إطلاق سراح قيادي بارز بـ"طالبان" يحيي آمال المصالحة الأفغانية

إطلاق سراح قيادي بارز بـ"طالبان" يحيي آمال المصالحة الأفغانية

25 أكتوبر 2018
حصلت عملية الإفراج بضغط من زلماي خليل زاد(Getty)
+ الخط -

نقلت وسائل إعلام أفغانية وباكستانية، معلومات استخباراتية، عن إطلاق باكستان سراح القيادي البارز في حركة "طالبان"، الملا عبد الغني برادر، الذي شغل منصب نائب مؤسس الحركة الراحل الملا عمر، والرجل الثاني في "طالبان" في عهد الأخير، فيما تؤكد مصادر الإفراج عنه بطلب أميركي.

بداية تعامل الإعلام الأفغاني والباكستاني مع الخبر كشائعةٍ لا يمكن الاعتماد عليها، لاسيما أنها ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها حول إطلاق سراح عبد الغني برادر، بل حصل ذلك في العام 2013، ليقال في ما بعد إن السلطات الباكستانية تراجعت عن قرارها لأسباب سياسية.

لكن يبدو هذه المرة أن الضغوطات الدولية، لا سيما من قبل الولايات المتحدة، أتت أكلها. وفي هذا الصدد، يؤكد مصدرٌ رفيعٌ في "طالبان" لـ"العربي الجديد" أن برادر تمّ إطلاق سراحه من أحد السجون التي تقع قرب إسلام آباد، ونقل إلى فندقٍ عسكري في مدينة كراتشي، على أن يتم الإفراج عنه خلال عشرة أيام، فيما يؤكد مصدرٌ آخر أن الرجل نقل إلى الفندق العسكري قبل أيام، وأطلق سراحه أمس الأربعاء.

وبالإضافة إلى الملا برادر، يتحدث المصدر الثاني نفسه عن إطلاق سراح قياديين متشددين آخرين، هما الملا محمد رسول، زعيم الفرع المنشق عن "طالبان" بسبب خلافاته مع زعيم الحركة السابق الملا أختر منصور، والذي يعرف باسم "المجلس الأعلى للإمارة الإسلامية"، وكذلك الملا عبد الصمد الثاني، أحد المعارضين لزعيم الحركة الحالي، الملا هيبت الله أخوند.

ويؤكد المصدر أن الإفراج عن قيادات "طالبان"، لا سيما عن الملا عبد الغني برادر، وهو الرجل الثاني في "طالبان" إبان حكومة الحركة، جاء نتيجة المباحثات التي دارت بين القيادة الباكستانية والمبعوث الأميركي للمصالحة زلماي خليل زاد، خلال زيارته الأخيرة لإسلام آباد.

وتطرقت وسائل إعلام أفغانية وباكستانية اليوم عن قضية الإفراج هذه وأهميتها في الوقت الراهن.


وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "تاند" الأفغانية الصادرة باللغة البشتوية عن مصادر استخباراتية باكستانية الإفراج عن الملا برادر وقياديين آخرين، وذلك نتيجة المباحثات الأميركية والقطرية مع الجانب الباكستاني، موضحة أن كلا من نائبة وزير الخارجية الأميركي إليس ويلز والمبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد ناقشا القضية مع القيادة الباكستانية خلال زيارتيهما لإسلام أباد، لافتةً إلى أن القضية نوقشت كذلك خلال زيارة وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن الثاني إلى العاصمة الباكستانية، على أن هذا المطلب كان أميركياً وأفغانياً، ولعبت دولة قطر دوراً مهماً.

الإفراج لأجل المصالحة

وشكّل الإفراج عن الملا برادر مطلباً أفغانياً قديماً، منذ عهد الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي، كما طلب ذلك من الحكومة الباكستانية، الرئيس الأفغاني الحالي أشرف غني. وتدرك كابول أن برادر يقود التيار المعتدل في "طالبان"، وهو معروف في أوساط الحركة بنفوذه القوي في القيادة الميدانية، ولدى قبائل الجنوب، وهو من الداعين للمصالحة منذ البداية.

وكانت "المصالحة" السبب الرئيسي لاعتقال السلطات الباكستانية للملا عبد الغني برادر في العام 2010 في مدينة كراتشي. ورغم أن الكثيرين من قادة الحركة يعيشون في باكستان، إلا أن برادر كان يركز على المصالحة، وكان يشدد دائماً خلال الاجتماعات التي يرأسها على أن الحل العسكري فاشل، وأن أبناء أفغانستان يدفعون الثمن، فيما لم يكن هذا المنطق يتماشى مع المصالح الباكستانية، كما أن قيادة الحركة آنذاك، وتحديداً أختر منصور، لم يكونوا راضين عنه. ولذلك، قررت السلطات الباكستانية اعتقاله، وقد تعرض للضرب والتعذيب، وووضعه الصحي اليوم سيئ، كما يؤكد المصدر الطالباني.

ويكتسب الإفراج عن الملا برادر أهميته من حيث إنه سيحدث تغييراً في صفوف "طالبان"، كما أنه سيلقي بثقله على مسألة المصالحة. وبحسب المصدر، فإن المؤيدين للحوار "سيتنفسون مجدداً"، وسيجتمعون حول الرجل، للمضي قدماً بشأن المصالحة، كما أن التطور سيُضعف موقف المعارضين للحوار.

زعامة هيبت الله أخوند بخطر؟

يصعب الحديث حول مستقبل قيادة الحركة في الوقت الراهن، لكن المؤشرات والوقائع على الأرض تشير إلى أن الملا هيبت الله أخوند زاده، زعيم "طالبان"، الذي يواجه الكثير من المشاكل مع القادة السياسيين في الحركة ومع القادة الميدانيين، سيخسر نفوذه أكثر، لأن عيون كل تلك القيادات كانت وما زالت مصوبة باتجاه برادر أخوند. وكانت التكنهات تسري بأن برادر ظلّ قابعاً في السجن، لأن السلطات الباكستانية كانت تعمل على إتاحة الفرصة لهيبت الله ومن قبله منصور، لتولي زعامة الحركة، فالرجلان من الموالين لإسلام آباد.

وتقوي هذه الفرضية قضية الإفراج عن قياديين آخرين في "طالبان": الملا رسول، وهو أحد القادة البارزين في الحركة، أسس جماعة منشقة عن "طالبان" بسبب خلافاته مع الزعيم السابق للحركة الملا أختر منصور، مدعياً أن الأخير وأعوانه قتلوا الملا عمر، الذي لم يمت بحسب رأيهم موتة طبيعية، وهو كذلك معروف بعلاقاته الجيدة مع برادر أخوند، وكذلك الملا صمد الثاني، الذي كانت السلطات الباكستانية قد اعتقلته في العام 2016 بسبب خلافاته الحادة مع الملا هيبت الله أخوند زاده. 

من هو الملا برادر؟

ولد الملا عبد الغني برادر قبل 58 عاماً في إقليم أورزجان، جنوب أفغانسان، وعاش في قندهار. درس العلوم الدينية، وهو زوج شقيقة مؤسس الحركة الملا عمر، وكان ممن أسسوا "طالبان" معه. وكان برادر أحد نائبي الملا عمر، فيما كان الثاني، الملا عبيد الله أخوند.

لازم الملا برادر الملا عمر، وبقي قائد القوات المسلحة في زمن "طالبان"، الذي كان يرسله زعيم "طالبان" كقائدٍ لخط النار الأول في الأزمات.

ولم يتخذ الملا عمر أي قرار، في الواقع، من دون التشاور مع الملا برادر، ومع الملا عبيد الله أخوند زاده، حتى أن هناك من يؤكد من قادة "طالبان" أن زعيم الحركة الراحل أوصى بأن يتولى الزعامة من بعده إما برادر، وإما عبيد الله الذي تمت تصفيته في باكستان.

وعرف الملا برادر بحسه الاستراتيجي القوي في أوساط قيادات "طالبان"، وكان يدير وزارة الدفاع في حكومة "طالبان"، التي شغل فيها منصب نائب وزير الدفاع، الذي كانت كلّ الأمور في يده، بالإضافة إلى الأمور المالية للحركة خلال عهد حكومة "طالبان".

ويحظى برادر كذلك بنفوذ كبير في الأوساط القبلية، فهو أحد الوجوه المعروفة لقبيلة بوبلزاي المشهورة في الجنوب الأفغاني.

في العام 2001، وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر، اختفى الملا برادر كغيره من القيادات، وأعلن مقاومة القوات الأميركية، حتى اعتقل في العام 2010 في مدينة كراتشي الباكستانية.