فصام في الموقف

فصام في الموقف

04 يونيو 2017
المواطن السوري فقد الثقة بكل شيء (ألفارو فوينت/ Getty)
+ الخط -
مع زيادة تعقيد المشهد السوري، ترسخت لدى المواطن السوري العادي في مناطق سيطرة المعارضة حالة من فقدان الثقة، والفصام في الموقف من كل ما هو حوله، من تنظيمات وفصائل وهيئات سياسية تدعي تمثيله أو دول تدعي دعمه.

ففي المناطق التي تحكمها فصائل إسلامية، يجد المواطن العادي أن تلك الفصائل هي من تدافع عنه ضد قوات النظام والمليشيات الطائفية التي تقاتل معه، والتي تقوم بقصفه بشكل يومي، كما يجد أن تلك الفصائل هي من تؤمن له الكثير من احتياجاته الحياتية من مرافق خدمية وغيرها. وفي حال الحاجة الماسة، هي من تؤمن له سلالاً إغاثية تعينه على الصمود. لكن بالمقابل، يجد أن تلك الفصائل تتدخل بأدق تفاصيل حياته اليومية. والأهم هو أنه يجد أن حكم تلك الفصائل له ليس من أجل تحقيق أهداف الثورة التي قام بها ضد الاستبداد وإنما من أجل تنفيذ مشاريع خاصة بها وتكريس استبداد أكثر سوءاً.

أما في المناطق التي تسيطر عليها فصائل من "الجيش السوري الحر"، فيجد المواطن العادي نفسه موالياً لهذه الفصائل كونها تعمل على تحقيق أهدافه نفسها، ولكنه يعيش حالة الفصام في الموقف منها حين يجد ارتباطاتها بأجندات ومصالح بعض الدول. والموقف المتناقض ذاته يعيشه المواطن العادي من الجهات التمثيلية السياسية. فهي من جهة، تمثل موقفه السياسي، ومن جهة أخرى، لا تقدم له أي شيء وجزء كبير منها تحول إلى ممثلين لدول أكثر منهم ممثلين لثورة. طبعاً عدا عن حالات الفساد التي تظهر لدى بعضها بين الحين والآخر.

وعلى صعيد الدول، يكنّ المواطن في تلك المناطق الكثير من الاحترام لتركيا كونها وقفت إلى جانب ثورته ودعمت فصائل "الجيش الحر"، واستقبلت لاجئيه. لكنه في المقابل يعود إلى حالة الفصام في الموقف حين يرى تنسيقها العالي مع الروس الذين يقتلونه يومياً وإغلاقها التام لحدودها في وجه من تبقى من لاجئين وإطلاق النار على من يحاول التسلل إليها منهم.

كذلك يرى في روسيا العدو المحتل الذي يقصفه بطائراته بشكل يومي ثم يصاب بحالة فصام حين يجد أنها الدولة الوحيدة التي تمكنت من فرض اتفاق مناطق تخفيف التوتر ووفّرت له حالة من الأمان النسبي، فيما يرى في الولايات المتحدة الأميركية داعماً لفصائل ثورته وبنفس الوقت مانعاً لإقامة مناطق آمنة، ومساعداً على تقسيم البلد.

ويمكن القياس على كل الدول التي تدعي دعمه أو تعلن الحرب عليه، ليتحول المواطن السوري العادي في تلك المناطق إلى فاقد الثقة بكل شيء.