إعادة التموضع التركي بسورية: معطى المصالحة الروسية والطلاق الغربي

إعادة التموضع التركي بسورية: معطى المصالحة الروسية والطلاق الغربي

06 اغسطس 2016
أردوغان يلتقي بوتين في سان بطرسبرغ الثلاثاء المقبل(ساشا موردوفيتس/Getty)
+ الخط -
ما إن تمكنت الحكومة التركية من السيطرة على المحاولة الانقلابية في منتصف يوليو/تموز الماضي، حتى جاءت كلمة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 22 يوليو/تموز، والتي أكد خلالها أن بلاده لن تتخلى عن مصالحها في كل من سورية والعراق وليبيا. وبعد اتخاذ هذا الموقف، بساعات، أتى إعلان المعارضة السورية عن معركة كبرى في مدينة حلب، والتي بدت وكأنها أولى الخطوات التركية لإعادة التموضع على المستوى الخارجي. وهذا التحول في الدبلوماسية التركية يحصل وسط توتر في العلاقات مع الغرب عموماً، وانفتاح في العلاقات مع موسكو، سيتم تتويجه في اللقاء الذي سيجمع كلاًّ من أردوغان والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الثلاثاء المقبل، في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية.

شكلت معركة حلب، عملياً، الرد التركي على الإدارة الأميركية، التي لم تتوقف الشبهات حول دورها في المحاولة الانقلابية الفاشلة. وشكلت كذلك رداً على المحور الإيراني الروسي، الذي استغل انشغال تركيا بلملمة الصف الداخلي، عقب المحاولة الانقلابية، لمحاصرة الأحياء الشرقية الخاضعة للمعارضة في المدينة، سعياً للسيطرة عليها، وفرض واقع جديد على المفاوضات السورية.

لم تتوقف الولايات المتحدة، خلال الأشهر الأخيرة، عن محاولة الضغط لتخفيف النفوذ التركي في سورية. وتجسد ذلك عبر الضغط على أنقرة للسماح لقوات حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني) للعبور غرب الفرات في معركة منبج ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويعني ذلك تشكيل ممر تابع لـ"الكردستاني" يحجّم، إنْ لم ينه، النفوذ التركي في سورية. ويتزامن هذا السيناريو مع محاولة الإدارة الأميركية التوافق مع بوتين لضرب جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) قبل التوصل إلى اتفاق سياسي، متجاوزة حلفاءها أي كلاًّ من الرياض وأنقرة، بكل ما يعنيه ذلك من إضعاف المعارضة المتداخلة بشكل كامل مع جبهة فتح الشام، لصالح النظام السوري والمليشيات الإيرانية.

لكن المحاولة الانقلابية الفاشلة، أنهت، بكل ما تحمله من شبهات ارتباط جهاز الاستخبارات الأميركي بها، الموقف التركي المهادن مع الإدارة الأميركية، لتبدأ معركة حلب، دون موافقة الأخيرة. لذلك، تشكل هذه المعركة رسالة لواشنطن قبل غيرها بأنه لا أحد يستطيع تجاوز تركيا في الأزمة السورية. أما على مستوى العلاقة بين أنقرة وموسكو، فكان لا بد أن يسبق اللقاء بين بوتين وأردوغان، تغيير في الموقف على الأرض، وإلا لأصبحت زيارة أردوغان لروسيا، بمثابة حلقة أخيرة في مسلسل الاعتذار التركي عن إسقاط الطائرة الروسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ولو لم يتم شن معركة حلب، لكان موقف الرئيس التركي أثناء فتح ملفات السياسة الخارجية وبالذات الشأن السوري مع بوتين، قد ازداد صعوبة. هكذا يذهب أردوغان إلى روسيا، مستفيداً من استمرار توازن القوى في المشهد السوري وعدم سقوط حلب بيد النظام، الأمر الذي تفضّله تركيا اليوم، لا سيما أن الزيارة تأتي في محاولة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين، مختلفة عمّا قبل حادثة إسقاط الطائرة الروسية، ولا تعتمد فقط مبدأ فصل الملفات والتركيز على العلاقات الاقتصادية. فهذه الزيارة تسعى إلى إيجاد تفاهمات روسية تركية، تتجاوز الموقف الغربي من موسكو، على عدة أصعدة، سواء في ما يتعلق بوضع الأقلية التتارية في شبه جزيرة القرم، أو التنسيق في الموقف من أوروبا التي باتت علاقتها متوترة للغاية مع أنقرة، وكذلك تساعد في حلحلة الملف السوري أو على الأقل تهدئته.


في هذا السياق، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، لوكالة "تاس" الروسية، أول من أمس الخميس، أن الإدارة التركية تعول على التعاون مع موسكو لإيجاد مخرج للأزمة السورية، قائلاً: "لطالما بحثنا عن طرق للتعاون مع روسيا، ونود أن نتعاون (معها) كي نتطلع إلى المستقبل بثقة ولإيجاد انتقال سياسي في سورية". واستبق وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، زيارة أردوغان لروسيا، بالتأكيد على أهمية إعادة تطبيع العلاقات على جميع المستويات السياسية والاقتصادية وأمن المنطقة.

وفي مقابلة مع إحدى القنوات الخاصة التركية، قال جاووش أوغلو إن "إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا، بالنسبة لنا، أمر في غاية الأهمية، وهي مهمة على المستوى الاقتصادي والسياسي وأمن المنطقة وكذلك على اقتصاد المنطقة عموماً"، مضيفاً أن "تواصلنا مع الروس سيركز في الفترة المقبلة بشكل أساسي على إزالة الفروقات بيننا (في الشأن السوري)"، وداعياً إلى البدء في جولة مفاوضات رابعة في جنيف.

من جانبه، أكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أول من أمس الخميس، أن بوتين سيبحث مع نظيره التركي سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، مشيراً إلى أن الزعيمين سيناقشان الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الاقتصادية والأحداث الإقليمية، وستحظى الأزمة السورية بالأولوية.

في غضون ذلك، تستمر المحاولات لتهدئة العلاقات التركية الأميركية بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، وموقف واشنطن الفاتر في إدانتها، وكذلك في ما يخص ترحيل زعيم حركة الخدمة، فتح الله غولن، الذي تتهمه الدولة التركية بإدارة المحاولة الانقلابية. وفي إطار مساعي التهدئة هذه، أتت زيارة رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي، الجنرال جوزيف دانفور، أخيراً إلى أنقرة ولقاؤه بكل من رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، ووزير الخارجية، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال خلوصي أكار. وفي نفس الخانة تندرج الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى أنقرة في 24 من أغسطس/آب الحالي.

ويتزامن كل ذلك مع استمرار التصعيد في العلاقات بين أنقرة وبروكسل. وأكد الرئيس التركي، في وقت سابق، أن بلاده ستلغي اتفاقية إعادة اللاجئين الموقعة مع الاتحاد الأوروبي، في حال لم يلتزم الأخير برفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك الراغبين في دخول فضاء "شينغن" بحلول أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وبعد الانتقادات المتكررة التي وجهها أردوغان للموقف الأوروبي من المحاولة الانقلابية، شن المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، هجوماً كبيراً على تركيا، داعياً لوقف مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي المتعثرة أصلاً. وقال كيرن: "علينا أن نواجه الواقع، إن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هي أكثر من خيال"، مضيفا: "نحن نعلم أن المعايير الديمقراطية في تركيا بعيدة للغاية من أن تسمح لها بالانضمام إلى الاتحاد".

ووصف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، تصريحات كيرن بالخطأ الفادح، قائلاً: "أياً كان الوضع الحالي في الوقت الراهن، أعتقد أن توجيه الاتحاد الأوروبي رسائل إلى تركيا حول عدم قبول ضمها إطلاقاً، سيكون خطأ كبيراً على صعيد السياسة الخارجية". وأعرب يونكر عن اعتقاده بأن "إيقاف مفاوضات ضم تركيا من طرف أحادي لن يكون قراراً صائباً، فأمور كهذه لا تتم بهذه الطريقة، إذ يشترط وقف محادثات العضوية على موافقة كافة الدول الأعضاء". وأضاف "إنني لا أرى إجماعاً في هذا الإطار، في الوقت الراهن".

من جانبه، شن وزير الخارجية التركية هجوماً كبيراً على المستشار النمساوي، واصفاً تصريحاته بالبشعة، وقائلاً: "على المستشار النمساوي أن ينظر إلى بلاده أولاً (قبل توجيه الانتقادات لنا)، إن النمسا هي عاصمة التمييز العنصري المتطرفة".


المساهمون