الجزائر... تعزية للجامعة

الجزائر... تعزية للجامعة

21 يونيو 2017
تساؤلات حول جدوى الإصلاحات التربوية (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
أن يقتل سارق ضحيته أو يدمي مجرم شخصاً ما فتلك جريمة لها دلالة وتحمل مؤشراً، لكن أن يقتل طالب جامعي أستاذه بسبب منعه من الغش في الامتحان فتلك محنة الجامعة وفتنة أمة وسقوط نظام وإفلاس سلطة وانهيار قيم.

لا أحد في الجزائر قادر على استيعاب إقدام طلبة جامعيين يفترض أنهم بصدد أن يصبحوا كوادر في المجتمع على قتل أستاذهم الجامعي، الذي كان يفترض فيهم توقيره، بسبب منعه لهم من الغش في الامتحان، ذلك أن الجامعة التي تمثل الإطار الأكثر تمثلاً للقيم المعرفية والأخلاقية والسلوكية ومساحة النقاش الفكري، تحولت في الجزائر بسبب إفلاس النظام التربوي إلى ساحة للعنف والإجرام، بشكل بات يبعث على الصدمة والقلق، ويثير الريبة والشكوك من مصير الأجيال المقبلة، اذا كان من يفترض فيهم أن يصبحوا كوادر وأساتذة ومعلمين أصبحوا بهذا العنف المقيت.
مقتل الأستاذ الجامعي، قروي سرحان، على يد طلبته، في منطقة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، ليس حادثاً معزولاً ولا يمكن إلا أن يكون كذلك. قبل فترة قتل الأستاذ أحمد كرومي في منطقة وهران غربي الجزائر، وقبله طعن أستاذ جامعي في جامعة المسيلة شرقي الجزائر، وقبل أقل من شهر اعتدى ناشطون في تنظيم طلابي على أساتذة جامعيين خلال اجتماع تنظيمي في العاصمة الجزائرية، وتعرضت أستاذة جامعية للضرب والإهانة من طرف طلبة في جامعة عنابة، وتم تخريب سيارة أستاذ جامعي في جامعة جيجل من قبل طلبة، فضلاً عن عشرات حالات الاعتداء اللفظي العنيف والترهيب والتجاوزات التي باتت تستهدف الأساتذة، إلى درجة أن التساؤل بات قائماً عما يدرسه الطلبة في الجامعات، وعما إذا كانت الجامعة نفسها تدرس ثقافة العنف أم تنشر التسامح، وتدرس علوم الإجرام أم علوم الحياة، تزرع الأخلاق الحميدة أم تزرع الفساد الأخلاقي.
ليست أسرة الأستاذ الجامعي القتيل قروي سرحان من تحتاج إلى التعزية. من تحتاج إلى التعزية الحقة هي الجامعة الجزائرية التي انتهت إلى الموت، لا تصنف أي من الجامعات الجزائرية ضمن مصنفات أفضل 800 جامعة في العالم، ولا تنتج أي منها مجلة بحثية محكمة، ناهيك عن براءات الاختراع والبحوث العلمية التي لا تحفل بها الجامعات. في النهاية تلك ثمرة الإصلاحات التربوية المغشوشة التي ينفذها نظام يتأسس على التزوير والغش أيضاً.

دلالات