رحلة 15 عاماً من اعتداءات سبتمبر:خطر ترامب هو الأكبر

رحلة 15 عاماً من اعتداءات سبتمبر:خطر ترامب هو الأكبر

12 سبتمبر 2016
يزورون النصب التذكاري لاعتداءات 11 سبتمبر في نيويورك (Getty)
+ الخط -
لا ينفصل إحياء الأميركيين لذكرى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، هذا العام، عن الاحتفالات الانتخابية اليومية وسجالات المرشحين للانتخابات الرئاسية المقرر أن تشهدها الولايات المتحدة بعد أقل من شهرين. وبعد هذه الاعتداءات التي نفذها انتحاريون من تنظيم القاعدة، مستهدفين مقر وزارة الدفاع في واشنطن والمركز التجاري الدولي في نيويورك، اعتاد الأميركيون، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، على تكرار طرح الأسئلة بشأن الأمن القومي وحجم المخاطر "الإرهابية" التي تهددهم، والتي خلفتها صدمة 11 سبتمبر. هذه الأسئلة هي نفسها محور السجال الانتخابي حالياً بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري، هيلاري كلينتون، ودونالد ترامب. فإخفاقات الحروب الأميركية على الإرهاب التي أطلقها الرئيس الجمهوري السابق، جورج بوش الابن، والحلقة المحيطة به من المحافظين الجدد، رداً على اعتداءات سبتمبر، خلفت إرثاً من الهزائم والأزمات الاقتصادية والسياسية. وقد نتج عنها أعباء أثقلت عاتق إدارة الرئيس (الديمقراطي) باراك أوباما.

قامت استراتيجية بوش في مكافحة الإرهاب على فكرة صراع الحضارات بين الإسلام والغرب. والغزوة "الإسلامية" على "مانهاتن" تستدعي، وفق منطق اليمين الأميركي، رداً من طراز "الحملات الصليبية" على بلاد المسلمين. هكذا أرسل بوش مئات الآلاف من الجنود الأميركيين إلى أفغانستان للقضاء على تنظيم القاعدة وإطاحة حركة طالبان، ولاحقاً إلى العراق لإسقاط نظام صدام حسين، بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل. وتكبدت القوات الأميركية خسائر بشرية ومالية كبيرة دون أن تتمكن من القضاء على "القاعدة"، أو حتى أن تحد من تمددها من أفغانستان إلى باكستان والعراق واليمن.

باراك حسين أوباما رئيساً
اختار الأميركيون باراك حسين أوباما عام 2008 رئيساً للولايات المتحدة، انتقاماً من المحافظين الجدد وعقاباً للإدارة الجمهورية على خطيئة غزو العراق وأفغانستان. أعلن أوباما خطة الانسحاب من هذين البلدين. وتجنبت استراتيجيته في محاربة "القاعدة" نشر جنود أميركيين على أرض المعارك. واكتفت بالضربات الجوية لأهداف منتقاة في أفغانستان وباكستان واليمن والعراق. وتمكنت القوات الأميركية عام 2011 من قتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، خلال اقتحام مخبئه في باكستان. واعتبر رأس بن لادن صيداً ثميناً وثأراً لنيويورك وواشنطن، انتظره الأميركيون نحو عشر سنوات. صحيح أنه تم قطع رأس "الإرهاب"، لكن خلاياه وفروعه انتشرت على نطاق أوسع. ومن تلك الفروع ولد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي أعلن تأسيس "دولة الخلافة في سورية والعراق" بقيادة أبو بكر البغدادي.

الإسلاموفوبيا في الزمن "الترامبي"
يتسم الخطاب الانتخابي للمرشح الجمهوري، ترامب، بنزعة عنصرية معادية للمهاجرين والمسلمين. وهو يعبّر عن تيار يميني جديد يجتاح الولايات المتحدة وأوروبا. هو نسخة أكثر تشدداً من حلقة المحافظين الجدد الذين انتهزوا فرصة وقوع سبتمبر لترسيخ القيادة الأميركية للعالم، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي من خلال القوة العسكرية. فالملياردير النيويوركي، الذي يزعم أنه شاهد آلاف المسلمين والعرب يتظاهرون في ولاية نيوجرسي احتفالا باعتداء "القاعدة"، بعد ساعات قليلة من سقوط برجي نيويورك، انتهز خلال حملته الانتخابية فرصة وقوع اعتداءي سان برناردينو (ديسمبر/كانون الأول 2015) وأورلاندو (يونيو/حزيران 2016)، ليصعد خطابه العنصري ضد المسلمين. وفي هذا الإطار، دعا لمنع دخولهم إلى الولايات المتحدة. وطالب بإغلاق مساجدهم وبوضع من يقيم منهم في أميركا، على لوائح المراقبة الأمنية.


استعاد الخطاب "الترامبي" ضد المسلمين أجواء الإسلاموفوبيا نفسها التي شهدتها الولايات المتحدة عقب اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وتخوف الأميركيون المسلمون من أن يتعرضوا مجدداً لممارسات وضغوط شبيهة بتلك التي عانوا منها بعد ذلك التاريخ. ويخشون بالتالي من تجدد الاعتقالات التعسفية والمضايقات من قبل الأجهزة الأمنية الأميركية التي أعطاها قانون مكافحة الإرهاب صلاحيات واسعة.

يأخذ ترامب على إدارة أوباما وعلى المرشحة الديمقراطية، كلينتون، عدم استخدام عبارة "الإسلام الراديكالي" التي يفضلها المرشح الجمهوري لتعريف الإرهابيين. لكن الديمقراطيين يشددون على ضرورة عدم الخلط بين الدين الإسلامي والمجموعات الإجرامية والأفراد المتأثرين بإيديولوجية "القاعدة" و"داعش". والمرشح الجمهوري هو صاحب الدعوى الشهيرة التي شككت بولادة أوباما على الأراضي الأميركية، متهما رئيس البلاد بانتحال شخصية وتزوير شهادة ميلاد. كما لم يتردد، مرات عدة خلال حملته الانتخابية، في إثارة الشكوك حول "مسيحية" أوباما. وتساءل عما إذا كان باراك حسين أوباما هو مسلم من كينيا وينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين.

المسلمون في أميركا
في دراسة نشرها أخيراً مركز "بروكينغز" للأبحاث في واشنطن، يلاحظ الباحث الأميركي، دانيال بايمان، أن عدد الأميركيين المسلمين الذين تأثروا بإيديولوجية تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، خلال الخمسة عشر عاما الماضية، هم قلة قليلة تعد بالمئات. ويضيف أن بعضهم تمكن من التوجه إلى ساحات القتال في سورية والعراق وليبيا، فيما اعتقلت الأجهزة الأمنية الأميركية البعض الآخر. ويشير إلى أن المسلمين في أميركا لم ينصاعوا لإيديولوجية التنظيمين "الإرهابيين"، على الرغم من كل ما تعرضوا له من اعتداءات وانتهاكات عنصرية خلال السنوات التي تلت الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويعتبر كاتب الدراسة أن هذا الشعور الوطني الأميركي لدى المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة، يشكل أحد أبرز الأسباب التي ساعدت الأجهزة الاستخباراتية، خلال السنوات الماضية، على منع تكرار اعتداءات إرهابية كبيرة على الأراضي الأميركية، على غرار ما حصل في 11 سبتمبر.

المفارقة أن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة تزايدت باضطراد على الرغم من كافة أشكال التمييز ضدهم. وتشير الإحصاءات إلى أن عددهم في هذا البلد بات يقترب من العشرة ملايين مسلم، أي نحو ثلاثة بالمائة من الشعب الأميركي. وتضاعف عدد المساجد في أميركا عشرات المرات بعد عام 2001، ليتجاوز الثلاثة آلاف مسجد، منتشرة في كافة الولايات الأميركية الخمسين.

أجيال ما بعد سبتمبر
في المحصلة، وعلى الرغم من مرور خمسة عشر عاماً على استهداف "القاعدة" للولايات المتحدة، لا يزال هاجس "الإرهاب" يتصدر اهتمامات الأميركيين. وكلمة "الإرهاب"، هنا، تعني الاعتداءات التي ينفذها مسلمون ينتمون "للإسلام الراديكالي"، حسب توصيف اليمين الأميركي. لكن وفق اليسار، أو بحسب وجهة نظر الإدارة الأميركية الحالية، فإن كلمة "الإرهاب" يجب أن تشمل المجازر الجماعية التي باتت خبراً يومياً في أميركا، والتي غالباً ما تكون دوافع منفذيها عنصرية أو دينية. واستناداً إلى وجهة النظر هذه، يمكن التأكيد على تراجع درجة التهديد الذي يمثله خطر الإرهاب "الإسلامي" للأمن القومي الأميركي. وهذا الاستنتاج يبدو مشروعاً بمجرد القيام بمقارنة بين ضحايا حوادث إطلاق النار الجماعي، بسبب الكراهية العنصرية وانتشار المخدرات والجريمة المنظمة وسهولة الحصول على سلاح، والتي تحصد أكثر من ثلاثين ألف أميركي يقتلون سنوياً، وبين ضحايا العمليات الإرهابية التي وقعت بعد 11 سبتمبر 2001، والتي لم يتجاوز المئة عدد قتلاها من الأميركيين.