تعيينات الحوثيين: السلطة المطلقة في أجهزة الدولة اليمنية

تعيينات الحوثيين: السلطة المطلقة في أجهزة الدولة اليمنية

04 يناير 2018
يريد الحوثيون ضمان الاستفراد بالحكم (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
يمكن القول إن الأول من يناير/ كانون الثاني 2018، يؤسس لمرحلة جديدة من سلطة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في اليمن، عنوانها السلطة المطلقة في أجهزة الدولة اليمنية السيادية الأمنية والاقتصادية والسياسية، على الأقل في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وذلك بعد حزمة التعيينات التي افتتحت بها الجماعة العام الحالي، وعكست مضي الجماعة بإحكام قبضتها كمتحكم وحيد في مركز الدولة اليمنية، بدون مبالاة بما يعده لها خصومها في الشرعية والتحالف الذي تقوه السعودية والإمارات، من تصعيد عسكري، أو بمجموع القوى والفعاليات اليمنية التي تنظر إلى انفراد الحوثيين وسيطرتهم على مراكز الدولة في البلاد، بمثابة كابوس لا يمكن القبول به.
وينظر إلى التعيينات المتتالية التي تقوم بها الجماعة بكثير من القلق لأسباب عدة، أولها افتقار أغلب المعينين إلى خبرات كافية تؤهلهم إدارة المؤسسات التي باتوا يتولونها، وهو ما يعني تدميراً بطيئاً لما تبقى من كفاءة الجهاز الإداري للدولة الذي يعاني في الأساس من اختلالات عدة.
كما أن هذه التعيينات تشكل استمراراً لنهج الجماعة منذ بداية اجتياحها لصنعاء وفرض نفسها تباعاً من طرف مشارك في الحكم إلى متفرد به، القائم على إغراق أجهزة وإدارات الدولة اليمنية بالمحسوبين عليها سواء في المؤسسات المدنية أو العسكرية، الأمر الذي يتوقع أن تمتد تداعياته لسنوات. ويسود اعتقاد بأن الجماعة تهدف إلى ضمان استمرار تحكمها بأجهزة الدولة لفترات طويلة، حتى لو تم التوصل في وقت لاحق إلى تسوية أو حل سياسي، وذلك من خلال جيش من الموظفين الذين فرضتهم داخل المؤسسات خلال السنوات الثلاث الماضية، عبر ما يوصف بسياسة "الإحلال" والقائمة على استبدال موظفي الدولة بآخرين من المحسوبين على الجماعة. 
 وعلى الرغم من أن التعيينات في اليمن لطالما تداخلت فيها عوامل المحسوبية السياسية والقبلية، إلا أن الجماعة، ومن خلال التعيينات التي تقوم بها في السنوات الأخيرة، تكرّس عرفاً جديداً عنوانه المحسوبية القائمة على الهوية التمييزية أخذاً بعين الاعتبار كون نسبة كبيرة من المعينين، تحديداً في المناصب القيادية، هم من "الهاشميين"، وهو ما ينظر إليه بأنه سيف ذو حدين، نظراً لأن المعاملة التمييزية التي ينالها جزء من "الهاشميين" بصفتهم "فئة اجتماعية أعلى شأناً" بدأت تنعكس سلبياً عبر خطاب معادٍ غير مسبوق لـ"الهاشميين" وتعميم وصفهم بأنهم حوثيون، الأمر الذي ستدوم انعكاساته عليهم لسنوات لاحقة نتيجة الانقسام الاجتماعي الذي يعاني منه المجتمع اليمني حالياً كأحد تجليات الحرب التي خاضها الحوثيون ضد اليمنيين قبل أن تتحول إلى حرب أوسع بتدخل التحالف.



وأكدت مصادر سياسية في العاصمة اليمنية، لـ"العربي الجديد"، أن قسماً كبيراً من أبرز التعيينات التي أصدرتها الجماعة، يوم الاثنين الماضي، جاءت لتثبيت قيادات في الجماعة، كانت هي التي تدير الأجهزة والمؤسسات التي شملتها التعيينات، غير أن الخلافات مع حزب المؤتمر الشعبي العام (حليفها سابقاً برئاسة علي عبدالله صالح)، وقفت عائقاً من دون إصدارها، لكن بعد قتل جماعة الحوثيين لصالح لم تتأخر في تعيين قيادات منها على رأس أجهزة حكومية ومؤسسات على قدر عالٍ من الرمزية المرتبطة بالدولة اليمنية، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، في حين أن أغلب القيادات التي تم تعيينها، لم تكن تُذكر في قوائم جنرالات الحكم ورجال الاقتصاد والسياسة في البلاد، خلال سنوات سابقة.

ومن أبرز التعيينات البالغ عددها 32 قراراً، تسمية اللواء عبدالرب صاح أحمد جرفان، رئيساً لجهاز الأمن القومي (أحد فرعي الاستخبارات والأهم بينهما). وجرفان قيادي في الجماعة يُدعى "أبو طه"، تشير المعلومات المتوفرة عنه إلى أنه من مواليد العام 1980 بمحافظة صعدة، وهو المسؤول الاستخباراتي للحوثيين، وكان يدير فعلياً الأمن القومي قبل تعيينه رسمياً رئيساً للجهاز المتهم بتنفيذ اعتقالات لمعارضي الحوثيين. كذلك عينت الجماعة اللواء عبدالقادر قاسم أحمد الشامي، رئيساً للجهاز المركزي للأمن السياسي (الفرع الثاني للاستخبارات اليمنية). والشامي عينه الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي وكيلاً للجهاز نفسه، بعد سيطرة الحوثيين في صنعاء، وكان بمثابة المسؤول العملي عن إدارة الجهاز خلال العامين الأخيرين. والاثنان، جرفان والشامي، من قيادات الجماعة، وورد اسماهما ضمن قائمة المطلوبين الـ40 التي أعلنتها السعودية في نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي، وقدمت 20 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات تقود لأي منهما.
وبالإضافة إلى إحكام الحوثيين قبضتهم على فرعي الاستخبارات (السياسي والقومي)، شملت تعيينات الجماعة، علي يحيى العماد، رئيساً للجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وكان العماد رئيساً لما يُسمى بـ"اللجنة الرقابية العليا" التي أنشأها الحوثيون بموازاة "الجهاز المركزي للرقابة". وعينت الجماعة كذلك، القيادي أحمد حامد مديراً لمكتب رئاسة الجمهورية، بعد أن كان يشغل منصب وزير الإعلام عن حصة الحوثيين بما سُمي بـ"حكومة الإنقاذ الوطني" (الانقلابية في صنعاء). وشملت التعيينات تسمية إبراهيم أحمد الحوثي، رئيساً لقطاع الرقابة في البنك المركزي، وبذلك أحكمت الجماعة قبضتها على أبرز الدوائر الأمنية والرقابية الحساسة في الدولة اليمنية، وهي مواقع على قدر من الحساسية. وقالت مصادر قريبة من الحوثيين، لـ"العربي الجديد"، إن التعيينات بمثابة "ترجمة لتوجيهات زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، الذي لطالما نادى في خطاباته بإصلاح الأجهزة الرقابية والقضائية (الأخيرة سبق أن عين الحوثيون فيها أواخر 2017)"، إذ كان يتهم حزب صالح بإعاقة الإصلاحات في هذه الأجهزة، التي تمثل أجهزة سيادية.


في الجانب السياسي، شددت الجماعة قبضتها في وزارة الخارجية التي تعد إحدى الحقائب السيادية الأربع، من خلال تعيين القيادي حسين العزي، نائباً لوزير الخارجية. وكان العزي يشغل الدائرة السياسية في "المكتب السياسي لأنصار الله"، وشملت التعيينات تسمية نبيل عبدالرحمن الغولي وكيلاً سياسياً للخارجية، وبهذين التعيينين بات الوزير الذي يمثل حزب المؤتمر في الحكومة الانقلابية (هشام شرف)، أقرب للعزل، سواء بعد تعيين نائب ووكيل سياسي للوزارة، أو بحكم أن الكلمة الأولى والأخيرة في صنعاء باتت للحوثيين.
وأبرز ما حملته القرارات، إقالة وزير المالية صالح أحمد شعبان، الذي كان يُتهم بوضع عراقيل أمام دفع مرتبات الموظفين وعينته الجماعة مستشاراً لـ"المجلس السياسي الأعلى" للشؤون الاقتصادية، فيما عينت بدلاً عنه حسين عبدالله مقبولي وزيراً للمالية، وهو من الشخصيات المحسوبة على الجماعة وكان يشغل منصب نائب لرئيس الوزراء للشؤون الخارجية. في موازاة ذلك، صعدت التعيينات بأحد الإعلاميين الجنوبيين المعروفين الذين باتوا في السنوات الأخيرة في صف الحوثيين، وهو عبدالسلام جابر (رئيس تحرير صحيفة "القضية" سابقاً)، إذ عينته وزيراً للإعلام، أما في وزارة النفط، فقد جاءت الجماعة بالوزير الأسبق أحمد عبدالله ناجي دارس، وهو من كوادر الوزارة المعروفين وعينته وزيراً خلفاً للوزير المحسوب على حزب المؤتمر، ذياب بن معيلي، بعد أن غادر الأخير صنعاء وانضم إلى الشرعية في محافظة مأرب.
إلى ذلك، أحكمت الجماعة من خلال تعيينات الأول من يناير، قبضتها على العديد من المؤسسات الإيرادية، إذ عينت هاشم محمد هاشم الشامي رئيساً لمصلحة الضرائب، وسليم محمد محمد الحضرمي رئيساً لمصلحة الجمارك، وخالد محمد عبدالله شرف الدين نائباً لرئيس الهيئة العامة للاستثمار. كما عينت حسين عبدالله النميري نائباً لرئيس الهيئة العامة للمساحة والجيولوجيا، والقاضي أحمد عبدالله العزاني رئيساً للهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني. وفي الجانب التعليمي، عين الحوثيون الدكتور أحمد محمد هادي دغار رئيساً لجامعة صنعاء، الدكتور عبدالله محمد محمد الشامي رئيساً لجامعة الحديدة، وهما أبرز جامعتين يمنيتين خاضعتين لسيطرة الجماعة.
كل ذلك، بالإضافة إلى كون الجماعة قد أصدرت قرارات في الأشهر الماضية وخلال العامين الماضيين، فرضت من خلالها مسؤولين في أبرز المواقع القضائية والاقتصادية والسياسية والأمنية، بما في ذلك القرارات التي أصدرتها في ديسمبر/ كانون الأول 2017 بعد مقتل صالح، إذ عين الحوثيون مسفر النمير وزيراً للاتصالات وتقنية المعلومات في أهم وزارة إيرادية كانت من حصة حزب صالح، كما عينوا وزيراً للداخلية من المحسوبين على الجماعة، وهو العميد عبدالملك المروني.

ومن زاوية أخرى، حملت تعيينات الحوثيين قرارات مثيرة، بتسمية محافظين لمحافظات خاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، إذ عين الحوثيون أحمد غالب الرهوي محافظاً لمحافظة أبين، وطارق مصطفى محمد سلام محافظاً لمحافظة عدن، وهاشم سعد محمد بن عايود محافظاً لمحافظة سقطرى. وتأخذ التعيينات طابعاً رمزياً. ولم يستبعد البعض أن يكون الهدف منها سعي الجماعة لنفي الانطباعات الشطرية عن التعيينات، بعد تداول تصريحات (غير مؤكدة) منسوبة للمتحدث باسم الحوثيين، محمد عبدالسلام، تتضمن عرضاً للجنوبيين بأن لهم الجنوب مقابل توقفهم عن المشاركة بالمعارك ضد الجماعة في الشمال، وهو تصريح مفبرك على الأرجح، إلا أنه وجد أصداء وردود فعل مثيرة.
وبصورة مجملة، تشير التعيينات الحوثية في أول أيام العام الجديد، إلى أن الحوثيين الذين كانوا إلى ما قبل سنوات جماعة محدودة الانتشار في أقصى البلاد، باتوا يستحوذون اليوم على دوائر وأجهزة الدولة اليمنية الأكثر سيادية ورمزية، من دون أي منافسة لهم على غرار تلك التي كان يشكلها صالح.