هل تقنع أفغانستان علماء الدين بالضغط على "طالبان"؟

هل تقنع أفغانستان علماء الدين بالضغط على "طالبان"؟

06 أكتوبر 2018
عدد المدارس الدينية يبلغ 43 ألفاً (نورالله شيرزاده/فرانس برس)
+ الخط -
لطالما كان دور علماء الدين بارزاً في الوسط الآسيوي عموماً وأفغانستان خصوصاً، فهم قادة الأحزاب الجهادية التي وقفت في وجه الغزو السوفييتي (1979 ـ 1989)، وهم الذين شكّلوا حركة "طالبان" بحجة "الوقوف في وجه الفساد". وحتى الآن هم المسيطرون على قيادة حركة طالبان. كذلك كان وما زال للمدرسة الدينية الباكستانية ولعلماء الدين الباكستانيين دور بارز في الداخل الأفغاني، فهي التي أعطت الشرعية ووفرت العنصر البشري للحرب في أفغانستان إبان الغزو السوفييتي، ومنها تخرجت معظم قيادات "طالبان"، وتوفّر لهم الآن العنصر البشري. ورغم كل الضغوط الدولية والمحلية، إلا أن المدرسة الدينية في باكستان وقفت إلى الآن مع "طالبان"، مدافعة عن حربها علناً، معتبرة ذلك "جهاداً في سبيل الله ومقاومة ضد المحتل".

وعليه، تصرّ الحكومة الأفغانية، والرئيس أشرف غني منذ توليه مقاليد السلطة في البلاد، على تعاون المدرسة الدينية وعلماء الدين لحلحلة القضية الأفغانية وتشجيع حركة طالبان على الحوار، أو وقوف المدرسة الدينية وعلماء الدين في وجه الحركة وضد الحرب في أفغانستان في حال رفض الحركة للحوار. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، بذلت الحكومة الأفغانية جهوداً حثيثة، كما عمل سفيرها في باكستان  محمد عمر زاخيلوال على توطيد العلاقة مع المدارس الدينية وعلماء الدين المشهورين، ثم جمعت الحكومة علماء الدين في كل من السعودية وإندونيسيا وأفغانستان لإصدار فتوى ضد الحرب في أفغانستان. لكن يبدو أن كل تلك المحاولات لم تكن مجدية لأن علماء الدين الباكستانيين إما لم يشاركوا في كل تلك الجهود أو شاركوا فيها بمستوى ضعيف، وهم في الوقت نفسه أعلنوا تأييدهم لـ"طالبان" بدلاً من تأييدهم لما تقوم به الحكومة.

من هنا تسعى الحكومة الأفغانية إلى ممارسة الضغط على علماء الدين في باكستان من خلال الحكومة الباكستانية، من أجل مساعدتها في الخروج من المأزق. لذلك كان من ضمن مطالبها من الجانب الباكستاني تحريك علماء الدين ضد "طالبان" والحرب في أفغانستان عموماً. وكان هذا أحد محاور النقاش خلال زيارة المسؤولين الباكستانيين لكابول، وآخرها كانت زيارة وزير الخارجية شاه محمود قرشي في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي.

في هذا الصدد، دعا السفير الأفغاني لدى باكستان، محمد عمر زاخيلوال، العلماء "في الأساس إلى حثّ طالبان والمسلحين على العودة إلى الحوار معنا، لأننا نعرف جيداً مدى نفوذ هؤلاء والمدرسة الدينية الباكستانية على طالبان. ثانياً، ندعوهم إلى الوقوف في وجه الحرب في أفغانستان والتعاون معنا في حال رفض طالبان للحوار، لأن الوضع في أفغانستان حالياً لن يبقى داخل الحدود الأفغانية، بل سيؤثر على الوضع في باكستان والمنطقة بأسرها".

وأضاف زاخيلوال، في كلمة له في اجتماع لعلماء الدين من باكستان وأفغانستان عُقد في اسلام أباد في 30 سبتمبر الماضي، أنه "نأمل أن يؤدي علماء الدين في باكستان وأفغانستان دورهم الأساسي بهذا الصدد، لأنهم بذلك يؤدون مسؤوليتهم إزاء المنطقة".



من جهته، اعتبر السفير الباكستاني لدى أفغانستان، نصر الله حافظ، خلال الاجتماع ذاته، أن "سياسة الحكومة الباكستانية بزعامة عمران خان واضحة، وهي التعاون مع المصالحة الأفغانية واتخاذ جميع السبل واستخدام جميع الوسائل لوقف حمام الدم في أفغانستان، ومنها التعاون على مستوى علماء الدين والمفكرين بين الدولتين. وهو أصلاً ضروري لمستقبل العلاقة بين الجارتين اللتين تربطهما علاقات دينية واجتماعية وجغرافية وسياسية".

يذكر أن وفداً من علماء الدين ومن المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية زار أخيراً باكستان، بقيادة القائد الجهادي السابق من الحزب الإسلامي، عضو المجلس، المولوي عطاء الله لودين. زيارة الوفد جاءت تمهيداً لانعقاد مؤتمر لعلماء الدين في البلدين في إسلام أباد، في ظل خشية المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية من أن يتعامل علماء باكستان مع المؤتمر المقبل في العاصمة الباكستانية، كما تعاملوا مع مؤتمرات جدة وإندونيسيا وأفغانستان، حيث تفاوتت مشاركاتهم بين الحضور الضعيف أو الغياب، بل إن البعض ممن شارك فيها رفعوا صوت "طالبان" هناك.

السؤال الأهم هنا "هل أن الحكومة الباكستانية ستؤدي دوراً هذه المرة؟"، إذا استطاعت الحكومة الأفغانية إقناع الحكومة الباكستانية بهذا الصدد، فإن علماء الدين سيشاركون حتماً في مؤتمر إسلام أباد المقرر انعقاده خلال الأسابيع المقبلة، وسيدعون للحوار بين طالبان والحكومة على أقل تقدير، علماً أن عدد المدارس الدينية يبلغ نحو 43 ألف مدرسة متأثرة بالنفوذ الباكستاني.

في هذا الإطار، كشف المتحدث باسم المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية، إحسان طاهري، أنه "نتطلع إلى أن تفي حكومة باكستان الجديدة، برئاسة عمران خان، بالوعود التي قطعتها معنا حيال القضية الأفغانية، وتحديداً إزاء المصالحة"، واصفاً دورها ودور علماء الدين الباكستانيين بـ"الأهم لمستقبل أفغانستان وأمن المنطقة".



وشدّد طاهري، في حديث له مع "العربي الجديد"، على أنه "حان الوقت لكي تأخذ الحكومة الباكستانية خطوات عملية إزاء القضية الأفغانية"، موضحاً أن "هذا هو مطلب أفغانستان وهو ما يدعمه المجتمع الدولي وجميع دول المنطقة". ولفت إلى التأييد الدولي وعلى مستوى المنطقة لملف المصالحة الأفغانية.

كما أشار طاهري إلى زيارة وفد المجلس الأعلى للمصالحة للعاصمة الباكستانية إسلام أباد، مضيفاً أنه "تجري حالياً اجتماعات مع القيادة الباكستانية ومع علماء الدين هناك، بهدف تنظيم مؤتمر لعلماء الدين في البلدين، يكون عنوانه (المصالحة الأفغانية في ضوء الشريعة الإسلامية)".

مع العلم أن حركة "طالبان" لم تعرب عن حساسيتها إزاء أي قضية بقدر ما أعربت بشأن مؤتمرات علماء الدين سواء كان في جدة أو إندونيسيا أو ما يتوقع في باكستان. ونشرت الحركة مقالاً طويلاً على موقعها، مفاده أنه "بعد فشل القوات الأميركية في ميدان الحرب وبعدما واجهت هزائم تلو أخرى، لجأت الاستخبارات الأميركية إلى سياسية جديدة، عبر جعل علماء الدين في مقابل طالبان والاستفادة منهم لمقاومة الحركة". وقد أشار إلى ذلك كبار المسؤولين في الولايات المتحدة، ومنهم قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، الجنرال جون نيكولسن، ووزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، الذي أكد أن الاستفادة من علماء الدين ضد حركة "طالبان" هي "من ضمن استراتيجيته".

وطلبت "طالبان"، بعد الحديث حول الجهود الرامية لانعقاد مؤتمر علماء الدين في إسلام أباد، من العلماء الذين تصفهم بـ"علماء الحق الربانيين" أن "لا ينخدعوا بمثل هذه الألعاب الاستخباراتية ولا يجعلوا أنفسهم ضحية لسياسة الاستخبارات والإدارة الأميركية".

ولا شك أن لموقف "طالبان" أثراً كبيراً على موقف علماء الدين في باكستان، الذين يؤيد معظمهم الحركة ويعتبرون قتالها "جهاداً ضد محتل". من هنا تخشى الحكومة الأفغانية من فشل المؤتمر وتسعى للحصول على تأييد العلماء قبل انعقاده. في هذا الصدد، ذكرت مصادر لـ"العربي الجديد"، أن "وفد المصالحة الأفغانية طلب من عالم الدين المشهور في باكستان، الملقب بـ(والد طالبان) المولوي سميع الحق، أن يساعدهم في حث الحركة على العودة إلى الحوار. وقد زاره الوفد في مدرسته الحقانية. ولكن سميع الحق وجّه رسائل ضمنية، مفادها أن "طالبان محقة وأن الحوار لا ينجح إلا بعد خروج القوات الأجنبية"، مشدّداً على رغبته في انتهاء الجهاد في أفغانستان وأن "تصبح أفغانستان حرة أبية".