القدس في يوم الأرض: معركة وجود ضد الإلغاء

القدس في يوم الأرض: معركة وجود ضد الإلغاء

31 مارس 2017
لم يبق لأهالي القدس الكثير من أراضيهم(مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

لم يُبقِ الاحتلال للفلسطينيين المقدسيين في ذكرى يوم الأرض، الكثير من مساحة أرضهم ليحرثوها ويملأوها بالزرع، كما اعتادوا في عقود مضت قبل الاحتلال، وبعد ذلك بزمن قصير قبل أن يلتهم الاستيطان الجزء الأكبر من مساحات أراضيهم، ليبقي لهم ما لا يتجاوز الـ13 في المائة من المساحة الإجمالية للقدس.
سمير شقير، المحاضر في جامعة القدس الفلسطينية، والذي تملك عائلته مساحة ثلاثة دونمات من أراضي واد الربابة، في بلدة سلوان، جنوب المسجد الأقصى، يخوض منذ سنوات هو وأشقاؤه صراعاً مريراً مع بلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس، التي تتهمه بـ"الاعتداء" على أرضٍ مخصصة لسلطة الطبيعة وحدائق عامة، وهي بالأساس أرض العائلة المملوكة منذ العهد التركي، ويملك كل الوثائق التي تثبت ذلك، بما فيها ختم ما يسمى بـ"دائرة أراضي إسرائيل"، في إقرار واضح من الأخيرة، عدا ما يثبته الطابو التركي من ملكية خالصة له ولعائلته.
على الرغم من ذلك، فإن بلدية الاحتلال تواجهه بثلاث قضايا مرفوعة ضده، كانت آخر جلسة حولها الأسبوع الماضي، وتصر من خلالها على الادعاء بحقها في التصرف بالأرض، كما يقول شقير لـ"العربي الجديد". ولم تكتف بلدية الاحتلال بدعاواها تلك ضد عائلة شقير، فعلى مدى سنوات قليلة مضت كانت أرضه هدفاً للتجريف وهدم جدران وأسوار من الإسمنت، والاعتداء في أكثر من مرة على أصحاب تلك الأرض.
بالنسبة لشقير، القضية معركة وجود، فعائلته لن تفرط بأرضها وستظل تواجه بلدية الاحتلال قضائياً، سواء في محكمتها الخاصة، أو في محكمة الصلح، وسائر المحاكم الأخرى، على الرغم من عدم ثقته بقضاء الاحتلال الذي في الغالب يشرعن الاستيطان ومصادرة الأراضي والعقارات والاستيلاء عليها. مع ذلك، يفتقد شقير فعاليات إحياء ذكرى الأرض التي اعتاد نشطاء مقدسيون إحياءها في أرضه كل عام بفلاحة الأرض وزراعتها بالأشجار، ويُرجع سبب ذلك، كما يقول، إلى أحداث السنتين الأخيرتين وزيادة حدة قمع الاحتلال للفعاليات في المدينة المقدسة بكل أشكالها.
لكن هارون برقان، الذي يقطن قريباً من شقير في المنطقة نفسها، وكان تعرض منزله ومنشآت تربية الأغنام التابعة له للهدم أكثر من مرة، في محاولة لإرغامه على ترك ما أبقاه الاحتلال له من مساحة أرض، فقد استيقظ في ساعة مبكرة من صباح أمس، الخميس، ليحرث الأرض ويزيل منها الحشائش الضارة، ويعود لزراعتها. يقول برقان لـ"العربي الجديد": "وحدي هنا قررت أن أحيي فعالية يوم الأرض، وهل هناك أحق من أرضي بفلاحتها والعناية بها؟". يخوض برقان هو الآخر معركة صمود وبقاء مواجهاً الاحتلال بانغراسه في أرضه، كما يقول: "طالما أنني هنا مقيم فيها وأعتني بها لن يفكروا بالاستيلاء عليها".
هذا الواقع المؤلم يعيشه المقدسيون ليس في سلوان وحدها، وهي بوابة الدفاع عن المسجد الأقصى، كما يصفها المقدسيون، بل هو واقع من الصمود قائم في حي البستان من أراضي البلدة، وفي أحياء بشير والصلعة من أراضي جبل المكبر، جنوب القدس، وأيضاً في السواحرة الشرقية والعيسوية، وشعفاط، وبيت حنينا، وصولاً إلى قرية قلنديا البلد، شمال غرب القدس، وفي الشمال الشرقي من القدس حيث بلدات عناتا، وحزما، وجبع، ومخماس، وفي نحو خمس عشرة قرية وبلدة في محافظة القدس تقع في الحد الشمالي الغربي من المحافظة، وتطل أراضيها على مناطق الساحل الفلسطيني، وتتصل بها.


لكن الضرب الإسرائيلي تحت الحزام في ما يتعلق باستلاب أراضي المقدسيين، يتركز في البلدة القديمة من القدس ومحيطها، من أحياء وبلدات، إذ يخطط الاحتلال لإقامة حدائق وطنية وتوراتية هناك، ويمزق أراضي المقدسيين بالأنفاق والجسور وشبكات المياه والمجاري، خدمة لمستوطناته وكتله الاستيطانية الكبرى التي أضحت واقعاً من الضم والإلحاق لمركز المدينة، وحيث يسعى الاحتلال إلى توطين مليون مستوطن في حدود القدس.
يقول مدير دائرة الخرائط في بيت الشرق، خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الاحتلال استغل أفضل استغلال الظروف المحلية والإقليمية وانشغال العربي في قضاياه ومشكلاته، ليجعل مدينة القدس بالنسبة إليه أولى الأولويات"، مضيفاً: "بعد أن انتهى من مخطط القدس 2020، يوشك أن ينتقل عشية يوم الأرض إلى مخطط آخر جديد هو القدس 2050، علماً بأن المخطط الأول يقضي ببناء أكثر من 58 ألف وحدة استيطانية من خلال إقامة مستوطنات جديدة، وتوسيع ما هو قائم من مستوطنات وضخ المزيد من المستوطنين إليها، في مقابل إخراج عشرات الآلاف من المقدسيين سكان الأرض الشرعيين من حدود القدس، وهو نجح من خلال جدار فصله العنصري في إخراج أكثر من 150 ألف مقدسي من حدود القدس".
أما في ما يتعلق بمخطط القدس 2050، فيقول تفكجي إنه "يعكس رؤيا اليمين المتطرف في إسرائيل الذي يسعى إلى جعل القدس سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً بؤرة الجذب ليهود العالم قاطبة، من خلال سلسلة طويلة من المشاريع الاستيطانية الحيوية، من أهمها بناء مطار ضخم في منطقة البقيعة من أراضي النبي موسى، شرق القدس، وإقامة شبكات سكك حديدية وأنفاق وفنادق ومناطق صناعية وتكنولوجية، بالتزامن مع ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وهو ضم بات واقعاً على الأرض، وإن لم يصدر قرار سياسي بشأنه".
ويرى تفكجي أن ذكرى يوم الأرض هذا العام، تتسم بصراع ديمغرافي حاد، كان بدأ في الواقع بُعيد احتلال القدس عام 1967، إذ رأى المخططون الإسرائيليون ضرورة أن لا تتجاوز نسبة العرب الفلسطينيين في القدس الـ22 في المائة، مقابل أغلبية يهودية، لهذا كانت سياساتهم المتعاقبة مزيداً من هدم المنازل، وسحب الإقامات من المقدسيين، ثم بناء جدار الفصل العنصري الذي عاد ليجعل المقدسيين أقلية في مدينتهم.
ويشير إلى أنه "قبل أن يتم بناء الجدار، وفق آخر المعطيات، كانت أعداد المقدسيين تصل إلى 320 ألف نسمة، لكن مع إخراج أكثر من 150 ألفاً، فقدوا أغلبيتهم، في مقابل وجود 220 ألف يهودي، كان عددهم صفراً في العام 1967، وقد عكست جهود الاحتلال بهذا الشأن تخوّفات كان صرح بها علانية الرئيس الإسرائيلي الأسبق حاييم هرتسوغ، حين قال بالحرف: أخشى أن أستيقظ في اليوم التالي لأجد رئيساً عربياً لبلدية القدس".
ويحذر تفكجي من أن ما ينفذه الاحتلال على الأرض في القدس المحتلة، وفي حال نجح في مخططه القدس 2050، فلن يتبقى في القدس سوى 12 في المائة من إجمالي عدد السكان الفلسطينيين، مشيراً إلى أن الصراع في القدس القديمة يأخذ منحى خطيراً بفعل واقع ملكية العقارات هناك، بما في ذلك الواقع العمراني لهذه العقارات، إذ يتهدد الانهيار جزءاً كبيراً منها، وبالتالي سيطرة الاحتلال عليها تعني امتلاكاً كاملاً لها، بالنظر إلى وجود الأماكن المقدسة للديانات السماوية.