"واشنطن بوست": ملامح تمرّد وذعر داخل "خلافة داعش"

"واشنطن بوست": ملامح تمرّد وذعر داخل "خلافة داعش"

22 سبتمبر 2016
(داعش) بات أضعف مع اقتراب ساعة الصفر (يونس كيليس/Getty)
+ الخط -

الكتابات الجريئة التي خُطّت على الجدران في الموصل، حيث نصّب أبو بكر البغدادي نفسه خليفةً على "إمارات" زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، قبل عامين، كانت بمثابة "حراك تمرّد" صغير، ولكنّه يظلّ ذا دلالات مهمّة لا يمكن إغفالها، ولا سيّما مع اقتراب ساعة الصفر لـ"معركة الموصل".

الرسالة التي خُطّت على الجدران، وحملت حرف "الميم"، الذي يرمز لمفردة "المقاومة"، كانت جزءاً من الحملة التي بدأتها "كتائب الموصل" الناشطة في المدينة، وهي جماعةٌ معارِضةً تعمل بشكل سرّي في ظلّ قبضة "داعش" المحكمة، وقد أصدرت شريط فيديو، هذا الشهر، يشرح خارطة العمل التي تتبنّاها.

وبحسب ما تورد صحيفة "واشنطن بوست"، في تقريرها الذي أُعدّ من داخل العراق، فإن "الدّولة الإسلاميّة" (داعش) استجاب لذلك الحراك بوحشيّة، وبشكل فوريّ، إذ بثّ شريط فيديو يظهر إعدام ثلاثة شبّان اتّهمهم بالضلوع في الأمر، وفي خلفيّة المشهد الدموي، يظهر أحد الجدران مخطوطاً عليه حرف "الميم" ذاتُه.

على وقع بوادر التمرّد تلك، ومع اقتراب ساعة المواجهة، بدأ الشكّ يجد طريقه إلى داخل صفوف مقاتلي التنظيم، إذ يذكر مسؤولون عراقيّون أنّ بعض الأشخاص الذي تعاونوا مع "داعش" في السابق، باتوا يبدون رغبةً في تغيير ولاءاتهم، والانضمام إلى الجانب الآخر.

في هذا السياق، يقول رئيس أوقاف نينوى، أبو بكر كنعان، إنّ "أعضاء التنظيم يحاولون أن يتبرّؤوا منه". ويضيف أنّه لا يزال على اتّصال مع أشخاص داخل المدينة، وسمع من عدّة أعضاء في التنظيم أنّهم يرغبون في تركه.

بموازاة ذلك، يقول أحد السكان السابقين إن "(داعش) بدأ يحدّد أخيراً الضباط الذين خدموا في الجيش خلال حقبة الرئيس الأسبق، صدام حسين"، مضيفاً: "التنظيم يدرك أنّ بعضهم ربّما لا يزال على صلة مع بعض الأشخاص في الجيش، ويخشى من إمكانيّة تعاونهم مع الجيش، أو انقلابهم في لحظات الحسم".


إضافة إلى ذلك، يتحدّث محافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، عن ملامح تفكّك في صفوف "الدولة الإسلامية" أخذت تترسّخ مع تنامي الفساد داخل التنظيم، إذ يقول إنّه "على الرغم من الحظر المفروض على مغادرة المدينة؛ تمكّن بعض السكّان من الفرار عن طريق دفع رشاوى كبيرة".

إلى جانب ذلك، يذكر مسؤولون آخرون أنّ بعض الأشخاص الذي تعاونوا مع "داعش" في السابق، باتوا يبدون رغبةً في تغيير ولاءاتهم، والانضمام إلى الجانب الآخر.

هذا الأمر واكبه ارتفاع في وتيرة عمليّات الإعدامات والاعتقالات في الموصل أخيراً، وهو ما يرى فيه معدّا التقرير علامةً تعكس اليأس الذي يعيشه التنظيم في الآونة الأخيرة، ولا سيّما وهو يواجه احتمال فقدان "عاصمة خلافته"، وفقاً للتقارير الواردة من هناك.

ضمن هذا الإطار، يقول مسؤولون أميركيون وعراقيّون، إن استعادة المدينة قد تمثّل خطوة مهمّة في سبيل حرمان "داعش" من إماراته، وإجباره على العودة إلى حالة التمرّد التي اعتاد عليها، وهذا الأمر، وفقاً للمسؤولين أنفسهم، يظلّ مسألة وقت فحسب.

وبينما تقترب القوّات العراقيّة رويداً رويداً، جنباً إلى جنب مع القوّات الأميركية التي تقدّم لها المشورة، وفقاً لتعبير الصحيفة؛ فقد باتت قاعدة القيارة الجويّة، التي استعيدت السيطرة عليها أخيراً، هي المركز اللوجستي للمعركة الوشيكة، في الوقت الذي لا يزال "داعش" يتجهّز فيه جيّداً لساعة الصفر.

عطفاً على ذلك، يقول أحد المتحدّثين من "كتائب الموصل" للصحيفة الأميركية إنّ "داعش بات أضعف من ذي قبل في الموصل، لكنّه يوظّف أساليب مختلفة من القمع، مثل الاعتقالات العشوائية، لإظهار أنّ الأمور لا تزال تحت سيطرته".


يضيف المتحدّث ذاته أنّ التنظيم بدأ بشنّ عمليّات اعتقال جماعيّ واسعة، بعد أن شرعت "كتائب الموصل" بحملة رسوماتها على الجدران قبل شهرين، مضيفاً أن مسلّحي التنظيم بدؤوا ببناء سواتر ترابية جديدة حول بعض الأحياء في شرق وشمال وجنوب المدينة، وفي بعض الأحياء الأخرى أقيمت حواجز خرسانية، ما يشي بأن التنظيم يحاول عزل بعض الأحياء التي يخشى من انقلابها عليه ساعة بدء المعركة.

من جانبه، يقول أحد القيادات القبلية في المدينة، محمد الجبرا، الذي يداوم على الاتّصال بالسكّان في المدينة، إن التنظيم، في الوقت الراهن، "يشنّ اعتقالات مكثّفة من دون تحقيقات، كما لم يفعل من قبل"، ويضيف: "لدي معلومات أنّهم يحفرون خنادق جديدة حول المدينة. هم لم يتوقّفوا أبداً عن الحفر".

في ضوء هذه المعطيات، لا تتوفّر معلومات دقيقةٌ بعد عن عدد المدنيين في الموصل، لكنّهم، على الأغلب، باتوا أكثر تعداداً الآن بعد نزوح عدد من العراقيين إليها إثر الجرائم المرتكبة في مناطق "الدولة الإسلامية" الأخرى، على حدّ قول الصحيفة. وفي ظلّ هذه الأجواء المشحونة، تبقى ثمّة خشية لدى السكّان السنّة تحديداً إزاء تعامل القوّات العراقيّة معهم في حال أحكمت سيطرتها على الموصل.

ضمن هذا السياق، يقول النجيفي، إن النازحين جاؤوا من مناطق عدّة محيطة، ومن ضمنها القيّارة، التي استعادت القوّات العراقية السيطرة عليها هذا الشهر، مضيفاً أنّ "معظم أولئك النازحين من المناطق ذات الأغلبية السنيّة كانوا يخشون، إلى حدّ كبير، من الطريقة التي ستتمّ معاملتهم بها من قبل قوّات الأمن، ولربّما قسم منها كان قد أبدى تعاطفاً أو ولاءً للتنظيم، بينما اختار قسمٌ آخر أن يفرّ من الحرب إلى أيّة وجهة استطاع إليها سبيلاً".

ويضيف النجيفي أنّ بعض الأشخاص قدموا من مناطق بعيدة، مثل مدينة منبج، التي استعادت السيطرة عليها المليشيات الكرديّة بدعم أميركي.

وتقول إحدى ساكنات الموصل سابقاً إن "التنظيم بات يستولي على المنازل الفارغة لإيواء النازحين إلى الموصل، ومن ضمنها منزل العائلة".

ويقدّر الجيش الأميركي وجود ما بين 3000 إلى 4500 مسلّح في الموصل الآن. وخلال الشهرين الماضيين، أدّت الضربات الجويّة التي تقودها الولايات المتّحدة إلى مقتل 12 قياديّاً في "داعش" في الموصل وحدها، وفق ما يقول المتحدث باسم التحالف، الكولونيل جون دوريان.

لكن بمعزل عن هؤلاء، ثمّة آخرون ظلّوا رهناء لخلافة التنظيم المزعومة على مدار أكثر من عامين. وبين من حوصر منهم بسواتر التراب والإسمنت، ومن يخشى على نفسه من ويلات الحرب المشحونة طائفيّاً، ومن لا يملك خياراً إلّا البقاء والترقّب، تبقى المسألة بالنسبة لأكثر من مليون نسمة في المدينة لعبة انتظار فحسب، حتّى تضع الحرب أوزارها.