لماذا ترفض إيران استفتاء انفصال كردستان العراق؟

لماذا ترفض إيران استفتاء انفصال كردستان العراق؟

18 سبتمبر 2017
تتخوّف إيران من تحرّكات الأكراد الإيرانيين الموالين لـ"العمال الكردستاني"(Getty)
+ الخط -
منذ أن دعا رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني، إلى إجراء استفتاء على انفصال الإقليم وتحديد موعده لاحقاً، والذي من المفترض أن يجرى في 25 سبتمبر/ أيلول الحالي، أبدت طهران، على لسان مسؤوليها السياسيين والعسكريين، امتعاضاً من الخطوة، فحذّرت، بلهجة شديدة وحازمة، من تبعات الموضوع الذي رفضته جملة وتفصيلاً لأسباب عديدة، ووضعت عنواناً عريضاً للأسباب مفاده رفض تقسيم العراق، واعتبار أن الاستفتاء يخالف الدستور في هذا البلد، وهو الأمر الذي أعاد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى، علي شمخاني، تكراره أمس الأحد، محذراً من تداعيات الانفصال.

توقيت إجراء الاستفتاء يتزامن مع الذكرى 71 لإعلان قيام جمهورية مهاباد الكردية شمال غربي إيران، وهي الجمهورية التي لم تكد تُبصر النور حتى أسقطتها حكومة الشاه محمد رضا بهلوي بدعم أميركي عام 1946 وعقب مرور 11 شهراً فقط على تأسيسها. وعادت محاولات تأسيس الدولة الحلم إلى الواجهة في إيران أيضاً، بعد انتصار ثورتها الإسلامية عام 1979، فشهدت المناطق الكردية محاولات تمرّد عديدة، سيطر عليها الحرس الثوري لاحقاً. وفي تسعينيات القرن الماضي، سحب الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مقاتليه من إيران، بعد الاتفاق مع أحزاب كردية في إقليم كردستان العراق، ليعود إلى نشاطه العسكري المسلّح قبل عام تقريباً.
ومن هنا سبب القلق الأبرز لإيران، والتي ترى أنها غير معنية في الوقت الراهن بالوجود أمام صراع دموي مع تشكيلات انفصالية كردية. وقد شغل الحزب "الديمقراطي الكردستاني" الإيراني المعروف باسم "حدكا" قوات الحرس الثوري الإيراني في مناطق واقعة شمال غربي إيران خلال الأشهر الماضية، ووقعت اشتباكات مسلحة بين الفينة والأخرى في تلك المناطق، أسفرت عن قتلى من الطرفين، كذلك جرى تفكيك خلايا إرهابية ومصادرة أسلحتها، بحسب وصف المعنيين من الطرف الإيراني.

كذلك يُثير حزب "بيجاك" الكردي قلق طهران، وهو حزب "الحياة الحرة" الكردستاني في إيران، والذي يمثّل جناح حزب "العمال الكردستاني". تبنّى أفراد من هذا الحزب هجمات وقعت في سنندج الإيرانية القريبة من الحدود العراقية عام 2015، وقد عزز الحرس الثوري وجوده على الشريط الحدودي وأمسك بزمام الأمور هناك بعد أن كانت بيد حرس الحدود. وتعتبر إيران أنها تواجه مجموعات انفصالية مسلحة، على الرغم من أنها تقلّل من خطرها وتتحدّث عن محاصرة أفرادها، لكنها أبدت في وقت سابق استعداها للتدخّل عسكرياً حتى داخل أراضي كردستان العراق لمواجهة كل ما يُهدد أمنها القومي. وفي حال وصل الاستفتاء إلى نتيجة تُعطي الإقليم صلاحية الانفصال عن العراق، لن تصبح معادلة الصراع هذه وكأنها مع أحزاب انفصالية كردية خارجة عن سيطرة الإقليم، بل ستتحوّل إلى صراع مع الإقليم نفسه الذي يؤوي هذه العناصر.

السبب الآخر المطروح على ساحة التحليل، هو أن تشكيل دولة كردية مستقلة مجاورة لإيران، قد يفتح الباب نحو تهديد يواجه المنطقة برمتها لا إيران وحدها، وهي المنطقة المسكونة بقوميات متعدّدة. يُحاذي إقليم كردستان العراق جغرافياً المناطق الغربية لإيران، والتي يقطنها أكراد هذا البلد، وفي إيران محافظة كردية يطلق عليها اسم كردستان لكنها غير منفصلة وتشكل جزءاً من الوحدة المركزية وتخضع لحكم طهران، والتي تتخوّف من أي تحركات قد تلبّي الطموح الكردي، إلا أنها في الوقت نفسه تراهن على كون عدد كبير من هؤلاء من المذهب الشيعي، وعلى شعورهم بالانتماء لإيران.


ويرى المحلل السياسي عماد أبشناس، أن انفصال كردستان العراق قد يحمل تهديداً لتركيا أكثر من كونه موجّهاً لإيران، فطهران غير متخوّفة كثيراً من نشاط أبناء القومية الكردية، ولكن المشكلة تكمن في نشاط الأحزاب والتنظيمات الانفصالية. ويوضح أبشناس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القلق الحقيقي متعلق بتهديد الأمن القومي بالدرجة الأولى، فوجود دولة كردية محاذية لإيران يعنّي حداً فاصلاً قد يتعارض مع مصالح وأمن اللاعبين الأساسيين في الإقليم وعلى رأسهم إيران وتركيا، والتخوّف أيضاً نابع من التهديد الإسرائيلي الذي سيصبح محاذياً لإيران، كون انفصال الإقليم يحظى بدعم إسرائيلي. والنقطة الأبرز حسب رأيه، تتعلق بتهديد تنظيم "داعش"، فالتفجيران اللذان نفذهما التنظيم في طهران سابقاً، نفذهما أكراد إيرانيون، أكدت التحقيقات أنهم تلقوا جزءاً من تدريباتهم في كردستان العراق، ودخلوا إلى إيران من أراضي الإقليم.

ويستبعد أبشناس خيار تدخّل إيران عسكرياً، متوقّعاً عدم اعتراف بلاده بإقليم كردستان ككيان مستقل عن العراق، مؤكداً أن إيران تدرس حالياً خيارات فرض حصار اقتصادي وقطع العلاقات والتضييق على الإقليم في حال وصل الاستفتاء إلى النتيجة المرجوة كردياً، موضحاً أن إيران ستقطع طرقها البرية والجوية، وهو ما يعني تضييق الخناق على تلك المنطقة، وهذا بعد سنوات من التعاون التجاري والاقتصادي المُثمر بين الطرفين. هذا الأمر أكده أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى، علي شمخاني، والذي أعلن في تصريحات صحافية أمس أن طهران تتعامل مع الإقليم على أنه جزء من العراق، وفي حال انفصاله ستضطر إيران لإغلاق كافة منافذها ومعابرها الحدودية إليه. وشدّد على أن بلاده ترى أن استفتاء انفصال إقليم كردستان غير قانوني، مشيراً إلى أن انفصال الإقليم عن العراق سينهي كافة التعاملات والاتفاقيات مع إيران، مؤكداً أن بلاده ستعيد النظر في سياسة أمن حدودها المشتركة مع الإقليم وستتخذ إجراءات جديدة تختلف عن السابق، لتحول دون عبور "العناصر الإرهابية" على ذلك الشريط الحدودي.

على صعيد التحركات، لم تكتفِ طهران بإصدار تصريحات سياسية، بل توجّهت إلى تركيا وبدأت بالتنسيق معها على أعلى المستويات، وكانت زيارة رئيس هيئة الأركان التابعة للقوات المسلحة الإيرانية محمد باقري قبل فترة إلى هناك هي الأبرز على هذا الصعيد، وانتهت بتوافقات أمنية وعسكرية ترتبط بكردستان العراق بالدرجة الأولى. باقري عيّنه المرشد علي خامنئي في منصبه، وهو من محافظة أذربيجان الغربية القريبة من الحدود مع العراق وتركيا والمحاذية لمحافظة كردستان الإيرانية، ولديه خبرة واسعة في التعامل مع تلك المناطق ومع الملف الكردي.

يشير الدبلوماسي الإيراني الأسبق هادي أفقهي، إلى أن التحركات الإيرانية لم تكن سياسية وحسب، بل كانت أمنية وعسكرية، قائلاً إن قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني أنهى أخيراً زيارة إلى السليمانية حيث التقى مسؤولين أكراداً في محاولة لثنيهم عن الاستفتاء، وشرح لهم الموقف الإيراني القلق من التبعات على العراق نفسه.
ويوضح أفقهي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن طهران ترى أن انفصال كردستان العراق سيتسبّب بنزاع دموي داخل العراق سينعكس بالضرورة على دول المنطقة التي رفضت بغالبيتها هذه الخطوة، مضيفاً أنه إذا لم يتراجع مسؤولو كردستان العراق عن الاستفتاء، ووصلت الأمور إلى إعلان الانفصال، فستتصرف طهران مع الأمر وفق قاعدة ما بُني على باطل فهو باطل، ولن تعترف بنتائج الاستفتاء.
ولكن يبدو أن إيران ما زالت تراهن على جهودها السياسية من جهة، وعلى الجهود الدولية التي قد تُثني المسؤولين في كردستان العراق عن الخطوة أو على الأقل قد تقنعهم بتأجيلها، كما تراهن على المناطق التي يقطنها عرب وتركمان وتسعى السلطة في الإقليم للحصول على أصواتهم في الاستفتاء.