بعض مظاهر فشل الحصار ضد قطر

بعض مظاهر فشل الحصار ضد قطر

21 يونيو 2017
تمرين بحري قطري أميركي في يونيو 2017 (الأناضول)
+ الخط -

بعد مرور 16 يوماً من "الحرب" الاقتصادية ــ السياسية التي تشنها الرياض وأبو ظبي ضد الدوحة، يمكن التوقف عند بعض أسباب فشل الحملة ومظاهر ذلك العجز. ويعود بعض تلك الأسباب إلى فشل دوائر صناع القرار في محور أبو ظبي- الرياض في إدارة الحرب الدبلوماسية والإعلامية على قطر، وعدم وجود سبب مقنع لقطع العلاقات، وفشل دول "محور الحصار" في ترتيب أوراق الضغط لديها واستخدامها في الوقت المناسب.

وبعد 16 يوماً من الإجراءات، التي لا تتخذ عادة إلا ضد دولة معادية، تأكد للرأي العام الخليجي خصوصاً، والعربي والعالمي عموماً، أن السبب الحقيقي لحصار قطر هو الرغبة بفرض سياسة ذات بعد واحد على جميع دول الخليج من قبل محور الرياض وأبو ظبي، وهي رغبة تعاني منها دول خليجية أخرى، تحديداً الكويت وسلطنة عمان، اللتان سبق أن تعرضتا إلى ضغوط من قبل السعودية والإمارات أيضاً لكي تلتحقا بالسياسة الخارجية والخيارات الداخلية العريضة التي تراها الرياض وأبو ظبي مناسبة.

وتدرك الشعوب العربية، والخليجية خصوصاً، تمام الإدراك أن الهيمنة السعودية على قرارها، وبالتالي تبني سياسات معادية لمحور إيران، والدفع باتجاه تفجير حرب شاملة مع هذه الدولة، يعني أن هذه "الدول الصغيرة" ستكون في وجه المدفع عند حدوث أول صدام في المنطقة. وقد لجأ إعلام محور أبو ظبي – الرياض إلى بروباغاندا يرى كثر أنها ساهمت بفشل الحملة. وترجمت تلك البروباغاندا بفبركة تصريحات أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل تحول أسطوانة الإعلام السعودي ــ الإماراتي إلى فرضية جديدة، وهي دعم قطر لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) في اليمن. لكن وجود حليف الحوثيين، وابن الرئيس اليمني المخلوع، أحمد علي عبد الله صالح، في الإمارات ظل نقطة ضعف كبيرة في حملة الاتهامات الموجهة إلى قطر، فلجأت الآلة الإعلامية نفسها إلى معزوفة جديدة، وهي دعم قطر للإرهاب. لكن ارتباط سعوديين وإماراتيين باعتداءات 11 سبتمبر/أيلول 2001، مقابل خلو لائحة الـ19 مشاركاً بالهجمات من أي قطري، وكذلك خلو لائحة "الإرهابيين الأجانب في العراق" من أي مواطن قطري، ومَلْأَها بالسعوديين خصوصاً، شكل أيضاً مادة للسخرية من الرواية السعودية حول دعم قطر للإرهاب، أو توفيرها البيئة المناسبة للفكر المتطرف.

من هنا، ربما لم يبقَ لمحور أبو ظبي – الرياض إلا ابتكار أسلوب جديد في "الحرب" الإعلامية والسياسية والاقتصادية ضد قطر، عبر إجبار هيئة كبار العلماء في السعودية ورابطة العالم الإسلامي، التي تسيطر الرياض عليها، على إصدار فتاوى تؤكد أن حصار قطر "نابع من مصالح الدين الإسلامي ومنافعه". وعندما بدأت تندر الوسائل، لجأ "المحور" إلى سلاح آخر، وهو محاولة التفريق بين القبائل العربية، عبر استدعاء بعض شيوخ القبائل، التي تتواجد أفرعها في الكويت والسعودية وقطر والإمارات، وإجبارها على إصدار بيان مضاد لبيان شيوخ القبائل القطرية، من دون تسجيل نجاح كبير أيضاً في هذا المجال. على الصعيد الدبلوماسي، لم يملك وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، الذي اشتهر بلباقته في الحديث أمام وسائل الإعلام الأميركية خلال السنوات الأخيرة، أي أرضية يبني عليها قضيته، ما أدى إلى فشل الحشد داخل مجلس التعاون الخليجي ضد قطر، إذ رفضت دولة الكويت، برفقة سلطنة عمان، فرض أي إجراء عقابي ضد قطر، وأكدتا أهمية حل الحوارات داخل مجلس التعاون الخليجي، ووفق منظومته التي تجاوزها محور أبو ظبي – الرياض. كما فشل الحشد الإقليمي ضد الدوحة، إذ أعلنت تركيا وقوفها إلى جانب قطر، فيما أكدت دول المغرب والسودان والجزائر على ضرورة الحوار للوصول إلى مخرج من الأزمة مع رفض سياسات الحصار ضد أي دولة، فيما بدا الجبير تائهاً خلال زيارته إلى الاتحاد الأوروبي في سبيل الحشد ضد قطر، خصوصاً في ألمانيا. أما على الصعيد الأميركي، فإن وزارتي الخارجية والدفاع رفضتا حصار قطر، وأكدتا على الحوار كوسيلة للخروج من الأزمة. وتوج هذا الرفض بموافقة وزارة الخارجية الأميركية على صفقة أسلحة تقدر بـ12 مليار دولار مع قطر، وقيام الجيش الأميركي بإجراء تمرين مشترك مع الجيش القطري.

وفشلت دوائر القرار في كلٍ من أبو ظبي والرياض في ترتيب أوراق الضغط لديها وأوقات استخدامها، وهو ما ينبئ بالارتجالية في اتخاذ القرار، إذ بدأت في اتخاذ أقصى خطوات التصعيد، وهي سحب السفراء من قطر وطرد المواطنين القطريين من دولهم وسحب مواطنيهم من قطر، وفرض حصار على التعاملات المالية والتجارية مع الدوحة، وإغلاق كافة المنافذ الجوية والبحرية والبرية. لكن تعامل قطر مع القرارات بسياسة "ردة الفعل السلبية" التي تمثلت، وعلى النقيض من سياسات محور أبو ظبي – الرياض، بالهدوء التام وإيجاد أسواق استيراد جديدة وفتح خطوط ملاحية مع موانئ سلطنة عمان والاستعانة بالمنتجات التركية والمغربية، أدت جميعها إلى حالة صدمة داخل دوائر صناع القرار في الرياض وأبو ظبي، وهو ما أدى اللجوء إلى خطوات التصعيد الخفيفة، كالضغط الإعلامي وفرض قوانين ضد التعاطف وحجب مواقع إنترنت قطرية، وهو ما بدا ضئيلاً جداً وصغيراً أمام خطوات التصعيد الأولى. سياسة حرق الأوراق الرابحة، التي يمتلكها محور أبو ظبي – الرياض منذ اليوم الأول للأزمة، وفشل الحشد الدبلوماسي في إقناع دول المنطقة والحشد الإعلامي في حشد شعوب المنطقة، جميعها عوامل أدت إلى فشل كبير، حتى الآن، لمحور السعودية –الإمارات، خصوصاً بعد العجز عن إقناع الدول الكبرى في المنطقة وذات الثقل المؤثر بالانضمام إلى "المعسكر"، واضطرارها للاستعانة بجمهوريات أفريقية فقيرة للغاية، ويعتمد اقتصادها على المكرمات السعودية والإماراتية غالباً.