نهاية "درع الفرات"... هل تغيّر أنقرة قواعد اللعبة؟

نهاية "درع الفرات"... هل تغيّر أنقرة قواعد اللعبة؟

31 مارس 2017
مقاتلون من "الجيش السوري الحر" (أمين سنسار/الأناضول)
+ الخط -
أنهت تركيا عملية "درع الفرات" العسكرية التي بدأتها أواخر شهر أغسطس/ آب الماضي مع قوات تابعة للمعارضة في شمال شرقي حلب، بعد أن حققت الهدف العسكري المباشر وهو طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عن حدودها الجنوبية. في المقابل، فشلت في دفع الوحدات الكردية إلى شرقي نهر الفرات، وهو ما يُبقي الباب مفتوحاً أمام عملية أخرى لمّحت أنقرة إليها.
ويفتح توقيت الإعلان التركي عن إنهاء عملية "درع الفرات"، تحديداً قبل "الموعد المرتقب" لبدء عملية طرد تنظيم "داعش" من الرقة، المرجح خلال شهر إبريل/ نيسان المقبل، الباب أمام تفسيرات عدة لأهداف الخطوة التركية، بما في ذلك وجود رسائل عدة أرادت أنقرة إيصالها سواء لأطراف سورية أو حتى للأطراف الدولية المعنية بالملف السوري، تحديداً روسيا والولايات المتحدة.
وجاءت الخطوة التركية في وقت باتت فيه "قوات سورية الديمقراطية" على أهبة الاستعداد للانخراط في معركة الرقة المقبلة، الأمر الذي كانت أنقرة تتمسك منذ البداية برفضه، مصرّة على انسحاب الوحدات الكردية من منبج، وتسليم المدينة للمعارضة المسلحة. كما تطالب تركيا  بانسحاب الوحدات الكردية من مدينة تل رفعت، شمال حلب، وعودة آلاف النازحين من أهلها إلى بيوتهم.
 
كما كان لافتاً أن توقيت الإعلان عن انتهاء العملية أتى قبل ساعات من زيارة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، الذي وصل إلى أنقرة، أمس الخميس، والتقى بكبار المسؤولين الأتراك. وفيما أوحت التصريحات أن التباينات في وجهات النظر بين أنقرة وواشنطن لا تزال قائمة، عكست مواقف تيلرسون حول سورية استمراراً في النهج الأميركي تحديداً لجهة مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد. 

وإثر لقائه جاووش أوغلو، أعلن تيلرسون في مؤتمر صحافي مشترك، أن "وضع الرئيس السوري بشار الأسد يقرره الشعب السوري". وأضاف أنه "لا توجد أي فجوة بين تركيا والولايات المتحدة في تصميمهما على هزيمة داعش". وكان تيلرسون قد التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم. أما جاووش أوغلو، فقال إن "بلاده تتوقع تعاوناً أكبر مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن سورية، وأنه من المهم إعطاء دفعة جديدة للعلاقات الأميركية التركية". وأضاف أن "الحكومة الأميركية توافق على أنه لا يوجد فرق بين وحدات حماية الشعب الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني".

وكان يلدريم قد أعلن، يوم الأربعاء، عن انتهاء العملية في شمالي شرقي حلب، مشيراً في مقابلة تلفزيونية إلى أن "العملية كانت ناجحة وانتهت". ولمّح إلى "إمكانية شنّ حملات عسكرية أخرى في سورية، وأن أي عملية تلي درع الفرات سيكون لها اسم مختلف"، من دون التطرق إلى وضع قوات بلاده الموجودة في ريف حلب الشمالي الشرقي، أو الإشارة إلى إمكانية انسحابها في الوقت الراهن، أو حتى السماح لقوات المعارضة المدعومة تركياً من إدارة المنطقة.


كما أكد مجلس الأمن القومي التركي، يوم الأربعاء، أن عملية "درع الفرات" تكلّلت بالنجاح، مشيراً في بيان، إلى أن "العملية كانت قد بدأت لتأمين حدودنا، وعرقلة تهديدات وهجمات تنظيم داعش الإرهابي تجاه بلادنا، وإتاحة الفرصة لأشقائنا السوريين للعودة إلى بلادهم، وإتاحة فرصة العيش بأمان وسلام لهم في منطقة العملية".


وكانت عملية "درع الفرات" قد بدأت في 24 أغسطس الماضي، بعد دعم وحدات من القوات الخاصة في الجيش التركي قوات تابعة للمعارضة السورية لطرد "داعش" من شمال شرقي حلب. كما هدفت العملية إلى وضع حدّ نهائي لتمدد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي تشكّل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي في شمال سورية، وذلك في مسعى من الأخيرة، التي تعتبر الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي وتصنفها أنقرة ضمن "التنظيمات الإرهابية"، لفرض إقليم ذي صبغة كردية على الحدود الجنوبية لتركيا.

وقد حققت العملية في أيامها الأولى نتائج وصفها مراقبون بـ"المفاجئة"، حين طُرد "داعش" من مدينة جرابلس، على الحدود السورية التركية، في اليوم التالي للعملية، في تطور عسكري فتح الباب واسعاً أمام قوات المعارضة للتقدم أكثر، والسيطرة على مدن وبلدات هامة تحت سيطرة التنظيم، أبرزها: الراعي، ودابق، وأخترين، وعشرات القرى التي تقع بين مدينتي أعزاز وجرابلس.



وكان من المتوقع أن تقع معارك حامية الوطيس في بلدة دابق، نظراً لأهميتها الرمزية لدى التنظيم، لكن الجيش السوري الحر حسم المعركة في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. على الرغم من ذلك، واجهت "درع الفرات" معضلة كبرى في مدينة الباب التي كانت تعد أبرز معاقل التنظيم في ريف حلب الشمالي الشرقي، بعد استعصاء المدينة لأشهر عدة بسبب دفاع "داعش" الذي استفاد من جغرافية المدينة لتأجيل الحسم، ما أدى إلى مقتل وإصابة المئات من المدنيين. وفي 23 فبراير/ شباط الماضي، استكمل الجيش السوري الحر والقوات التركية السيطرة على المدينة وقرى في محيطها، إثر اضطرار مقاتلي التنظيم للانسحاب تحت ضربات جوية ومدفعية.

في هذا الصدد، رأى رئيس أركان الجيش السوري الحر، العميد أحمد بري، أن "عملية درع الفرات حققت أهدافها العسكرية"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "تم تحرير منطقة واسعة في شمال سورية. واستطاعت عملية درع الفرات تطهير مساحة تقدر بنحو 90 كيلومتراً من شرقي أعزاز وحتى جرابلس، وبعمق يصل في بعض المواقع لنحو خمسين كيلومتراً، ما سهّل عودة آلاف السوريين إلى منازلهم، واستقبال آلاف آخرين من مناطق عدة.

في المقابل، لمّح قيادي في الجيش السوري الحر إلى إمكانية إطلاق عملية جديدة تستهدف منبج، ومحافظة الرقة شرقاً، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "الظرف الإقليمي والدولي لا يسمح الآن بها". وأشار القيادي إلى أن "عملية درع الفرات حققت الجزء الأهم من المصالح التركية، وتم إبعاد خطر الإرهاب عن جزء من الحدود التركية".

كما أعرب عن اعتقاده بأن "التآمر الروسي الأميركي، منع استرداد منبج، والمشاركة في معركة تحرير الرقة". واعتبر أن "الخطوة التركية بإعلان انتهاء عملية درع الفرات، ذكية جداً، في ظل انتشار القوات الروسية والأميركية في شمال سورية وشرقها"، متوقعاً "انطلاق عملية جديدة تغيّر قواعد اللعبة، وفي مكان آخر أكثر فعالية"، وفق تعبيره.

ولفت القيادي إلى أن "انتشار قوات روسية في منطقة عفرين، شمال شرقي حلب، الواقعة تحت سيطرة الوحدات الكردية، ربما يستدعي عملية أخرى"، ملمحاً إلى أن "انتهاء درع الفرات ربما يجعل المعارضة السورية المسلحة في وضع يسمح لها بالتحرك بعيداً عن التفاهمات الإقليمية والدولية".

وكانت تركيا تريد طرد "قوات سورية الديمقراطية" إلى شرقي نهر الفرات، لمنع محاولات الاتصال الجغرافي بين المناطق التي تسيطر عليها "قسد" في شمال سورية، ما قد يسهّل ولادة إقليم انفصالي شمال سورية تعتبره تركيا تهديداً مباشراً لأمنها القومي. وسبق أن سيطرت قوات سورية الديمقراطية على مدينة منبج في منتصف أغسطس الماضي بعد دحر "داعش"، رافضة الانسحاب من المدينة التي تقع غربي نهر الفرات رغم التحذيرات التركية المتكررة. ومن دون استعادة منبج من قبل المعارضة السورية، لا يمكن للأخيرة الاتجاه شرقاً إلى الرقة بدعم تركي. كما أن بقاء "قوات سورية الديمقراطية" يحقق اتصالاً جغرافياً محدوداً بين عفرين، في شمال شرقي حلب، وباقي المناطق، وهو ما يثير الغضب التركي.