السيسي وسيطاً في الأزمة اللبنانية بتشجيع فرنسي

السيسي وسيطاً في الأزمة اللبنانية بتشجيع فرنسي

21 نوفمبر 2017
السيسي حريص على عدم التورط بأي عملية عسكرية(فرانس برس)
+ الخط -
دخل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خط المحاولات الفرنسية لحلحلة الأوضاع في لبنان بعد استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، وذلك بعدما اتفق الأوّل في اتصال هاتفي مساء أمس الأول مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أداء دور الوسيط، وتكريس سياسة "النأي بالنفس" لإبعاد المشهد الداخلي اللبناني عن التجاذبات الإقليمية تلافياً لانفجار الأوضاع الطائفية في لبنان مرة أخرى، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية مصرية مطلعة على الاتصالات التي جرت في الساعات الأخيرة بين مصر وفرنسا والرئاسة اللبنانية على أكثر من مستوى.

وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد" أنّ الحريري الذي يلتقي السيسي اليوم في القاهرة يحمل معه أجندة واضحة لدعوة الأوّل إلى التوسط لدى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لعدم الإقدام على أي تحركات غير محسوبة كضرب "حزب الله"، نظراً إلى أنّ الثمن الأكيد لمثل هذه التحركات سيكون التضحية بالحريري للأبد، ووضع الطائفة السنية تحت الضغط الداخلي، وتعريض اللحمة الوطنية اللبنانية لخطر حقيقي على المستوى السياسي والأمني.


وأضافت المصادر أن ماكرون والحريري اختارا السيسي لأداء مهمة الوساطة مع السعودية استناداً لبعض الخلفيات؛ أهمها العلاقة الجيدة التي تربطه بكل من ماكرون وبن سلمان، واقتناعه بعدم الرغبة في التصعيد الإقليمي حالياً ضد إيران و"حزب الله" بالطرق العسكرية، وكذلك علاقاته الجيدة بالولايات المتحدة وروسيا، استغلالاً لموقفه الشخصي الوسطي بين القوى الكبرى في التعامل مع مثل هذه الوقائع التي يحاول فيها الابتعاد عن المواقف الحدية، خصوصاً إذا تعلّق الأمر بالولايات المتحدة وروسيا. إذ سبق والتزم السيسي الصمت طويلاً في الأزمة بين السعودية وروسيا حول الأوضاع في سورية، ثم اختار أن يدعم عدداً من القرارات والإجراءات المتناقضة المتخذة من الطرفين بهدف الحفاظ على علاقاته بكل منهما، مما تسبب في صدور انتقادات متكررة لسياساته من الجانب السعودي.

وعلى الرغم من أن هذه السياسة حافظت على جسور التفاهم بين السيسي وكل الأطراف في المنطقة وكذلك القوى الدولية، إلا أنّها أسهمت أيضاً في عدم حصوله على الدعم المستهدف من كل منها، اللهم إلّا ما أسبغته عليه السعودية من مساعدات مالية وتنموية نظير تمريره الاتفاق التاريخي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وبالتالي إدخال الرياض طرفاً في العلاقات الأمنية والدبلوماسية الخفية مع إسرائيل كواحدة من الدول المشتركة في إدارة المعبر الملاحي في خليج العقبة.


وأشارت المصادر إلى أن السيسي كلّف وزير خارجيته سامح شكري بإجراء مباحثات سرية مع نظيره السعودي عادل الجبير لمحاولة إيجاد حلول عملية تلبي الشواغل السعودية، وتحافظ على الأوضاع في لبنان، بحيث يعرض السيسي على الحريري خلال لقائهما اليوم عدداً من الحلول لتطويرها قبل توجّه الأخير إلى بيروت للمشاركة في احتفالات عيد الاستقلال ولقاء رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وباقي رموز المشهد السياسي.

وبحسب المصادر، فإن السيسي حريص على تلافي التورط في أي عملية عسكرية واسعة أو محدودة، ليس فقط لأنه متخوّف من رد الفعل الروسي غير المرحب بالتأكيد بتصعيد الرياض، بل أيضاً لأنه لم يستفد الكثير من المشاركة في عملية "عاصفة الحزم"، كما أنه مشغول أكثر من أي وقت مضى بتطوير الأداء القتالي للجيش المصري لمواجهة الأخطار التي تهدد الدولة في شمال سيناء والصحراء الغربية. ولذلك، كان اختياره منذ بداية الأزمة أن يتواجد على الساحة في صورة الداعي إلى التفاهم والحوار.

لكن الموقف الوسطي للسيسي لا يمنعه من مجاراة السعودية في تصعيدها ضد إيران تحت مظلة جامعة الدول العربية، حرصاً على ثقة بن سلمان ولرسم أطر للتعامل مع إيران، وهو ما عبّر عنه شكري في كلمته الأحد الماضي أمام الاجتماع الوزاري لمجلس الجامعة، والتي لم تقتصر على انتقاد إيران فقط ودعوتها لوقف دعم المليشات والجماعات المسلحة أو الكيانات الإرهابية، من دون الإشارة صراحة إلى "حزب الله"، بل اعتبر أن سلوك إيران هو نموذج تتبعه دول جوار أخرى لا تحترم سيادة الدول العربية، في إشارة ربما إلى تركيا، من دون أن يسميها.

وذكرت المصادر أن "السيسي بطبيعته الاستخباراتية لا يميل للتعاون مع إيران أو حزب الله، وهو ما يبرر دعوته المستمرة لفصل الداخل اللبناني عن الأوضاع الإقليمية، ومع ما في هذه الدعوة من تجاهل لطبيعة القوى السياسية المتصارعة في لبنان، ولهشاشة كيان الدولة اللبنانية، إلا أنه وجد لنفسه مساحة للتحرك على ضوء المفاوضات غير المباشرة التي تجريها باريس لدعم تماسك الحكومة اللبنانية ورئيس الجمهورية وحمايتها من التوغّل السعودي بدعوى وقف حزب الله وإيران".

وقال مصدر حكومي مصري وثيق الصلة بملف الاستثمارات السعودية في مصر إن العلاقات بين الطرفين في الآونة الأخيرة "جيّدة"، فرغم إثارة بعض الحساسيات بسبب إعلان بن سلمان المنفرد عن مشروع "نيوم" الذي يتمركز حول جزيرتي تيران وصنافير ويضم جزءاً من جنوب سيناء، من دون إطلاع المصريين على كامل تفاصيله، إذ كانت معلومات القاهرة تقف عند أن السعودية باعتبارها المتكفّلة بتمويل مشروع جسر الملك سلمان الرابط بين أراضيها ومدينة نبق بسيناء قد استقرت على أن يتم مد الجسر على أكثر من مرحلة بين منطقة رأس الشيخ حميد بالمملكة ثم جزيرة صنافير ثم جزيرة تيران ثم نبق، وإحياء الجزيرتين مرفقياً وتحويلهما لمنتجعين سياحيين صالحين للاستثمار، إلّا أن هذا لم يمنع الاتفاق على عقد اجتماعات هذا الشهر لتوقيع اتفاق منحة سعودية جديدة لمصر استكمالاً للاتفاق المبرم بين الحكومتين في أبريل/نيسان 2016 لتنمية سيناء، ورفع كفاءة القرى والتجمعات الحضرية بها. علماً بأن مصر تلقّت في يونيو/حزيران الماضي 400 مليون دولار كدفعة أولى من تلك المنحة.

وسبق أن أعلن السيسي في شرم الشيخ الأسبوع الماضي "ثقته في قيادة المملكة، وفي قدرتها على إدارة الأمور بحكمة وحزم"، وزعم بأن "الوضع في المملكة مطمئن ومستقر" رغم موجة الاعتقالات الواسعة الأخيرة بين رجال الأعمال وبعض الأمراء وتغييب الحريري في الرياض لأكثر من أسبوع".