ليبيا: توحيد الجيش هاجس حكومة الوفاق

ليبيا: توحيد الجيش هاجس حكومة الوفاق

22 ابريل 2016
مهمة توحيد الجيش عسيرة وفي غاية التعقيد(عبدالله دوما/فرانس برس)
+ الخط -
اتجه اهتمام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج في اليومين الأخيرين إلى مسار التحركات العسكرية في البلاد، بالتوازي مع المسار التشريعي والجدل حول منح الحكومة ثقة برلمان طبرق. ولا تزال الصعوبات تواجه حصول الحكومة على الثقة البرلمانية، مع فشل النواب المؤيدين لحكومة الوفاق في عقد جلسة لبرلمان طبرق، أمس الخميس، على الرغم من حضور النواب. وقال نواب ليبيون في تصريحات صحافية إن جلسة البرلمان الاستثنائية بناءً على طلب النائبين الأول والثاني لرئيس المجلس عقيلة صالح، لمنح الثقة لحكومة الوفاق لم تلتئم، على الرغم من حضور عدد كبير من النواب تجاوز 120 نائباً. وأفادت المعلومات بأن معارضي الحكومة رفضوا فتح القاعة وعقد الجلسة إلى أن يتم الاتفاق على بنود الجلسة الأصلية.
أما عسكرياً، فقد شكّل طرد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من درنة فرصة جديدة للسراج لتنبيه الجميع بأن الخطر الأول والعدو الموحّد لكل الليبيين هو "داعش"، داعياً إلى سرعة منح الثقة لحكومته لتبدأ في عملها الفعلي. وطالب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، في بيان، "بضرورة توحيد كل الجهود تحت راية حكومة الوفاق الوطني، بهدف استئصال هذا التنظيم من كامل التراب الليبي"، متعهداً بتوفير الدعم الكامل لدرنة وسكانها. وفي الوقت نفسه رحب المجلس بالجهود المبذولة للقضاء على تنظيم "داعش" في مدينة بنغازي، متعهّداً بتقديم كل الدعم اللازم لمدينة بنغازي وكل المدن المتضررة، وبدعم المؤسسة العسكرية ومنتسبيها.
وبدا أن المجلس الرئاسي لحكومة السراج قد اختار مفردات بياناته بدقة كبيرة، إذ هنأ في البيان حول درنة "أهالي المدينة" محاولاً تفادي ذكر "مجلس شورى ثوار درنة"، وفي البيان الثاني "منتسبي الجيش"، من دون ذكر قائد الجيش الموالي لطبرق خليفة حفتر.
وكان "مجلس شورى ثوار درنة" أعلن، في بيان الأربعاء، "تحرير مدينة درنة وضواحيها بالكامل" من عناصر "داعش" الذين وصفهم بـ"الخوارج"، معتبراً أن انتصاره على "داعش" في درنة "ضرب مثلاً يُحتذى به في جميع أنحاء ليبيا، ودرساً قاسياً لمن تسوّل له نفسه البغي على درنة وأهلها". وأعلن المجلس أنه سيتم بعد ذلك الانتقال إلى مرحلة البناء والتنمية وإعمار المدينة.
وكان المجلس قد حذّر، في بيان قبل نحو عام، تنظيم "داعش"، وهدده بالملاحقة والقتال في مدينة درنة، مؤكداً أن "ما أخّر قتال أهل البدعة والضلالة من تنظيم الدولة، هو مقاتلة قوات عملية الكرامة التي تحاول دخول درنة من أكثر من محور". وقال البيان نفسه: "لو كان حفتر صادقاً في قتال الإرهاب لترك مجلس شورى مجاهدي درنة يقاتل تنظيم الدولة ويخلّص درنة وليبيا منه، لكن الهدف هو السلطة والتخريب فقط".


وعلى الرغم من أن الانتصارات في درنة وبنغازي وصبراته واجدابيا على تنظيم "داعش"، تصبّ كلها في مصلحة توحيد الأرض في ليبيا، إلا أنها تتم من قِبل جهات مختلفة سياسياً، وبقوات مشتتة تخضع كل منها لقيادة مختلفة. ولذلك سعى السراج لاستغلال الفرصة بسرعة كبيرة، موجّهاً الأنظار إلى ضرورة توحيد هذه الجهود "تحت راية حكومة الوفاق"، ومطالباً بـ"سرعة إتمام الاستحقاقات ومنح الثقة للحكومة"، لإنهاء معاناة الليبيين. ولكن السراج وجّه في الوقت نفسه رسالة قوية إلى الخارج، بأن "الأيادي الليبية" التي تحدث عنها في كل مواقفه الأخيرة، قادرة على القيام بمهمة طرد "داعش".
ولا يزال الخارج يؤكد دعمه لحكومة السراج، وهو ما جدّده أمس الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الذي أعلن في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في أنقرة، أن الحلف يدعم حكومة الوفاق الليبية. أما الوزير التركي فأعلن أنه يمكن لتركيا تقديم الدعم مع حلف الأطلسي، لإنشاء قوة لمكافحة "داعش" في ليبيا.
وفي سياق متصل، أعلن المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الأعلى للدولة، عبد الرحمن السويحلي، أنه اجتمع برئيس الأركان العامة للجيش الليبي المُكلف اللواء ركن محمد الأجطل ورؤساء الأركان النوعية في الجيش الليبي (سلاح الجو والدفاع الجوي والقوات البرية وحرس الحدود وسلاح البحرية) بالإضافة إلى رئيس هيئة العمليات برئاسة الأركان العامة، وتناول اللقاء سُبل دعم الاتفاق السياسي الليبي والتأكيد على التزام رؤساء أركان الجيش التعامل الرسمي الحصري مع المؤسسات الشرعية المنبثقة عن الاتفاق السياسي وعلى رأسها المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الذي يُعدّ القائد الأعلى للجيش الليبي وفقاً لنصوص الاتفاق السياسي.
ويذكّر هذا البيان أن حكومة الوفاق هي "القائد الأعلى للجيش"، في رسالة واضحة بعد الجدل الدائر في مجلس نواب طبرق حول المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، مع العلم أن السويحلي كان قد ندد منذ أشهر بلقاء السراج وحفتر، معتبراً الأخير بأنه "أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الليبية وأحد المتورطين في ارتكاب جرائم حرب، والذي لا يملك أية صفة رسمية ويُعدّ خارجاً عن الشرعية حسب نص المادة الثامنة من الأحكام الإضافية في الاتفاق السياسي الليبي".
ولكن الحقائق على الأرض تتبدّل، وكذلك المواقف السياسية، ولا تبدو حكومة الوفاق اليوم قادرة على فرض أفكارها، ولا حتى مضامين الاتفاق السياسي، الذي يطالب الشرق الليبي بتغيير بعضها. وتبدو مهمة توحيد الجيش عسيرة وفي غاية التعقيد، مع تشتته في كل أرجاء ليبيا، فيما أكثر قياداته في غرب البلاد خارج الخدمة منذ سنوات، وبالتالي فإن عملية توحيده تمر حتماً بإيجاد تفاهمات سياسية حتى لا تغرق البلاد في مواجهة جديدة بين الشرق والغرب.

المساهمون