هرتسليا 2017 ... حلم بعمق استراتيجي عربي لصالح إسرائيل

هرتسليا 2017 ... حلم بعمق استراتيجي عربي لصالح إسرائيل

23 يونيو 2017
أٌقرّ أيزنكوط بوجود تعاون استراتيجي وثيق مع دول عربية(Getty)
+ الخط -

تغيّرت صورة وضع إسرائيل الاستراتيجي منذ أول مؤتمر عُقد تحت مسمى "مؤتمر المناعة القومية" في العام 2000، وأطلق بذور تحولات عميقة في مسار النخب الثقافية والبحثية الاستراتيجية في إسرائيل، بدفع من اليمين الليبرالي، تحت عصا رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الموجِهة للمؤتمر الأول، لتكريس سياق نخبوي ثقافي سياسي يميني للرد على الأكاديميا الإسرائيلية، التي كانت "ملوثة" في تلك الفترة بعقائد أمنية وسياسية لليسار الإسرائيلي التقليدي، ممثلاً بحزب العمل.

فقد تمثل أول اعتراض "أكاديمي" على مقولات اليسار في المؤتمر الأول بإشهار الحديث، بشكل علني ومن دون "حياء"، عن الخطر الديمغرافي الذي يمثله الفلسطينيون في الداخل على أمن إسرائيل القومي، ليصل الحديث في المؤتمر السابع عشر، الذي أنهى أعماله أمس، إلى مناقشة الخطر الديمغرافي الفلسطيني ككل، في الضفة الغربية والداخل، على مستقبل إسرائيل اليهودية والديمقراطية، في حال عدم الوصول إلى انفصال عن الفلسطينيين، مع تعزز خيارات تشير إلى الاتجاه، حتى في الطرف الفلسطيني، إلى بدء الشباب الفلسطيني في الأراضي المحتلة من الضفة الغربية والقدس إلى تفضيل حل الدولة الواحدة، والاتجاه نحو خيار دولة ثنائية القومية، تكون نسبة الفلسطينيين فيها (من دون سكان قطاع غزة) 40 في المائة، وهو ما اعتبره الخبير الاستراتيجي، مايكل هرتسوغ، في إحدى الندوات، بأنه الخطر الأكبر، وأيده في ذلك كل من عوفير شيلح، والمحلل أفي سيسخاروف.

لكن رغم هذا الخطر المهدد لمستقبل الدولة اليهودية، أو وفق تعبير هرتسوغ "نهاية المشروع الصهيوني"، إلا أن هذا الخطر لم يكن الهم الأكبر لمؤتمر هرتسليا هذا العام، ربما بفعل الضعف العربي والفلسطيني في مواجهة إسرائيل اليوم، وربما لكون اتخاذ القرار في هذا الملف يظل قراراً سياسياً مرهوناً بطبيعة الخريطة الحزبية لإسرائيل، وبالتطورات على الساحة الفلسطينية لما بعد رئيس السلطة، محمود عباس.
لكن السمة البارزة لمؤتمر هرتسليا السابع عشر، هذا العام، ليس تكرير مقولات سياسية، كما اعتاد نتنياهو، بشأن تقاطع مصالح مع المحور السني المعتدل، أو الرباعية العربية، ولكن تكريس واعتراف الدولة العميقة في إسرائيل، إذا شئنا استخدام هذا التعبير، للتأكيد على تحول استراتيجي في خريطة إسرائيل، لجهة تمتعها للمرة الأولى منذ تأسيسها بعمق استراتيجي عربي داعم لإسرائيل، واختفاء مصطلح دول المواجهة، ليس فقط في سياق الأردن ومصر، وإنما أيضاً امتداد هذا العمق شرقاً وصولاً إلى الخليج العربي. وقد صاغ هذا التغيير، بشكل معلن، من قبل أرفع مسؤول عسكري في إسرائيل، هو رئيس أركان الجيش، الجنرال غادي أيزنكوط، بإعلانه أمام المؤتمر، أول من أمس، وجود تعاون استراتيجي وثيق، علني وسري، مع عدد من الدول العربية يساهم، إلى جانب التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، بتحسين مكانة إسرائيل الاستراتيجية في السنوات الأخيرة وضمان حالة من الاستقرار الاستراتيجي لإسرائيل.


وتبعه في الكشف عن هذه التحولات في مكانة وواقع إسرائيل الاستراتيجي، الجنرال عاموس جلعاد، الذي شغل، على مر العقدين الأخيرين، مناصب رفيعة المستوى في السياق الأمني والعسكري والأمن القومي الإسرائيلي. واعتبر جلعاد، في هذا السياق، أنه مثلما تتمتع إسرائيل بفضاء استراتيجي غربي (جغرافياً) من أوروبا، فإنها باتت، في الأعوام الأخيرة، تتمتع بفضاء استراتيجي شرقي، يمنحها مجالاً آمناً من أي خطر عسكري مباشر يهدد وجودها. وخصص جلعاد، في هذا السياق، إشارة لدور نظام الانقلاب في مصر وما حققه الانقلاب العسكري، الذي قاده الجنرال عبد الفتاح السيسي على حركة الإخوان المسلمين، عبر القول إنكم لا تقدرون حقاً الواقع الأمني والاستراتيجي الذي حققه هذا الانقلاب، فلولاه لكنا أمام واقع استراتيجي خطير في حال تم تحالف بين "الإخوان" في مصر وبين تركيا تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان. وفي رسمه للفرص الإسرائيلية في الأوضاع الاستراتيجية الراهنة، اعتبر جلعاد أن الملف الإيراني والخطر الإيراني يبقى التهديد الاستراتيجي الوحيد القائم أمام إسرائيل.

ولعل أبرز ما كان في مؤتمر هرتسليا هذا العام، هو ذلك "الانفتاح الإسرائيلي" بالحديث بحرية عن علاقات التعاون الاستخباراتي والأمني بين إسرائيل والدول العربية، التي يطلق عليها نتنياهو تعبير "الدول السنية المعتدلة"، في إشارة إلى الرباعية العربية، المشكلة من مصر والأردن والسعودية والإمارات، مع تبلور نوع من التفاهم، أو على الأقل الاتفاق في الرؤى بين المؤسسة الأمنية والاستراتيجية في إسرائيل وبين الطبقة السياسية في كل ما يتعلق بطبيعة هذه العلاقات، إلى حد ذهبت فيه وزيرة الخارجية السابقة، تسيبي ليفني، إلى القول، للقناة الثانية، أمس الخميس، أن ما يتشكل أمامنا هو عمق استراتيجي لصالح إسرائيل. هذا التوافق بين الطبقة السياسية والطبقة الأمنية والعسكرية يبدو متماسكاً جداً، وهو ما دفع وزير الشؤون الاستخباراتية، يسرائيل كاتس، إلى توجيه رسالة لـ"دول المحور السني المعتدل"، خلال كلمته أمام المؤتمر الثلاثاء الماضي، مفادها أن إسرائيل قوية تعني أنكم أقوياء، في إشارة إلى ثقة إسرائيلية بالنفس بشأن القدرة الكامنة في توظيف "مواجهة تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة" والمخاوف العربية من الخطط الإيرانية، لنقل هذه الدول من خانة العدو لإسرائيل إلى خانة الحليف، وربما أيضاً الظهير لها، عبر العزف على المصالح المشتركة في مواجهة إيران. وخطا وزير الأمن الداخلي، جلعاد أردان، خطوة أخرى إلى الأمام، عندما أعلن، في كلمته هو الآخر، أن العرب سيستفيدون من المعلومات الاستخباراتية التي ستقدمها إسرائيل في حال تشكيل ائتلاف، أو تحالف دولي لمواجهة إيران والإرهاب. وإذا كانت هذه الدعوات والتصريحات بشأن توافق استراتيجي مع دول المحور السنية، تقوم ليس فقط على محاربة النفوذ الإيراني وإنما أيضاً بلورة توافق لمواجهة "حماس" و"الإخوان"، وإضعاف الدور التركي، فإن الطريق للتطبيع باتت مفتوحة على مصراعيها، خصوصاً بعد أن نشر إسرائيليان، الأسبوع الماضي، على موقع "فيسبوك" فيديو لهما بالزي المحلي في الإمارات، قالا إنهما وصلاها لتأمين تبرع بسيارتي إسعاف لصالح شبكة خدمات إنقاذ إسرائيلية.