مصر: الطيب واستقلال الأزهر في مرمى مقترحات تشريعية "انتقامية"

مصر: الطيب واستقلال الأزهر في مرمى مقترحات تشريعية "انتقامية"

07 مارس 2017
السيسي وشيخ الأزهر في عيد الأضحى العام الماضي(الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن النظام المصري الحاكم أصبح أكثر جدية في معركته ضد قيادات الأزهر، على خلفية الصدام الذي وقع الشهر الماضي بين رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، وهيئة كبار العلماء، بقيادة شيخ الأزهر أحمد الطيب، حول اشتراط التوثيق لتفعيل الطلاق، وعدم ترتيب الآثار القانونية على الطلاق الشفهي.

فبعد أيام من إعلان عضو ائتلاف الأكثرية النيابية، محمد أبو حامد، أنه يعكف على إعداد مشروع لتعديل قانون الأزهر بما يجعله أكثر مرونة، حصلت "العربي الجديد"، من مصدر واسع الاطلاع، على قائمة الأفكار والمقترحات الرئيسية التي أوصى بها عدد من مستشاري الدائرة المخابراتية - الرقابية المحيطة بالسيسي، كنقطة انطلاق لتعديل قانون الأزهر، بما يقضي على استقلاله الإداري، ويفرض سيطرة رئيس الجمهورية وأجهزته على هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية.

وتهدف هذه المقترحات، المتداولة حالياً في لجنة التشريع بوزارة العدل وإدارة التشريع في مجلس الوزراء، إلى إعادة وضع الأزهر إلى ما كان عليه قبل إدخال التعديلات التشريعية على قانون الأزهر عام 2012، في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهي تلك التعديلات التي كانت قد وضعتها هيئة كبار العلماء آنذاك، بإجماع آرائها، وحظيت بتأييد واسع بين علماء الدين الإسلامي، والأوقاف، والأوساط الإعلامية أيضاً، لأنها تكفل بشكل كبير استقلال الأزهر عن السلطة التنفيذية. والمقترح الأول هو تحديد سن لتقاعد شيخ الأزهر يقدر بـ70 عاماً، وذلك ليجد شيخ الأزهر الحالي البالغ من العمر 71 عاماً نفسه خارج المنصب بمجرد إقرار البرلمان لهذا التعديل التشريعي. علماً أن هيئة كبار العلماء سبق ورفضت بغالبية الأعضاء عامي 2012 و2014 وضع نص قانوني بسن تقاعد شيخ الأزهر، حتى لا يصبح الأمر لعبة في يد السلطة الحاكمة، ولا يختار رئيس الجمهورية مشايخ للأزهر لا يبقون في مناصبهم إلا لأشهر معدودة، أو لعام أو اثنين، فلا يتحقق للهيئة الاستقرار الإداري المطلوب.

والمقترح الثاني هو إعادة سلطة رئيس الجمهورية في اختيار شيخ الأزهر من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو أساتذة جامعة الأزهر، كما كان الوضع منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإلغاء النظام الحالي القائم على أن تنتخب هيئة كبار العلماء شيخ الأزهر الجديد على مرحلتين، الأولى تختار فيها 3 من الأعضاء مؤهلين للمنصب، ثم تجري اقتراعاً سرياً على المرشحين الثلاثة، وأن يقر رئيس الجمهورية هذا الاختيار من دون اعتراض أو ملاحظات.

والمقترح الثالث هو أن يتولى رئيس الجمهورية اختيار أعضاء هيئة كبار العلماء وعزلهم، ما يفتح الباب أمام عزل معارضي النظام الذين يهاجمهم الإعلام الموالي للسيسي، وإلغاء سلطة الاختيار المنصوص عليها لشيخ الأزهر وللهيئة نفسها في القانون الحالي، على أن يكون سن تقاعد أعضاء هيئة كبار العلماء هو 70 أو 75 عاماً، بالإضافة إلى حذف صلاحية ترشيح مفتي الجمهورية المسندة لهذه الهيئة في القانون الحالي، وإعادتها إلى رئيس الجمهورية منفرداً. وبحسب مصادر حكومية مطلعة، فإن جهازي الأمن الوطني والاستخبارات العامة يثيران باستمرار، في تقاريرهما عن أداء مشيخة الأزهر، شبهات بانتماء 5 شخصيات بعينها للمعسكر المعارض للنظام، هم وكيل المشيخة ورئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر، عباس شومان، وعضو هيئة كبار العلماء ورئيس مجمع اللغة العربية، حسن الشافعي، وعضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية الأسبق، نصر فريد واصل، وعضو هيئة كبار العلماء والإمام السابق للجمعية الشرعية، محمد مختار المهدي، بالإضافة إلى عضو هيئة كبار العلماء أيضاً، الدكتور محمد عمارة. وتقول المصادر إن السيسي لا يستقي معلوماته عن هيئة كبار العلماء، وما يحدث داخل مشيخة الأزهر، من أجهزته الأمنية فقط، بل أيضاً من مفتي الجمهورية السابق، علي جمعة، المقرب منه، ووزير الأوقاف، محمد مختار جمعة، الذي كان أحد المقربين لشيخ الأزهر قبل تعيينه وزيراً، وقبل محاولاته تمرير بعض المشروعات بالمخالفة لهيئة كبار العلماء ولشيخ الأزهر نفسه، كمشروع الخطبة الموحدة ووضع قيود إدارية على الخطباء والواعظين لا علاقة لمؤسسة الأزهر بها.


أما المقترح الرابع، فهو إضافة دور لرئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب في مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلى للأزهر، بحيث يكون ممثلاً للسلطة التشريعية في الظاهر، ويكون ممثلاً في الواقع للأجهزة التي تحرك الغالبية البرلمانية، سواء بما يتعلق بالمسائل الدينية أو المشاكل الإدارية والتعليمية الخاصة بالأزهر، كهيئة وجامعة ومعاهد تعليمية. وكان الطيب، الذي كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وافق عام 2014 على تغيير أعضاء مكتبه الفني، الذي كان يرأسه الشيخ حسن الشافعي، كما صمت على الإطاحة بعشرات الموظفين والشيوخ الذين تم تعيينهم، أو تم انتدابهم للعمل في المشيخة، لأسباب مثل معارضتهم للإطاحة بالرئيس المعزول، محمد مرسي، إلّا أن السيسي لا يكتفي بما قدمه له الطيب من خدمات، كما لا يكتفي بظهوره خلفه في بيانه الشهير لعزل مرسي في 3 يوليو/ تموز 2013.

وسبق وكشفت "العربي الجديد" أن أول خلاف مباشر بين السيسي وشيخ الأزهر حدث، في مايو/ أيار 2015، خلال اجتماع خاص بينهما لمناقشة أفكار السيسي لتدشين المشروع الذي وصفه بـ"تجديد الخطاب الديني"، إذ طلب السيسي من الطيب بشكل ودي إصدار فتاوى لتكفير تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وجماعة "أنصار بيت المقدس" ("ولاية سيناء" لاحقاً) وجماعة الإخوان المسلمين، أو إصدار فتوى عامة بتكفير أي شخص أو جماعة تقوم بعمليات إرهابية. إلّا أن طلب السيسي قوبل برفض مباشر وفوري من الطيب، الذي أكد أنه لا يستطيع، كعالم أزهري، تكفير أي شخص نطق بالشهادتين، وأن نهج الأزهر ينبذ التكفير في حد ذاته، أياً كان مصدره، وأنه ليس من المتصور أن يقدم الأزهر على أمر ينهى عنه. ثم جدد السيسي طلبه لشيخ الأزهر، خلال اجتماع حضره معهما عدد من الوزراء وكبار المسؤولين، فاعترض الطيب مرة أخرى، وبعد أيام أصدر بياناً يهاجم فيه التنظيمات التكفيرية، لكن دون أن ينزلق إلى تكفيرها، حفاظاً على التراث الوسطي للأزهر.