جنين العصية على الاحتلال تحت الاستهداف من جديد

جنين العصية على الاحتلال تحت الاستهداف من جديد

19 يناير 2018
مواجهات بعد العملية الإسرائيلية في جنين (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
أعادت العملية العسكرية التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، ليل الأربعاء-الخميس، واستمرت حتى ساعات الصباح الأولى، وما تخللها من عملية اشتباك، وأدت لإصابة اثنين من قوات الوحدات الخاصة الإسرائيلية، واستشهاد الشاب الفلسطيني أحمد إسماعيل جرار وهدم ثلاثة منازل لعائلة جرار، التذكير بدور مدينة جنين ومخيمها عبر تاريخ القضية الفلسطينية، والتي كانت عصية على أعدائها.

في انتفاضة الأقصى التي اندلعت في العام 2000، كانت جنين معقلاً لقادة الانتفاضة من مختلف الفصائل وأذرعها العسكرية، ومنها خرج العشرات من الاستشهاديين، الذين نفذوا عمليات فدائية تفجيرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948. في المدينة مخيم كسر شوكة الترسانة العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، عندما دارت معركة ضارية إبان انتفاضة الأقصى، في شهر إبريل/نيسان من العام 2002 بين مسلحين فلسطينيين قُدر عددهم آنذاك بنحو 200 مسلح من كافة عناصر الفصائل الفلسطينية، استمرت لمدة 15 يوماً. بنادق كلاشنكوف وأم 16 وبضع قنابل يدوية، وألغام، وعبوات متفجرة محلية الصنع وقذائف آر بي جي، كانت بحوزة المقاومين الفلسطينيين مقابل ترسانة عسكرية مكونة من آلاف الجنود، ودبابات وجرافات عسكرية، وتغطية من الطيران الحربي بمختلف أنواعه، ورغم ذلك شكل المخيم ملحمة أسطورية في الصمود أمام نيران الاحتلال التي لم تتوقف طيلة خمسة عشر يوماً.

اجتاح الاحتلال غالبية المدن الفلسطينية، وسيطر عليها، لكن المخيم في جنين أظهر شراسة وقتالاً ضارياً عندما صد دبابات "الميركافا" حديثة الصنع آنذاك، وأجبرها على الانسحاب لأطراف المدينة، وأعطب عدداً منها وقتل في اليوم الأول 4 جنود وجرح 15 آخرين. قُتل في معركة مخيم جنين عام 2002، 23 جندياً إسرائيلياً وأصيب العشرات بحسب اعتراف الاحتلال، بينما استشهد نحو 63 فلسطينياً من بينهم 23 مقاوماً، فيما هُدمت كثير من المنازل تحت جنازير الجرافات والدبابات وأعيد بناؤها، في الوقت الذي عادت المقاومة إليه.
يعد مخيم جنين الواقع إلى الغرب من مدينة جنين معقلاً لعناصر المقاومة الفلسطينية منذ العام 2000 وحتى اليوم، وتحتاج إسرائيل كل قوتها ووحداتها العسكرية كي تتقدم متراً واحداً في المخيم الذي يقع على مساحة تقل عن كيلومتر مربع واحد فقط. وبعد أن حاولت قوات الاحتلال كسر المقاومة الفلسطينية في مخيم جنين، عام 2002، كانت ساعات الليل مسرحاً للاشتباكات المسلحة التي تدور بين المقاومين وقوات الاحتلال.

عملية الاحتلال التي نفذها، ليل الأربعاء الخميس، في حي واد برقين إلى الغرب من مدينة جنين، أدت إلى استشهاد الشاب أحمد إسماعيل جرار، وهدم الاحتلال عدة منازل لعائلة جرار في المنطقة، من بينها منزل الشهيد القيادي في "كتائب القسام"، نصر جرار، والذي كان هدفاً لقوات الاحتلال في العملية، وباتت الأمور مفتوحة حول، إن تمكن الاحتلال من الوصول إلى منفذ عملية قتل المستوطن في التاسع من الشهر الحالي بالقرب من نابلس أم لا؟

حول تفاصيل عملية اقتحام واد برقين، قال حاتم جرار، وهو قريب الشهيد أحمد إسماعيل جرار، لـ"العربي الجديد": "بيتي مجاور لمكان الاشتباك الذي وقع، عند الساعة العاشرة والنصف سمعنا صوت إطلاق نار استمر نحو عشرين دقيقة، تبعه تواجد مكثف لقوات الاحتلال في المنطقة، حاولنا الخروج لمعرفة ما يجري، إلا أن قوات الاحتلال كانت تشدد من إجراءاتها في المنطقة ومنعتنا من استطلاع الأمر".
وبحسب جرار، لم يكن لدى الأهالي علم بأن هناك مطلوباً للاحتلال، إذ كان المطلوبون والمطاردون معروفين بين الأهالي سابقاً، وكان الأهالي يتوقعون في كل اقتحام أن تكون هناك مطاردة لأحد المطلوبين، لكن الأمر في هذه الفترة لم يكن متوقعاً، وكان مستبعداً أن يكون منفذ عملية نابلس من مدينة جنين، وأن هناك مطلوباً تحاول قوات الاحتلال اغتياله أو اعتقاله. عرف الأهالي بعد أن بدأ جنود الاحتلال بالنداء على المطلوب عبر مكبرات الصوت بأن يسلم نفسه، أن مطلوباً للاحتلال يختبئ في مكان ما، وتبيّن لهم من خلال الاشتباك المسلح الذي جرى أن معركة تدور مع قوات الاحتلال.

وأشار حاتم جرار إلى أن قوات الاحتلال قصفت منزل عائلة الشهيد نصر جرار بالصواريخ بعد أن أخرجت زوجته وابنته وابنه من المنزل، وعقب ذلك سُمعت أصوات الجرافات وهي تقوم بعملية الهدم، مع مطالبة الاحتلال عبر مكبرات الصوت بأن يسلم المطلوب نفسه. يُذكر أن قوات الاحتلال اغتالت نصر جرار في 14 أغسطس/آب من العام 2002، في أحد المنازل بمدينة طوباس شمال شرق الضفة الغربية، عقب اشتباك مسلح في المكان شاركت فيه خلية تابعة لـ"القسام" والتي تمكنت من الانسحاب، بينما تم اغتيال نصر جرار الذي اتهمته قوات الاحتلال بالتخطيط للعديد من العمليات ضدها، فيما كان نصر قد فقد قدميه وذراعه خلال إعداده عبوة ناسفة في العام 2000 بداية انتفاضة الأقصى.


كذلك هدم الاحتلال الخميس بالجرافات العسكرية منزلي علي وإسماعيل جرار، وقام بتخريب وهدم جزئي لمنزل ياسين جرار، وهم أشقاء الشهيد نصر جرار. ولفت حاتم جرار إلى أن شابين اثنين من العائلة مفقودان، وهما أحمد نصر جرار، وأحمد إسماعيل جرار، وهما أبناء عم، بينما اعتقل الاحتلال ثلاثة شبان آخرين. الارتباط الفلسطيني، وفق حاتم جرار، أبلغ العائلة بأن أحمد إسماعيل جرار هو الشهيد، إلا أن العائلة كانت لا تزال تشكك في المعلومات التي تصلها، كونها لم تستلم الجثمان ولم تتأكد بنفسها من هوية الشهيد.

ومُنعت طواقم الإسعاف والصحافيين من الوصول إلى مكان عملية الهدم وتواجد الإصابات بحكم الاشتباك المسلح وإطلاق النار المستمر في المنطقة، بينما تم الاعتداء على سيارة إسعاف بقنبلة صوتية أطلقها جنود الاحتلال، وفق ما أكدته مصادر صحافية. وقال حاتم جرار إن "هدم أربعة منازل واستمرار عملية البحث كانا يشيران إلى أن قوات الاحتلال تحاول الوصول إلى أحد الشبان، كون الاحتلال يقوم بالعادة إما باعتقال المطلوب أو اغتياله، ويتخلل ذلك هدم المنزل إذا كانت هناك مقاومة، ومن ثم ينسحب، إلا أن جيش الاحتلال لم ينسحب عقب استشهاد الشاب، وواصل عملية الهدم".

واعترف الإعلام الإسرائيلي أن ما شهدته جنين كانت ليلة قاسية لوحدة "يمام"، الوحدة الخاصة التابعة لحرس الحدود الإسرائيلي، إذ أصيب جنديان من الوحدة بجراح، أحدهما بجراح خطرة والآخر بجراح خفيفة، خلال اشتباك مع أحد الشبان. من جهته، "هنأ" رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قوات الاحتلال، على العملية، التي قال إنها أدت "لاعتراض الخلية الإرهابية الفلسطينية التي قتلت" المستوطن في 9 الحالي، وفق بيان صدر عن مكتبه.
يُذكر أنه بعد عملية قتل المستوطن قرب نابلس بوقت قصير جداً، بدأت قوات الاحتلال بعمليات دهم وتفتيش وبحث طاولت عشرات الكيلومترات، في تتبع شمل مصادرة كاميرات مراقبة للعشرات من المنازل والمحال التجارية، بدءاً من القرى الواقعة إلى الغرب من مدينة نابلس شمال الضفة القريبة من مكان تنفيذ العملية، وصولاً إلى قرى مختلفة من نابلس وطاولت عمليات البحث قرى أخرى في محافظة جنين، في محاولة لرصد وتعقب منفذي العملية.

ومن اللافت أن قوات الاحتلال عمدت إلى نشر المزيد من كاميرات المراقبة في الطرق الرئيسية، لكن المفاجأة السيئة كما عرضتها شاشات التلفزة الإسرائيلية أن من يقوم بوضع هذه الكاميرات هم عمال فلسطينيون، ويعمد الاحتلال إلى ربط كل الشوارع الرئيسية التي يسيطر عليها بشبكة كاميرات متطورة جداً ليصبح بإمكانه ملاحقة أي هدف عبرها. الأمر الذي يزيد المشهد سوءاً هو إقبال الفلسطينيين على استخدام الكاميرات سواء على مداخل البيوت أو المحال التجارية بهدف الحماية الذاتية من السرقة، لكن هذه التقنية تحولت إلى نقطة قوة كبيرة بيد الاحتلال، في حين يطلق صحافيون ونشطاء من وقت لآخر مطالبات بالكف عن الهوس بالكاميرات لما لذلك من أثر سلبي على حياة المقاومين.

قوات الاحتلال كانت قد صادرت، الثلاثاء، مركبة محترقة بالكامل في منطقة قريبة من الجامعة العربية الأميركية على مقربة من بلدة الزبابدة جنوب شرق مدينة جنين، تشتبه قوات الاحتلال أنها لمنفذي عملية قتل المستوطن، ومن ثم قامت بمصادرتها عبر شاحنة عسكرية، وفق ما أكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد".

وعقب عملية نابلس، توالت ردود أفعال قادة الاحتلال على المستوى السياسي، منهم من طالب بالرد عبر قتل الفلسطينيين، وآخرون دعوا إلى بناء المزيد من المستوطنات، فيما اتهم بعضهم السلطة الفلسطينية بتقديم الدعم للعملية. وزير الزراعة الإسرائيلي، أوري أرنيل، دعا إلى قتل الفلسطينيين بشكل مباشر للرد على العملية، وقال في تصريحات: "آن الأوان أن يكون هناك قتلى فلسطينيون"، مطالباً بطرد عائلات منفذي العمليات في الضفة. بينما أدلى رئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بينت، بتصريحات بعد وقوع العملية، قال فيها، إن القبض على منفذي العملية لا يكفي، ويجب الرد بالإعلان عن المزيد من بناء المستوطنات، إضافة إلى شرعنة البؤرة الاستيطاني "حفات جلعاد"، وهي البؤرة التي يعيش فيها الحاخام القتيل. كما دعت وزيرة القضاء الإسرائيلي، أيليت شاكيد، إلى بناء المزيد من المستوطنات، واتهمت السلطة أنها تمول وتشجع العمليات ضد المستوطنين، مضيفة "على الفلسطينيين أن يدركوا أن عمليات قتل الإسرائيليين ستضر بهم".