محاولات أخيرة لإنقاذ غامبيا من التدخّل العسكري

محاولات أخيرة لإنقاذ غامبيا من التدخّل العسكري

21 يناير 2017
جندي سنغالي على الحدود مع غامبيا (فرانس برس)
+ الخط -

تسارعت وتيرة الأحداث في غامبيا في اليومين الأخيرين بدخول السنغال، الجار التاريخي اللدود على الخط، من أجل وضع حد لحكم الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع، وإجباره بالقوة على التنحّي عن السلطة وقبول هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت في 1 ديسمبر/كانون الأول 2016. ومباشرة بعد أداء الرئيس المنتخب أداما بارو قسم اليمين في السفارة الغامبية في داكار، توغلت القوات السنغالية في الأراضي الغامبية في إطار عملية "إعادة الديمقراطية" التي قررتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا. ودام توغل هذه القوات بضع ساعات بعد ظهر يوم الخميس، فيما يشبه الخطة التحذيرية من دون أن تلقى مقاومة من طرف الجيش والشرطة الغامبيين، قبل أن تعود أدراجها لإفساح المجال لمحاولة توسط أخيرة من طرف الرئيس الغيني آلفا كوندي، الذي التقى الخميس نظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وقاما بزيارة غامبيا، أمس الجمعة، لإقناع جامع بالتنحّي سليماً. واقترح الرئيسان على جامع بعض الحلول ومن بينها الانتقال للإقامة في بلد من خياره، وفق ما أعلن الأمين العام للرئاسة الغينية كيريدي بانغورا لوكالة "فرانس برس" أمس الجمعة. 

وكانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، قد أكدت بشكل صريح أن "البلدان الخمسة التي تقوم بالعملية (السنغال ونيجيريا وغانا وتوغو ومالي) سترسل سبعة آلاف رجل للتدخل في غامبيا، انطلاقاً من الأراضي السنغالية"، المحيطة من ثلاث جهات بغامبيا باستثناء شريط ساحلي ضيق يطلّ على المحيط الأطلسي، ولا يتجاوز عدد سكان البلاد المليوني نسمة. على الرغم من أن القرار الذي تبنّاه مجلس الأمن الدولي يوم الخميس بالإجماع، لم يشر إلى استخدام القوة، حسبما يجيز الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بل دعا فقط إلى احترام العملية الديمقراطية وتنحي جامع عن الحكم لصالح بارو. كما أن القرار الذي أعدته السنغال تمحور حول تقديم "الدعم الكامل للمجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا في التزامها ضمان احترام إرادة السكان بالوسائل السياسية قبل كل شيء". مع ذلك، باتت السنغال ودول غرب أفريقيا مقتنعة بضرورة التخلص من جامع بالقوة ووضع حد لحكمه.

وفي انتظار التخلص من جامع تشهد الحدود بين البلدين حركة نزوح كثيفة للغامبيين في اتجاه السنغال، وقد نزح حتى الآن حوالي 45 ألف شخص إلى السنغال، في حين توجه حوالي ألف غامبي إلى غينيا بيساو، حسبما ذكرت إحصائيات جديدة نشرتها ممثلية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في السنغال. وقال المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة باربر بالوش في جنيف، إن "السلطات السنغالية جهزت مواد إغاثة تكفي في حالة وصول 100 ألف شخص".

ومع بقاء مصير جامع غامضاً في انتظار تسوية سياسية تقوده للمنفى أو الإطاحة به بالقوة، طُرحت مجموعة أسئلة حول بارو، وهو رجل أعمال كان حتى وقت قصير وجهاً مجهولاً قبل أن يفوز في الانتخابات الرئاسية مدعوماً بتآلف للأحزاب المعارضة. وهناك من يشكك في تجربته السياسية المحدودة وقدرته على الحكم في بلاد، تهب عليها الضغوط الخارجية والإقليمية من كل جانب. كما أن هناك تساؤلات كثيرة حول النوايا السنغالية ومدى تجاوب الأسرة الدولية معها. وحتى الآن أعلنت فرنسا والولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي دعمها للرئيس المنتخب، لكن دعم "الأطماع" السنغالية في ابتلاع الكيان الغامبي تبقى مسألة أخرى قد تثير بعض الخلافات.



ومنحت التطورات الأخيرة في غامبيا فرصة ذهبية للسنغال لتصفية حساب تاريخي قديم معها ومع جامع الذي يحكمها منذ 1994. مع العلم أن السنغال تعتبر غامبيا جزءاً مقتطعاً منها بسبب الخلافات بين القوى الاستعمارية الأوروبية التي كانت تتنافس على السيطرة على القارة الأفريقية، لاسيما فرنسا وبريطانيا، اللتان اتفقتا في القرن التاسع عشر على ترسيم حدود مصطنعة وكرّستها بالقوة في القرن التاسع عشر.

وتتقاسم السنغال وغامبيا تاريخاً مشتركاً وجغرافية وثقافة وديانات متقاربة. وعدا قبيلة آكو التي تقطن في غامبيا، وهي قبيلة تنحدر من العبيد المحررين، الذي كانت بريطانيا استقدمتهم في القرن التاسع عشر من نيجيريا وسيراليون للعمل في حقول غامبيا، فإن البلدين تسكنهما نفس القبائل والإثنيات على جانبي الحدود، كما كانا يشكلان جزءا من إمبراطورية مالي الأفريقية التي كانت تبسط سيطرتها على كل قبائل بلدان غرب أفريقيا الحالية خلال القرن الثالث عشر.

ويعود الترسيم الحالي للحدود بين الدولتين إلى عام 1889 حين تقاسمت فرنسا وبريطانيا النفوذ على نهر غامبيا، الذي كان يشكل عصب الحركة التجارية في المنطقة وتم توارث هذا الترسيم الذي تم رسمه بشكل عشوائي بقلم الرصاص بين الفرنسيين والإنكليز واقتطع مساحة داخل الأراضي السنغالية ليجعلها دولة مستقلة. وبقي الوضع على ما هو عليه عندما استقلت السنغال عن فرنسا في 4 أبريل/نيسان 1960، وغامبيا عن بريطانيا في فبراير/شباط 1965. ومنذ ذلك الحين يعيش البلدان على وقع فصول متقلبة يشوبها الاستقرار تارة والتوتر تارة أخرى فيما تأقلم السنغاليون والغامبيون الذين يعيشون على الحدود مع هذا الواقع، على الرغم من المتغيرات السياسية، وهم يعيشون في حركة دائمة بين الحدود التي تعرف رواجاً تجارياً كبيراً وعمليات تهريب واسعة.

ومنذ وصول جامع إلى الحكم يعيش البلدان على إيقاع علاقات متوترة في ظل إصرار جامع على إبقاء الوضع على ما هو عليه ورفض عروض التعاون التي تقترحها السنغال للنهوض بإقليم زينغاشور، غرب غامبيا، خصوصاً مشروع بناء جسر يربط بين البلدين. كما أن إعلان جامع العام الماضي عن تحويل غامبيا إلى جمهورية إسلامية زاد من حدة التوتر مع السنغال التي تنتهج نظاماً سياسياً متوارثاً عن فرنسا قريبا من العلمانية، على الرغم من أن الإسلام هو ديانة غالبية السكان.

وفي سياق التطورات الأخيرة وفي أفق التخلص من يحيى جامع وبداية مرحلة سياسية جديدة في غامبيا، تتعالى الأصوات في السنغال وغامبيا لتوحيد البلدين في إطار دولة جديدة يطلق عليها "سنغامبيا"، توحد بين دكار وبانغول. مع العلم أنه تمّ تأسيس فيدرالية دامت بين عامي 1981 و1989، إثر استنجاد الرئيس الغامبي داودا جاوارا بالجيش السنغالي لقمع محاولة انقلابية ضد حكمه. 

دلالات