معركة منبج ضد "داعش" تدخل مرحلتها الأخيرة

معركة منبج ضد "داعش" تدخل مرحلتها الأخيرة

07 اغسطس 2016
يوسع الاتحاد الديمقراطي مناطق سيطرته في سورية(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
تقترب قوات "سورية الديمقراطية" التي يشكّل مقاتلون أكراد ثقلها الرئيسي، من استعادة مدينة منبج (شمالي سورية) من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بشكل كامل، بعدما سيطر عليها التنظيم عام 2014، وهي تعد من معاقله الهامة في سورية، وهو ما يعتبره مراقبون خطوة أخرى في طريق التمكين لإقليم كردي شمالي سورية، والذي تؤكد أنقرة أنها لن تسمح بولادته.

ويقول المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري لمنبج وريفها، التابع لقوات "سورية الديمقراطية"، شرفان درويش، إن "المعارك لا تزال مستمرة في المدينة، ولا يزال مقاتلو المجلس العسكري يخوضون المعارك داخل أحياء المدينة"، لافتاً إلى أن المجلس هو المصدر الرسمي الوحيد المخوّل بما سمّاه "إعلان التحرير".

من جانبه، يؤكد الناشط الإعلامي عدنان الحسين أن التنظيم لا يزال يسيطر على حي طريق جرابلس، وحي السرب، ومركز المدينة، مشيراً إلى أن مساحة وجود التنظيم في المدينة تقلّصت إلى حد كبير، متوقعاً انهيار دفاعاته في أي لحظة، وانسحابه من المدينة. ومن المتوقع، أن ينسحب مقاتلو التنظيم باتجاه مدينة الباب الواقعة إلى الغرب من منبج بنحو 40 كيلومترا، وإلى مدينة جرابلس الواقعة إلى الشمال من منبج بنفس المسافة، ويعدّان من معاقل التنظيم شمالي سورية.

وبدأت قوات "سورية الديمقراطية"، والمعروفة اختصاراً بـ"قسد"، منذ نحو شهرين، حملة لاستعادة منبج (80 كيلومتراً شرقي حلب) من تنظيم "داعش"، مدعومة من طيران التحالف الدولي الذي ارتكب أكثر من مجزرة بحق مدنيين اعترف بإحداها بناء على إحداثيات قدّمتها "قوات سورية الديمقراطية". ويتوقع مراقبون أن تكون لسيطرة الأكراد على مدينة منبج الاستراتيجية ذات الغالبية العربية المطلقة، والتي تعد من أكبر المدن السورية، تداعيات كثيرة على المشهد السوري، إذ يعد حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) الخطى نحو تحقيق ما هو معلن، وسرّي من خطط باتت لا تخفى على متابعين للتأسيس لإقليم كردي شبيه بإقليم كردستان العراق، على الرغم من أن الأكراد لا يشكلون أغلبية في المناطق التي أعلن الحزب أنها ستكون ضمن الإقليم المقرر.

ويعتمد حزب الاتحاد الديمقراطي على دعم أميركي ـ روسي للمضي في مشروعه، وهو الذي سهّل لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تأسيس قاعدة عسكرية بالقرب من سد تشرين الاستراتيجي الذي استعاده من تنظيم داعش أواخر العام الماضي. ولا تنظر تركيا بعين الرضا على التطورات العسكرية المتلاحقة في الشمال السوري القريب من حدودها الجنوبية، خصوصاً لجهة توسيع حزب الاتحاد الديمقراطي لمناطق سيطرته ونفوذه، إذ يسعى جاهداً إلى ربط مناطق نفوذه في محافظتَي الحسكة والرقة بمناطقه شمالي حلب، وصولاً إلى منطقة عفرين، في خطوة يعتبرها مراقبون استعداداً لإعلان إقليم كردي مستقل.






ولطالما أكدت تركيا على لسان مسؤوليها الكبار أنها لن تنظر بإيجابية إلى أي قوات كردية معادية لأنقرة تتحرك غربي الفرات، خشية أن يؤدي ذلك إلى إنشاء كيان كردي على حدودها الجنوبية، ما قد يشجع أكراد تركيا على المضي في خطوات انفصالية مماثلة. وفي هذا الصدد، يؤكد الكاتب التركي أوكتاي يلماز في حديث مع "العربي الجديد" أنه جرت تفاهمات مسبقة بين أنقرة وواشنطن على عدم تمكين الأكراد من السيطرة على مدينة منبج، وأن تتولى إدارتها لجنة مشتركة من عرب وكرد.

ويشير يلماز إلى أن أنقرة ترحب بـ"تطهير منبج من تنظيم داعش، لكن لديها تحفظا على وجود قوات كردية داخلها"، مشيراً إلى أن بلاده تنظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي والتنظيم على أنهما "وجهان لعملة واحدة". ويضيف أنّ "قوات هذا الحزب قامت بعمليات تطهير عرقي بحق سكان شمالي سورية من عرب وتركمان"، لافتاً إلى أن أنقرة لن تسمح بتقدم الوحدات الكردية، وهي الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، إلى المنطقة الواقعة بين مدينتَي جرابلس وأعزاز، على أن تقوم فصائل المعارضة السورية بالسيطرة عليها، وفق يلماز.

وظهر حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على مسرح الأحداث في سورية مع مضي أشهر على الثورة عام 2011، إذ سهّل له النظام تشكيل ما يُسمّى بـ"الوحدات الكردية"، فاسحاً له المجال لفرض سيطرته على مناطق داخل محافظة الحسكة (أقصى شمال شرقي سورية)، والتي تقطن فيها النسبة الأكبر من أكراد سورية الذين يشكلون نحو 7 في المائة من سكان سورية، وفق إحصائيات غير رسمية، في حين أكد الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا أن نسبتهم لا تتعدى الـ5 في المائة.

وطرح الحزب نفسه شريكاً في محاربة تنظيم داعش، فحصل على دعم جوي ولوجستي من الولايات المتحدة، ولاحقاً من روسيا، خصوصاً إبان خلاف الأخيرة مع تركيا على خلفية إسقاط طائرة روسية في سورية من قبل الطيران التركي، أوائل العام الحالي. واستطاعت الوحدات الكردية تحت غطاء ما يسمى قوات "سورية الديمقراطية" التي تضم خليطاً من فصائل عربية وتركمانية وكردية، وبدعم جوي أميركي، التقدم على حساب التنظيم جنوبي محافظة الحسكة، إذ سيطرت على مدينة الشدادي التي كانت معقل التنظيم الأهم في المنطقة. كما فرضت سيطرتها على مدينة تل أبيض وريفها شمالي مدينة الرقة، ومناطق في ريف حلب.

واعتمدت الوحدات الكردية على غطاء جوي روسي في السيطرة على أبرز معاقل المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي، وهي مدينة تل رفعت وبعض محيطها، ومطار منغ العسكري، ما ولّد حالة احتقان عربي ـ كردي كانت له تداعيات دامية. وحاولت الوحدات الكردية أوائل العام الحالي مهاجمة مدينة أعزاز، معقل المعارضة الأهم على الحدود السورية ـ التركية، إلا أنها جوبهت بمقاومة شديدة، وقصف من المدفعية التركية، ما أدى إلى تراجعها لمواقعها في مدينة عفرين شمال غربي حلب.

ويتوقع مراقبون أن تكون مدينة الباب القريبة من منبج هدف "سورية الديمقراطية" المقبل، إلا إذا قرر التحالف الدولي تقديم معركة استعادة السيطرة على الرقة على ذلك، وهي المعركة الأبرز، في حال حدوثها، كون الرقة أهم معاقل التنظيم في سورية. لذا، يتوقع مراقبون أن تكون معركة "طويلة ودامية" ستغيّر مجرى الأحداث في سورية.

ومن المتوقع أن تكون الوحدات الكردية "رأس حربة" في الهجوم على الرقة، خصوصاً إثر تلميحات من مقربين منها إلى أن الرقة، وهي محافظة عربية خالصة، ستكون ضمن الإقليم الكردي الذي تحاول أطراف كردية تحقيقه في سورية، اعتماداً على دعم أميركي، يرى مراقبون أنه "آني"، سينتهي مع انتهاء الحرب على التنظيم.


المساهمون