"بريفينت" بريطانيا: ميزان المكاسب والخسائر في مكافحة الإرهاب

"بريفينت" بريطانيا: ميزان المكاسب والخسائر في مكافحة الإرهاب

20 ديسمبر 2017
البرنامج يستهدف جميع أشكال التطرف (إيزابيل إنفانتيس/فرانس برس)
+ الخط -
في خضم الجدل الدائر حول سياسة مكافحة الإرهاب التي تتبعها الحكومة البريطانية وجدواها، تسلط "العربي الجديد" الضوء على برنامج يعرف باسم "بريفينت" أو الردع، والذي تتبعه الحكومة البريطانية في مكافحة انتشار التطرف في البلاد، وتوجه إليه اتهامات بالتمييز العنصري وكراهية المسلمين.

وكان البرنامج تأسس في عهد حكومة توني بلير العمالية في العام 2003 ضمن سياستها الأوسع لمحاربة الإرهاب والمعروفة باسم "كونتيست". ويهدف برنامج "بريفينت" إلى ردع الأفراد عن الإرهاب أو دعمه، بينما تضم استراتيجية "كونتيست" ثلاثة مبادئ أخرى، هي التحضير والحماية والمتابعة. وقامت الحكومة الائتلافية بين المحافظين والأحرار الديمقراطيين في العام 2011 بمراجعة البرنامج بغرض فصل جهود مكافحة الإرهاب عن جهود الدمج في المجتمعات، إذ تم فصل النقطة الأخيرة من برنامج "بريفينت"، وفقاً لوزيرة الداخلية حينها، تيريزا ماي. إلا أن العام 2015 شهد تعديلاً قانونياً يجبر بعض المؤسسات العامة على ردع منتسبيها من "الانجرار وراء الإرهاب". ويشمل ذلك المؤسسات العامة، من مجالس محلية ومؤسسات صحية وتعليمية. وتشمل استراتيجية برنامج "بريفينت" مبادئ عمل أساسية تعتمد على تحدي المنظومات العقائدية الداعمة للإرهاب والأفراد الذين يقومون بنشرها، وحماية الأفراد الذين يُعدون عرضة لهذه الدعاية، ودعم القطاعات والمؤسسات المعرضة لخطر التطرف.

لكن البرنامج يعني عملياً بناء العلاقات بين الشرطة البريطانية والمنظمات البريطانية الأخرى. كما يحث البرنامج القادة الدينيين والمدرسين والأطباء، وغيرهم من الشخصيات المجتمعية، على الإبلاغ عن أي شخص يشتبه به للجنة "بريفينت" المحلية، التي تقوم حينها بتقييم ضرورة التحرك كل حالة على حدة. كما أن مراكز الخدمات الاجتماعية أصبحت منخرطة في عملية التعرف على من يسلكون طريق التطرف كجانب من واجباتها. فبموجب برنامج "بريفينت" تقوم المنظمات، مثل المجالس البلدية والمدارس، بتطوير مشاريع خاصة بها للتقليل من تعرض الأفراد للدعاية المتطرفة، إذ وصلت برامج مكافحة التطرف، التي ترعاها الحكومة، إلى نحو 42 ألف شخص بين 2015 و2016. وتشمل تلك البرامج تزويد النصح والدعم والتدريب على التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي لمنظمات المجتمع المدني بهدف تطوير حملات مضادة للرواية المتطرفة. كما يشمل التحرك إزالة المحتوى المتطرف من على الإنترنت، وتزويد موظفي المؤسسات التعليمية والخدمية بالمواد والتدريب لمساعدتهم للتعرف على التطرف. وتم تحويل 7500 حالة بين 2015 و2016 إلى البرنامج، وهو ما يعادل 20 شخصاً يومياً، وفقاً لمجلس إدارة الشرطة الوطنية. لكن حالة من كل عشر تطلبت تحرك الجهات المختصة.


أما الحالات التي تلعب فيها العقيدة الدور الأساسي في التطرف، فقد كانت أكثر من نصف الحالات تعود إلى متطرفين إسلاميين، وحالة من كل عشر تعود إلى اليمين المتطرف. وفي بعض المناطق في بريطانيا، مثل الشمال الغربي، تجاوزت حالات التطرف اليميني نظيرتها الإسلامية. وعندما تقرر لجنة "بريفينت" المحلية ضرورة التدخل في الحالة المعروضة عليها، يتم تحويل الشخص إلى برنامج "تشانل" أو "التوجيه" الحكومي، حيث تعمل الشرطة مع البنى المحلية، مثل المجالس المحلية والعيادات الصحية والمدارس والجامعات والنظام القضائي للتعامل مع الأشخاص المعرضين للانخراط في أعمال إرهابية وتوفير الدعم الضروري لردعهم عن هذا المسار. ويتم ذلك من خلال تصميم برامج دعم خاصة بأولئك الأفراد، ومنها دورات مكافحة التطرف أو أية برامج أخرى تساهم في نزع الميول للتطرف. وبالطبع لا يعد كل من يحول إلى برنامج التوجيه حالة يجب التعامل معها، إذ يُقيم الأفراد مرة أخرى لفحص ضرورة خضوعهم للبرنامج. وتقدر الحكومة البريطانية عدد الخاضعين لبرنامج "تشانل" بنحو ألف شخص بين 2012 و2016.

وتحظى استراتيجية الردع الحكومية بالدعم، وتتعرض للانتقاد بسبب تأثيراتها على الأقليات في بريطانيا. فداعمو البرنامج يستشهدون ببيانات حكومة ماي السابقة بأن البرنامج نجح في ردع 150 شخصاً، منهم 50 طفلاً، من دخول مناطق الصراع في سورية والعراق في 2015. إلا أن منتقديها، ومنهم بعض البرلمانيين واتحاد المدرسين الوطني والمجلس الإسلامي البريطاني، يصفونها بأنها ذات رد فعل عكسي. فمن بين الانتقادات الموجهة للبرنامج أنه يعزل المجتمعات الإسلامية، ويحد من حرية التعبير وله تأثير سلبي على حقوق الإنسان. وهو ما رددته العديد من المنظمات غير الحكومية، ودفع الأمم المتحدة للتعبير عن مخاوفها من التأثير العكسي الذي قد يحمله البرنامج. كما وجهت للبرنامج انتقادات أخرى حول فعالية البرنامج في ظل الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بريطانيا هذا العام في مانشستر ولندن، خصوصاً كون سلمان عبيدي، منفذ هجوم مانشستر، قد تعرض لمتابعة الشرطة البريطانية ومراقبتها نظراً لمواقفه المتطرفة.

كما وجهت انتقادات لبرنامج "بريفينت" في الجامعات البريطانية، إذ يتهم البرنامج المضاد للتطرف بأنه يزرع "الخوف والشك والرقابة" بين الطلاب. وتنبع هذه الاتهامات من كون الاستراتيجية غير محددة التعريف، وملزمة لجميع المؤسسات العامة بالكشف عمن يعتقد بميولهم تجاه "الإرهاب" بسبب "عقيدتهم المتطرفة" بهدف دفعهم بعيداً عن التطرف. وشمل ذلك التعريف "من يبحثون عن هوية أو معنى للانتماء" أو "رغبة في التغيير السياسي أو الأخلاقي" أو "المشاكل النفسية ذات الصلة". وترى المجموعات الطلابية، ومنها اتحاد الطلبة في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، أن هذه التعريفات غير الواضحة تشيطن المسلمين والأقليات الأخرى، بالإضافة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى من يعانون من مشاكل نفسية. ويرى اتحاد الطلبة، في معرض رفضه التعاون مع لجنة "بريفينت" في الجامعة، أن "هذه الاستراتيجية تقيد الحرية الأكاديمية، وتقوض من دور الجامعات كمؤسسات للفكر النقدي والحر". ويضيف الاتحاد، في بيانه الذي اطلعت "العربي الجديد" عليه، أن "هذا الإطار الفضفاض يخلق سابقة خطيرة، ويشجع التمييز في التعامل والأحكام المسبقة في هذه المؤسسات ضد طلابها. إن استراتيجية بريفينت تخلق بيئة غير آمنة للطلاب وتحد من المساحة المتوفرة للنقاش، إذ إن الطلاب يشعرون بالرقابة. وفي هذا السياق نعتقد أن الأبحاث الأكاديمية والمعارضة السياسية ستصنف على أنها تطرف، خصوصاً بين الطلاب المسلمين والأقليات".

إلا أن كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، المعروفة اختصاراً باسم "سواس"، تقول، على موقعها الرسمي، إن مقاربتها الخاصة باستراتيجية "بريفينت" تعتمد بشكل رئيس على حماية رفاه الطلاب والموظفين. وتضيف "نعمل على ضمان الموازنة بين التزاماتنا المبدئية في الحرية الأكاديمية وحرية التعبير والنقاش، في مقابل التزامنا بتوجيهات استراتيجية بريفينت الحكومية. كما أننا ملتزمون بالتشريعات الأخرى، مثل قانون المساواة وقانون حقوق الإنسان عند النظر في كيفية تطبيق مسؤولياتنا". وترى البروفيسورة في "سواس"، أليسون سكوت باومان، أن حق التعبير مكفول قانوناً، ولذلك تجب حمايته في الجامعات، ولا يمكن لاستراتيجية مكافحة الإرهاب الالتفاف حوله. إلا أن المشكلة تكمن في أن الاستراتيجية تعتمد على توصيات موجهة إلى الجامعات، وبالتالي فإن تفسيرها يعتمد على الجهد الشخصي لكل مؤسسة. وترى باومان أن "بعض الجامعات تفسر القانون من دون اكتراث، بينما البعض الآخر يطبقها بشدة أكثر مما يتطلبه". وتؤكد أن التطبيق المتشدد للقانون يغض النظر عن ثلاث نقاط أساسية، تتضمن أن الاستراتيجية تعتمد على التوصيات وليست إلزامية، وأن قانون مكافحة الإرهاب لعام 2015 يشير إلى قانون التعليم لعام 1986 الذي يلزم الجامعات بحماية حرية التعبير. يضاف إلى ذلك وجود تشريع المساواة لعام 2010، الذي يوجه المؤسسات العامة، مثل الجامعات، لحماية طواقمها وطلابها من التمييز.

كما يرى مجلس تمويل التعليم العالي في بريطانيا أن الاتهامات الموجهة إلى "بريفينت" بأنه برنامج عنصري ومعادٍ للإسلام لا تتعدى كونها خرافات متداولة، لأن البرنامج يستهدف جميع أشكال التطرف، وليس محصوراً فقط ضد التطرف الإسلامي. وبينما يكون المسلمون أكثر استهدافاً من قبل البرنامج، فذلك نتيجة لكون أغلب الهجمات الكبرى قادمة من التطرف الإسلامي. إلا أنه من غير القانوني أن يستهدف البرنامج فئة معينة، لأن ذلك يتيح مواجهته في المحاكم القضائية. ويستشهد المجلس بتعاون 50 ألف شخص، ونحو 400 مسجد طوعاً مع البرنامج. وهكذا، وعلى الرغم من إمكانية تفسير توصيات البرنامج وفقاً للأحكام المسبقة التي يمتلكها صناع القرار في المؤسسات العامة المختلفة، سواء كانت صحية أم تعليمية أم غيرها، فإن القانون البريطاني يحمي الحريات الفردية، ويمكن لأي كان الدفاع عن حقوقه والتصدي للتمييز ضده عبر المؤسسات القضائية. لكن هذه المؤسسات لا تستطيع التعامل مع المواضيع الاجتماعية المبنية على الخوف من الآخرين، والمفاهيم الخاطئة الناجمة عن سوء فهمهم، والتأثير السلبي على حياة الأقليات.