الانتخابات اللامركزية في الأردن تفتح باب التنازع على الصلاحيات

الانتخابات اللامركزية في الأردن تفتح باب التنازع على الصلاحيات

30 يونيو 2017
كثفت الهيئة المستقلة للانتخاب حملاتها لتوعية المواطنين باللامركزية (Getty)
+ الخط -
في 15 أغسطس/آب المقبل، يتوجه الأردنيون إلى صناديق الاقتراع، للمشاركة في النسخة الأولى من الانتخابات اللامركزية، لاختيار ممثلين عنهم في "مجالس المحافظات"، التي تعول الدولة عليها لناحية تخفيف الضغط على الحكومة المركزية، وتعزيز المشاركة الشعبية في صناعة القرار التنموي، في وقت يحيط الغموض بالفكرة "الإصلاحية" على المستوى الشعبي، وسط توقعات بصراع منتظر بين منتج التجربة الجديدة، والمجالس المنتخبة المستقرة في عمق السياسة الأردنية. وقررت الهيئة المستقلة للانتخاب، المعنية بإدارة العملية الانتخابية والإشراف عليها، إجراء الانتخابات اللامركزية بالتزامن مع الانتخابات البلدية، استشعاراً منها للأزمة المالية التي تعيشها موازنة الدولة، ويستحيل معها توفير مخصصات بملايين الدنانير لعمليتين انتخابيين، مضافاً إلى ذلك خوفها من "الكسل الانتخابي" في حال جرت الانتخابات في مواعيد مختلفة ومتقاربة. ورغم منطقية مبررات تزامن إجراء العمليتين الانتخابيتين، لكنها ساهمت في تعميق حالة اللبس لدى المواطنين، وحتى المرشحين المفترضين، كما يبين مراقبون، وكما يتضح من الشعارات الانتخابية الأولية التي رفعها كل من المرشحين المفترضين لخوض الانتخابات البلدية والانتخابات اللامركزية والتي جاءت متشابهة في مجملها، بشكل عمق الحيرة لدى جمهور الناخبين حول أدوار ومهام وصلاحيات المجلس البلدي ومجلس المحافظة الذي ستفرزه الانتخابات اللامركزية.

وفي وقت تستقر انتخابات البلديات عميقاً في وعي وفهم الأردنيين، وقد اعتادوها منذ العام 1925 الذي شهد أول انتخابات بلدية في التاريخ الحديث للدولة، تبدو الانتخابات اللامركزية لغزاً ينتظر فك طلاسمه. ويحافظ قانون البلديات على البلدية مؤسسة أهلية تتمتع بالشخصية القانونية والمعنوية ذات استقلال مالي وإداري، كذلك لا ينقص القانون من الأدوار التقليدية للبلدية. وبالتدقيق في تجربة اللامركزية "الجنينية"، والتي ينظمها قانون صدر في العام 2015، فإنه سيصار إلى استحداث مجلسين في كل محافظة من محافظات المملكة الـ12، الأول، المجلس التنفيذي وهو معين بالكامل، ويتشكل من الحكام الإداريين، ومديري المديريات التنفيذية والإدارات الخدمية، ومديري المناطق التنموية، وثلاثة من المديرين التنفيذيين للبلديات في المحافظة. ويرأس المجلس المحافظ. أما الثاني، فهو مجلس المحافظة، ويتألف من أعضاء منتخبين، مع منح مجلس الوزراء صلاحية تعيين ما لا يزيد على 15 في المائة من عدد أعضاء المجلس، على أن يخصص ثلث النسبة للنساء. وتناط بالمجلسين مهام وصلاحيات لا تتعارض مع تلك الممنوحة للمجالس البلدية، لكنها تتداخل مع ما استقر بالعرف لمجلس النواب، الذي انشغل أعضاؤه بالدور الخدمي على حساب دورهم الأساسي بالتشريع والرقابة، وهو ما ينذر بصراع بين المجالس، كما يتوقع المدير السابق لبنك تنمية المدن والقرى، عبد الإله الحنيطي.

وكرر وزير التنمية السياسية، موسى المعايطة، خلال جولاته للتوعية باللامركزية، القول إن "قانون اللامركزية سيساعد في تفرغ النواب للتشريع ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، إذ ستصبح القضايا الخدماتية من صلاحيات مجلس المحافظات"، وهو أمر لا ينظر إليه نواب، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، بعين الرضا، متمسكين بالدور الخدمي الذي يرون فيه ضمانة لإعادة انتخابهم. وإلى جانب المحافظة على الأدوار الرئيسية للمحافظ والحكام الإداريين ذات الصبغة الأمنية، يتولى المجلس التنفيذي المعيّن إعداد مشروعات الخطط الاستراتيجية للمحافظة، وإعداد دليل حاجاتها من المشاريع التنموية، وكذلك إعداد مشروع موازنة المحافظة، وغيرها من المهام، فيما يتولى مجلس المحافظة المنتخب مهام إقرار المشاريع المحالة عليه من المجلس التنفيذي، مع هامش حركة يتمثل في اقتراح مشاريع استثمارية في المحافظة ومشاريع مشتركة مع المحافظات الأخرى. وفيما يروج للامركزية على أنها عملية ديمقراطية تهدف إلى إشراك المواطنين في تحديد أولوياتهم التنموية، إلا أن القانون يمنح المجلس المعيّن أفضلية على المجلس المنتخب. ويقول الحنيطي "في النهاية، فإن المشاريع التنموية والاستثمارية التي تريدها الحكومة هي التي ستنفذ. الحكومة هي الأغلبية، أعضاء المجلس التنفيذي يمثلون الحكومة، والحكومة تعين نسبة في مجلس المحافظة". وفيما يدافع، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن أهمية تمثيل المواطنين في صناعة قرارهم التنموي، يعتقد أن إشراكهم ضمن الصيغة المطروحة لن يحقق النتائج المرجوة، مشيراً إلى أن غالبية المهام الممنوحة لمجلس المحافظة يمكن لمجالس البلدية القيام بها. ويرجح الحنيطي حدوث تضارب بين المجالس البلدية ومجلس المحافظة، وتنازع على الصلاحيات، وكذلك تناحر مع مجلس النواب، الذي سيجرد من دوره الخدمي لصالح مجلس المحافظة، إلا أنه يعتقد أن الحكم النهائي على التجربة مرهون بالتطبيق العملي.

وسابقاً للتطبيق العملي لتجربة اللامركزية، التي تعقب الانتخابات وصدور النتائج، ومباشرة المجلسين التنفيذي والمحافظة مهامهما، يحيط التخبط وغياب الفهم حتى الآن بالعملية الانتخابية التي باتت على الأبواب، في وقت تكثف فيه الهيئة المستقلة للانتخاب، والحكومة، ومؤسسات المجتمع المدني من حملاتها لتوعية المواطنين باللامركزية. ويقول مدير برنامج راصد لمراقبة الانتخابات، عمر النوايسة، إنه "يوجد خلط واضح لدى المواطنين وحتى المرشحين المفترضين بين صلاحيات مجلس المحافظات وصلاحيات المجالس البلدية. يوجد عدم فهم دقيق لقانون اللامركزية وأحياناً عدم اطلاع عليه". ويشير، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تلمس صراع بين المرشحين المفترضين لمجالس البلديات والمرشحين لمجلس المحافظة، وذلك على الرغم من عدم وجود منافسة بينهم، كون كل منهم يخوض انتخابات مختلفة. ويرى النوايسة ضرورة تكثيف حملات التوعية خلال الأيام المقبلة، على أن تستهدف المواطنين على مختلف مستوياتهم وعدم اقتصارها على النخب. ورصدت "العربي الجديد" دوراً قوياً للعشائرية في صياغة المشهد الانتخابي المنتظر، إذ أقدمت عشائر كبيرة على إجراء انتخابات داخلية لفرز مرشحين لرئاسة البلديات التي تقع ضمن نفوذها التصويتي، على غرار ما قامت به عشيرة بني حسن، إحدى أكبر العشائر الأردنية. كما أقدمت العشائر على عقد صفقات لمحاصصة التمثيل في البلديات واللامركزية ضمن تفاهمات جرى التوصل إليها، استناداً لخزان الأصوات الذي تمتلكه كل عشيرة. وفيما أعلنت جميع القوى الحزبية والسياسية الأردنية عزمها على المشاركة في الانتخابات البلدية واللامركزية، كشفت دراسة أجراها راصد، نهاية مايو/ أيار الماضي، أن 58.6 في المائة من المستجيبين ينوون مقاطعة الانتخابات، فيما أشار 12 في المائة إلى عدم اتخاذ قرار نهائي بالمشاركة.