الجزائر: السلطة تتخوف من محاكمة شعبية في الانتخابات البلدية

الجزائر: السلطة تتخوف من محاكمة شعبية في الانتخابات البلدية

29 أكتوبر 2017
رفع نسبة المشاركة هاجس السلطات (العربي الجديد)
+ الخط -
أنهت الأحزاب السياسية في الجزائر استعداداتها لإطلاق الحملة الدعائية للانتخابات البلدية المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وسط مخاوف من تشنّج سياسي قد يسود هذه الحملة بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب للبلاد، وإخفاق الحكومة في تحقيق وعود التنمية، إضافة إلى غموض الموقف السياسي في أعلى هرم السلطة بفعل الغياب المستمر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد السياسي.

وكشفت تصريحات مسؤولين جزائريين عن مخاوف جدية لدى السلطة من أن تتحوّل الحملة الدعائية للانتخابات، التي ستبدأ اليوم الأحد وتستمر حتى 19 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إلى محاكمة شعبية وسياسية مفتوحة ضد بوتفليقة والسلطة وحكومة أحمد أويحيى. ودعا رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات في الجزائر، عبد الوهاب دربال، الأحزاب والقوى السياسية إلى احترام رموز الدولة والثوابت الوطنية. وقال دربال في تصريح صحافي خلال زيارته إلى استوديوهات تسجيل المداخلات التلفزيونية للمرشحين وممثلي القوى السياسية، إنه "يتطلع إلى حملة انتخابية نزيهة وأداء سياسي تعرُض فيه الأحزاب برامجها، وفي ظل احترام تامٍ للثوابت الوطنية"، في إشارة إلى بوتفليقة تحديداً. فيما طالب رئيس هيئة ضبط السمعي والبصري، زواوي بن حمادي، وسائل الإعلام بعدم بث الخطابات الانتخابية الحادة والمتشنجة أو تلك التي تعتمد خطاب العنف والتحريض.

ويحاول دربال، الذي تعرض لانتقادات حادة من قبل أحزاب معارضة بسبب إقراره بضعف الهيئة المستقلة للانتخابات ومحدودية صلاحياتها، مدفوعاً من الجهة السياسية الوصية على اللجنة التي تتبع الرئاسة، الدعوة إلى هدنة سياسية خلال الانتخابات واستباق حالة تشنج سياسي يتوقع أن تشهدها الحملة الانتخابية، خصوصاً أن هذه الانتخابات تأتي بعد فترة قصيرة من اعتراف الحكومة بالفشل الاقتصادي وبلوغ البلاد حد الإفلاس. وبالتالي فإن هذه الانتخابات تمثّل فرصة لأحزاب المعارضة للاستمرار في مناقشة غياب بوتفليقة عن المشهد السياسي، والدعوة إلى تغيير سياسي في البلاد، وكشف إخفاقات السلطة وتأليب الرأي العام ضد خياراتها الاقتصادية ومشروع قانون الموازنة الجديد لعام 2018 المثقل بالضرائب على المواطنين، والعودة إلى الحديث عن ملفات الفساد والاختلاس وهيمنة الكارتل المالي على مقدرات البلاد.
وتشهد هذه الانتخابات مشاركة أبرز الأحزاب السياسية التي تُشكّل معارضة راديكالية للسلطة وبوتفليقة، كحزب "طلائع الحريات" الذي يقوده رئيس الحكومة السابق وأبرز منافسي بوتفليقة في انتخابات 2014، علي بن فليس، والذي كان قد قاطع الانتخابات البرلمانية الماضية، إضافة إلى "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، و"جبهة القوى الاشتراكية" التي تستعدي بشكل لافت في خطابها السلطة وقوى الموالاة.


وتصر السلطات على أنها ملتزمة بأكثر الضمانات لنزاهة الانتخابات وشفافيتها، فقد أعلن أويحيى أن الحكومة تتعهد بتوفير أقصى الضمانات الممكنة لشفافية العملية الانتخابية، وطالب الأحزاب السياسية بتكثيف تواجد مراقبيها في مكاتب التصويت. إلا أن الأحزاب السياسية، وخصوصاً المعارضة، ما زالت تشكك في إمكانية التزام السلطة بهذه التعهدات. ورأى الأمين العام لحركة "النهضة" محمد دويبي، أن السلطة لن تحترم التزاماتها بشأن نزاهة الانتخابات، معتبراً أن "من حق الأحزاب السياسية ألا تثق بتعهدات السلطة التي تنحاز دائماً لأحزاب الموالاة، لأنه في كل الاستحقاقات السابقة كانت السلطة بمختلف مستوياتها تقدّم التعهدات نفسها، لكنها تمارس التزوير بأشكاله المختلفة، وما حدث في آخر انتخابات برلمانية في الرابع من مايو/أيار الماضي خير دليل على ذلك".

من جهته، أشار رئيس حركة "مجتمع السلم" عبد المجيد مناصرة، إلى أن ما حدث في فترة تقديم المرشحين لهذه الانتخابات البلدية من تعسف وتصرفات غير قانونية للجهاز الإداري بإقصاء مرشحين من دون وجه حق قانوني، وتدخّل الإدارة في قوائم أحزاب المولاة، يؤكد بكل وضوح أن السلطة لا تريد التخلص من ممارساتها المعتادة، معتبراً أنه "لا يمكن وفقاً لذلك أن تطمئن الأحزاب السياسية إلى السير العادي للعملية الانتخابية".

لكن السلطة في الجزائر لم تعد مهتمة بقدر كبير بالانتقادات التي تطرحها القوى السياسية المعارضة بشأن غياب الشفافية في الاستحقاقات الانتخابية، بقدر انشغالها باستقطاب الناخبين ورفع نسبة المشاركة والتصويت في هذه الانتخابات، وهو الرهان الرئيسي الذي تعمل عليه السلطة في الوقت الراهن عبر حملات دعائية تطالب المواطنين بالذهاب إلى مكاتب التصويت في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، خصوصاً أن نسبة التصويت في الانتخابات الأخيرة التي جرت في الرابع من مايو/أيار الماضي، بلغت 37 في المائة، وهي أدنى نسبة تصويت سُجلت في الانتخابات منذ دخول البلد عهد التعددية الحزبية عام 1989. وفي هذا السياق، طالب وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، حكّام الولايات خلال اجتماع معهم، باستغلال "كل الوسائل وبصورة مكثفة، وتفعيل خلايا الاتصال وحثها على وضع برامج عمل طموحة وشاملة ومبتكرة لدعوة السكان والتقرب منهم قدر الإمكان من أجل المشاركة في هذا الموعد الانتخابي، واستغلال كل القنوات الإعلامية والتواصلية لا سيما المحطات الإذاعية لما تقدّمه من خدمات للمواطن على المستوى المحلي، وكذلك وسائط التواصل الاجتماعي الأكثر استعمالاً".
كما قال بدوي، في تصريح صحافي قبل أيام، إنه "في العادة تعرف الانتخابات البلدية مشاركة واهتماماً أكبر من قبل الناخبين، بحكم طبيعة هذه الانتخابات التي تخص حيزاً جغرافياً وإدارياً محدوداً، تتدخّل فيها الاعتبارات المحلية والقبلية، ويعرف فيها الناخبون المرشحين بشكل جيد، بخلاف الاستحقاقات الانتخابية الأخرى". ويتوقع مراقبون أن تلعب هذه العوامل لصالح توجّه أكبر نحو التصويت.

ويشارك 51 حزباً سياسياً وأربعة تحالفات في الانتخابات البلدية التي تشهد انتخاب 1541 مجلساً بلدياً و48 مجلساً ولائياً. لكن هذه المجالس البلدية والولائية تظل بحسب القانون الجزائري من دون صلاحيات، إذ يهمين الجهاز الإداري المعين، كرئيس الدائرة والوالي، على الصلاحيات التنفيذية والتخطيط للمشاريع المحلية وتوزيع السكن وغيرها. بينما تؤدي المجالس المنتخبة مهام استشارية رمزية، فيما تطالب القوى السياسية بإعادة النظر في صلاحيات المجالس المنتخبة ومنحها صلاحيات تنفيذية أكبر والحد من هيمنة الأجهزة الإدارية.