ريشار فيران، الذي عبّر عن أمله في العثور على وزير شبيهٍ بوزير التربية الوطنية، جان-ميشيل بلانكي، في الداخلية. فعلى الرغم من غياب تجربة وزير التربية الوطنية، إلا أنه أثبت جدارته في نظر الجمهور العريض ونظر النواب. 

يشار إلى أن هذا الوزير القادم من اليمين يعتبر، في الوقت الراهن، من أكثر وزراء ماكرون شعبية، وتعرف طرقه ومناهجه في الإصلاح وفي التشاور نجاحا ومصداقية كبيرَين.          

والحقيقة أن وزارة الداخلية ليست كغيرها من الوزارات، خصوصا في هذه الفترة، التي تعرف فيها فرنسا تهديدات إرهابية، ويتأهب الرئيس لإعلان خطابه عن الإسلام والجمهورية، وتطبيق تنظيم المناطق، وأيضا الإشراف على مختلف الانتخابات القادمة. وغالبا ما استخدم سياسيون فرنسيون عديدون مقراتها وأرشيفها وكل أسرارها من أجل محاولة الوصول إلى الإيليزيه، وبعضها نجح في ذلك، كنيكولا ساركوزي، أو كاد، كمانويل فالس. 


 

ويعوّل الرئيس ماكرون في هذا التعديل الحكومي الواسع، الذي قد يستوجب استقالة رئيس الحكومة وتكليفه من جديد، بتشكيل الحكومة الثالثة، سيمنحها البرلمان الثقة (الحكومة الثانية كانت بعد نتائج الانتخابات التشريعية)، مع ما يتطلب الأمر من خروج وزراء ودخول آخرين جدد، على مهارة ووفاء رئيس حكومته، الذي أظهر رباطة جأش في مواجهة استقالات جاءت من رجالات محسوبين على رئيس الجمهورية. 

يريد ماكرون حكومة جديدة، يحقق فيها قفزة جديدة، ويتخلص فيها من كل الإخفاقات السابقة، التي أثرت على شعبيه وعلى أداء حكومته وأغلبيته البرلمانية. 

ولا يمكن تشكيل حكومة جديدة من دون ضحايا، ولعلّ من بينهم وزراء قدّموا أقصى ما يمكن أن يقدموه، كوزيرة الثقافة، فرانسواز نيسين، التي كان يُتوقَّع أن يُتخَلّصَ منها قبل أشهر. وستغادر الحكومة، أيضا، سكرتيرة الدولة في وزارة الاقتصاد، ديلفين جيني-ستيفان، إضافة إلى وزراء قد يغادرون وزاراتهم لشغل وزارات أخرى، كوزيري الفلاحة وتماسك الأقاليم، ستيفان ترافير وجاك ميزار.

وترى صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، المقربة من الإيليزيه، أن الرئيس ماكرون ورئيس حكومته سيحافظان على خلط متوازن لمهنيي السياسة وللاختصاصيين القادمين من المجتمع المدني في الحكومة المقبلة، وهو ما يجعل الصحيفة واثقة، أو تكاد، من أن وزير الداخلية القادم سيكون خبيرا في القضايا الأمنية، وتستعرض أسماء لكبار رجالات الشرطة، من بينهم فرنسوا مولانس، مدّعي باريس، وجان كاستيكس، الأمين العام المساعد للإيليزيه في رئاسة ساركوزي.

وفي ظل هذه الجهود المتواصلة لإخراج الحكومة الجديدة للعلن، وللعثور على وزير داخلية يريح رئيس الحكومة من مهامه، بعد استقالة كولومب، ويستجيب لنقابات الشرطة القلقة على نفسيات ومعنويات رجال الشرطة على الأرض، وتأثير الصراعات السياسوية عليهم، ينظر الكثير من المقربين من ماكرون بقلق متعاظم إلى صعود نجم رئيس الحكومة. 

وهنا تنقل الصحيفة الفرنسية عن أحد هؤلاء قوله: "رئيس الحكومة يقترح، والرئيس يقرر. ولا شيء يشي بأن رئيس الحكومة يعزز من تأثيره عبر هذا التعديل". لكن الصحيفة لا تقتنع بهذا التصريح عن الرضا الذاتي، بل وتتحدث عن "ثأر إدوار فيليب"، وتؤكد أن "طموح الرجل لا يعرفه أحد".

وتشير الصحيفة إلى حسّه القوي وحرصه الشديد على "السير الجيد للدولة"، وهو ما جعله ينتقد، ولو بشكل غير ظاهر، ما فعله الوزيران، هولو وكولومب. ولعلّ صرامة وجهه أثناء توديع وزير الداخلية المستقيل تعبّر عن فهمه للسياسة، واستهجانه لما قام به "صديق الرئيس ماكرون". 

وأخيرا ترى الصحيفة، التي تشدّد على أن "رئيس الحكومة لم يرتكب أي خطأ في ما يخص وفاءه للرئيس"، نقلا عن مقرب متعاطف مع إدوار فيليب، أن هذا الأخير، وخلافا لسابقيه، "الذين عبروا جميعا عن شكاويهم، لا يرى نفسَه وكأنه في جحيم ماتينيون، مقر رئاسة الحكومة، بل إنه يستمتع وينشرح. إنه سعيد بوجوده في هذا المنصب، ويعرف بأن مهام رئيس الجمهورية أصعب من مهام رئيس الحكومة".

هل سيكون إدوار فيليب مرشحا لمسؤوليات أخرى؟ لم يقل الرجل، ولا يريد، كلمَتَهُ بعدُ. 

ومن يشكك في الأمر، عليه استذكار وعود رئيس الحكومة اليميني الأسبق، إدوار بالادير، لرئيس حزبه، جاك شيراك، والقصة يعرفها الجميع.​