حي الجالية الأفريقية: شاهد على معاناة المقدسيين مع المستوطنين

حي الجالية الأفريقية: شاهد على معاناة المقدسيين مع المستوطنين

16 أكتوبر 2017
يفرض الاحتلال قيوداً على المقدسيين خلال الاحتفالات اليهودية(محمد ابراهيم/الأناضول)
+ الخط -

"كانوا أكثر من أربعمائة مستوطن خرجوا من ساحة البراق قرب المسجد الأقصى مختتمين طقوساً من احتفالات ما يسمى عيد المظلة، ليستبيحوا شارع الواد وحي الجالية الأفريقية في بلدة القدس القديمة، وكما عادتهم في أعقاب كل عيد شرعوا باقتحام منازل وتخريب محلات تجارية وتحطيم محتوياتها، إضافة إلى تدمير وتحطيم مركبات كانت متوقفة أمام منازل أصحابها. أما شرطة الاحتلال الإسرائيلي فلم يكن من عناصرها سوى أربعة فقط، وحتى في ذروة الانفلات العنصري لم يتواجد سوى عشرين جندياً وجه لهم ضابطهم تعليمات صارمة بعدم استخدام الغاز المسيل للدموع ضد المعتدين والاكتفاء بمراقبتهم".

هذا ما رواه المواطن الفلسطيني لؤي الزربا من سكان شارع الواد في البلدة القديمة بالقدس المحتلة، وأحد المتضررين من اعتداء المستوطنين في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء-الخميس الماضي، إذ دمر المستوطنون مركبته بالكامل من بين عديد المركبات والدراجات النارية التي كانت متوقفة أمام منازل أصحابها في شارع الواد وفي ساحة حي الجالية الأفريقية المتاخم للمسجد الأقصى.

وأضاف الزربا في روايته تفاصيل ما جرى لـ"العربي الجديد": "اجتاحوا الحي وهم يصرخون ويطلقون الهتافات العنصرية الهستيرية. بداية حطموا مركبة كانت متوقفة نهاية شارع الواد قرب مدخل ساحة البراق، وهاجموا المحلات المغلقة وبدأوا بتحطيم أبوابها، ثم خربوا مداخل بعض المنازل، بينما تمكنوا من اقتحام منزل المواطن ماهر أبو اسنينة وحطموا ما فيه من زجاج وأثاث، ثم شرعوا بتحطيم السيارات والاعتداء على الممتلكات، إلى أن وصلوا إلى محل تجاري في باب العمود يديره المواطن إبراهيم الهشلمون، فاعتدوا عليه بالضرب المبرح ما اضطر لنقله إلى مستشفى هداسا الإسرائيلي".

وتابع: "إثر ذلك خرجنا من منازلنا لندافع عن أنفسنا وممتلكاتنا، ولم نجد سوى أربعة من عناصر من شرطة الاحتلال الذين لم يتمكنوا من السيطرة على المئات من الفاشيين، وبدا واضحاً أنهم غير معنيين بذلك حتى حين وصلت عناصر أخرى لم يتجاوز عددها العشرين جندياً لم يفعلوا شيئاً، بل سمعت ضابطاً يوجّه جنوده بعدم استخدام الغاز المسيل للدموع ضد المعتدين. ولكن لو كان الأمر متعلقاً بنا نحن العرب، لكان الاحتلال قمعنا بوحشية كما يفعل دائماً حين يصاب مستوطن ولو بأذى طفيف".

معاناة الزربا والعائلات المتضررة لم تنته عند هذا الحد. فبعد حضور قوات الاحتلال، طُلب منه التوجه إلى مركز شرطة الاحتلال في "القشلة" في باب الخليل بالبلدة القديمة من القدس للتحقيق، بدلاً من ملاحقة المعتدين. وشرح الزربا: "حين سألت عن تعويضي عن الأضرار التي لحقت بمركبتي، تنصل الاحتلال من مسؤوليته، واكتفى بأن الشرطة مسؤولة فقط عن تصليح زجاج السيارة، أما هيكلها الخارجي فمسؤولة عنه شركة تأمين المركبات".

أما المواطن المقدسي خالد الشريف، وهو شاهد عيان من سكان حي الجالية الأفريقية، فروى لـ"العربي الجديد"، أن "ما شهده الحي والبلدة القديمة من القدس كان انفلاتاً عنصرياً دموياً، وكان يمكن أن يؤدي إلى وقوع ضحايا". وأضاف: "لقد حطموا كل المركبات. واقتحموا منازل وحطموا محتوياتها وأشاعوا أجواء من الإرهاب، ولم يكن أمام الأهالي إلا التصدي لهم والاشتباك معهم، وإصابة عدد منهم، وحينذاك تدخّلت قوات الاحتلال، لكن بدا واضحاً حجم التواطؤ بين المعتدين وتلك القوات".

بدوره، قدّر حافظ أبو الضبعات، مالك المحل التجاري الذي يديره المواطن الهشلمون وعدد من المحال الأخرى، في حديث لـ"العربي الجديد"، خسائره بعشرات الآلاف من "الشواقل" (العملة الإسرائيلية)، إذ أتى التدمير على كل البضائع، إضافة إلى تضرر المحال ذاتها ما يتطلب إعادة ترميمها وصيانتها. وقال أبو الضبعات: "قدّمنا شكوى لدى شرطة الاحتلال وطالبنا بمعاقبة المعتدين واعتقالهم، وتعويضنا عن الأضرار التي لحقت بنا وبمحلاتنا، رغم ثقتنا بأنها لن تفعل شيئاً".


المشهد في حي الجالية الأفريقية صباح الخميس، حيث حطام المركبات والحجارة والكراسي التي استُخدمت في الاعتداء، كان شاهداً على عنف المعتدين ووحشيتهم، كما قال لـ"العربي الجديد"، سليمان قوس وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، وأحد سكان الحي، وهو كان قد وصل في ساعة متأخرة من الليل إلى منزله هناك ليرى آثار الخراب والدمار الكبيرين التي خلّفها المعتدون. وقال قوس إن "ما شاهدته كان صادماً، فالمعتدون اقترفوا فعلتهم على مرأى قوات الاحتلال وكاميرات مراقبتها والتي تعد بالمئات، ولم يكن هناك عدد كاف من الجنود ليمنعوا انفلات العنصريين، في حين أن شجاراً عادياً يحدث بين شبان ومستوطنين ترصده كاميرات المراقبة يدفع إليه الاحتلال العشرات من جنوده، لكن لأن الضحية من غير اليهود فهم لا يكترثون لذلك، بل نجدهم متواطئين حتى في ملاحقة المعتدين، ليصبح الضحية هو المعتدي ويفلت المعتدي من العقاب والمساءلة".

سكان البلدة القديمة من القدس، وبلدة سلوان المجاورة، يؤكدون أن مثل هذه الاعتداءات تقع في كل مناسبة من الأعياد اليهودية، وما إن ينتهوا من أعيادهم حتى يخرجوا بأعداد كبيرة في مسيرة عدوان تستهدف المواطنين المقدسيين وممتلكاتهم، ويتخلل ذلك وضع سكان البلدة القديمة من القدس والأحياء المجاورة في سجن كبير بفعل إغلاق الطرق ومنع حركة الانتقال من الأحياء إلى خارجها.

وقال فخري أبو دياب، من لجنة الدفاع عن أراضي حي البستان في سلوان، إن "المقدسيين يدفعون من حريتهم ثمن أعياد اليهود والمستوطنين، ومطلوب منهم ألا يدافعوا عن أنفسهم حين يتعرضون للاعتداء من المستوطنين، كما حدث ليل الأربعاء-الخميس، في البلدة القديمة، وكما يحدث يومياً في سلوان". وأشار أبو دياب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "احتفالات اليهود بأعيادهم تحوّل حياة المواطنين المقدسيين إلى جحيم، إذ تُفرض عليهم قيود تمنعهم من الحركة، وتلزمهم بالبحث عن بدائل صعبة، كسلوك طرق بعيدة وعرة، أو السير على أقدامهم لمسافات طويلة، كل ذلك ليضمن للمستوطنين الاحتفال بحرية، وتمكينهم من اقتراف اعتداءاتهم من دون محاسبة أو مساءلة".

من جهته، حذر مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد الحموري، من تبعات ما جرى، واصفاً إياه بأنه عدوان وحشي يمهد لما هو أخطر من ذلك. وقال الحموري لـ"العربي الجديد": "ما كان مثل هذا العدوان ليحصل لولا تساهل قوات الاحتلال مع المعتدين. والهدف من ذلك واضح وهو تفريغ البلدة القديمة من سكانها لتصبح خالصة للمستوطنين فقط".

ونبّه الحموري إلى موجة الاقتحامات الأخيرة الواسعة والمكثفة للمسجد الأقصى خلال فترة "عيد العرش (المظلة)" اليهودي، وقال: "هذا يندرج في سياق الهدف نفسه. فحين تسمح قوات الاحتلال لنحو ألفي مستوطن باقتحام الأقصى في غضون أربعة أيام فقط، فهي توجّه رسالة واضحة للمقدسيين وللعرب وللمسلمين عموماً بأن القدس بما فيها هي في قبضة الاحتلال وهي المسيطرة عليها". وأضاف: "ما نخشاه في المستقبل القريب مزيد من التصعيد ليس في الأقصى وحده؛ بل في كل مجال يمس حياة المواطنين الفلسطينيين، لتحقيق هدف الاحتلال بتهويد البلدة القديمة برمتها"، متابعاً: "هم بدأوا بالحركة التجارية وإفقارها وإضعافها، واليوم يصّعدون من الاعتداء على الناس لدفعهم للمغادرة، في وقت يتعزز فيه الاستيطان اليهودي في القدس القديمة وفي سلوان ورأس العمود والشيخ جراح وكل الأحياء المتاخمة للمدينة المقدسة، وهو ما كنا حذرنا منه على الدوام".

المساهمون