الانتخابات البلدية في لبنان: توجّه نحو تأجيل ثالث

الانتخابات البلدية في لبنان: توجّه نحو تأجيل ثالث

08 ابريل 2024
آخر انتخابات بلدية في لبنان أُجريت في مايو 2016 (راتب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في السياق السياسي اللبناني، تبرز إمكانية تأجيل الانتخابات البلدية للمرة الثالثة، رغم استعداد وزارة الداخلية لإجرائها، وسط غياب الاستعدادات الميدانية والحزبية وتحديات لوجستية وسياسية، معقدة بالوضع الأمني والعدوان الإسرائيلي.
- النائب جهاد الصمد يناقش تأجيل الانتخابات بسبب الأوضاع الأمنية، بينما تؤكد وزارة الداخلية جهوزيتها للانتخابات، مع إمكانية تأجيلها في المناطق الأكثر تأثرًا.
- تتضارب الآراء حول إجراء الانتخابات بين الأطراف السياسية، مع تأكيد بعضها على صعوبة الإجراء بسبب الشغور الرئاسي والقصف الإسرائيلي، ودعوات أخرى لإجرائها في المناطق الآمنة وتأجيلها في المناطق الأقل أمانًا.

يجري في الأروقة السياسية اللبنانية الإعداد "البرلماني" لتمديد ثالث للمجالس البلدية والاختيارية رغم إعلان وزير الداخلية، بسام مولوي، الجهوزية لإجراء الانتخابات البلدية وبدء توجيهه الدعوات اللازمة للهيئات الانتخابية مع غياب التحضيرات الميدانية و"الماكينات الحزبية" عن المشهد رغم المسافة الزمنية القصيرة الفاصلة عن الاستحقاق.

وقال رئيس لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات، النائب جهاد الصمد، في تصريح صحافي إنّ "هناك مشاورات وتوجّهاً من قبل أكثر من جهة سياسية لتقديم اقتراح قانون، بعد الأعياد، لتأجيل الانتخابات البلدية بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان"، لافتاً إلى أنّ إجراء الاستحقاق مع استثناء محافظتي الجنوب والبقاع وبعض مناطق البقاع، التي تتعرّض لعدوان إسرائيلي، أو تمديد ولاية المجالس البلدية يحتاج إلى إقرار قانون في مجلس النواب.

ووقّع مولوي، يوم الجمعة الماضي، قرار دعوة الهيئات الانتخابية البلدية في دوائر محافظة جبل لبنان لانتخاب أعضاء المجالس البلدية وتحديد عدد الأعضاء لكلّ منها، وانتخاب المخاتير والمجالس الاختيارية وتحديد عدد المخاتير والأعضاء لكل منها في 12 مايو/أيار المقبل.

وتبقى خطوة مولوي "إدارية" ضمن الصلاحيات المنوطة به لدعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات، بينما يبقى سيناريو التمديد هو الأكثر ترجيحاً، ومن المرتقب أن يتولّاه البرلمان على غرار ما حصل في العام الماضي، ويأتي التمديد هذه المرّة تحت ذريعة الظروف الأمنية والحرب الدائرة في الجنوب اللبناني والقصف الإسرائيلي الذي يتّسع ليطاول بلدات في بعلبك والبقاع خارج الدائرة الحدودية.

وقال مصدرٌ في وزارة الداخلية لـ"العربي الجديد" إنّ "مولوي سيوجّه دعوات متتالية للهيئات في الدوائر الأخرى"، مؤكداً أن "الوزارة على جهوزية لإتمام الانتخابات وتشدد على ضرورة إنجاز الاستحقاق خصوصاً بعد تأجيلين سابقين".

ويشير المصدر إلى أنّ "الانتخابات يمكن أن تتم في بعض المناطق دون تلك الساخنة أمنياً، والتي يمكن استثناؤها وإجراء الاستحقاق فيها بوقتٍ لاحقٍ عندما يعود الاستقرار إليها، سواء في الجنوب أو حتى بعلبك الهرمل"، لافتاً إلى أنّ "وزارة الداخلية تقوم بدورها وبواجباتها وبالخطوات المطلوبة منها ضمن المهل القانونية وتبقى الكرة في ملعب البرلمان".

وبحسب أرقام وزارة الداخلية التي حصل عليها "العربي الجديد"، فإنّ عدد البلديات في لبنان يبلغ 1061، بعد استحداث عددٍ منها، (134 بينها منحلّة)، ومن ضمنها 152 بلدية في محافظة لبنان الجنوبي و119 في محافظة النبطية، أما في البقاع فهناك 87 بلدية و84 في بعلبك الهرمل.

وكان البرلمان تبنّى صيغة التمديد التقني الثاني، في إبريل/نيسان 2023، التي تفيد بانتهاء ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة كحدّ أقصى حتى تاريخ 31 مايو/أيار من عام 2024، تحت ذرائع العقبات اللوجستية والإدارية والمالية وإضراب موظفي القطاع العام.

ومُدِّدت الانتخابات أيضاً في مارس/آذار 2022 إلى 31 مايو 2023، بحجة تزامن الانتخابات حينها مع موعد الاستحقاق النيابي واستحالة إجرائها في الوقت نفسه لعوامل لوجستية ومالية، علماً أن آخر استحقاق بلدي واختياري في لبنان جرى في مايو 2016 لولاية تستمرّ ستّ سنوات.

وتنقسم الآراء السياسية في لبنان حول إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية أو عدمه لأسباب تختلف بين فريقٍ سياسيٍّ وآخر، إذ يتمسّك رأي نيابي ممثل لـ "التيار الوطني الحر"، برئاسة النائب جبران باسيل، برفض قيام الاستحقاق في ظل الشغور الرئاسي، فيما يصرّ نوابٌ معارضون لـ"حزب الله" ومستقلّون على ضرورة إجرائه في الموعد المحدّد لعدم ترك البلاد في حال شلل تام.

وفي وقت يؤكد حزب الله وحركة أمل (برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري) جهوزيتهما لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، فإنهما يغمزان إلى عدم إمكانية ذلك في ظلّ القصف الإسرائيلي اليومي للمناطق الجنوبية.

وقال مسؤولون عن الملف البلدي في حزب الله وحركة أمل خلال اجتماعهما الدوري، في مارس/آذار الماضي، "هل يعقل إجراء انتخابات وهناك مناطق تقصفها إسرائيل يومياً والطائرات الحربية والمسيّرة فوقها في كل لحظة؟ نحن أمام معركة وأمام عدو مجرم لا نعلم ما يُحضّره لبلدنا وشعبنا". وأكد المجتمعون جهوزية الثنائي لإجراء الانتخابات اليوم قبل الغد، وفي الوقت نفسه، دعوا القوى السياسية إلى مقاربة هذا الملف بمنطق المسؤولية والموضوعية والحسّ الوطني بعيداً من المزايدات السياسية الضيقة.

وقالت ديانا البابا، المديرة التنفيذية في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي"، لـ"العربي الجديد" إنهم يرفضون "رفضاً شديداً أي تأجيل للانتخابات البلدية، ونعتبر هذه الخطوة في حال حصولها، بمثابة سحب للوكالة الشعبية المعطاة للمواطنين بحقهم في التعبير عن خياراتهم داخل صناديق الاقتراع".

ولفتت البابا إلى أن "السلطة السياسية تلجأ في كل مرّة إلى ذرائع لتطيير الانتخابات، وتريد أن تتخذ من الحرب الدائرة في الجنوب اللبناني والقصف الإسرائيلي على بعض المناطق الأخرى، حجة للتأجيل الثالث، علماً أنّ هناك بدائل وخيارات عدة يمكن أن تلجأ إليها بدلاً من الذهاب باتجاه الخيار الأسهل، والأنسب لها، أي التمديد".

وأشارت إلى أنّ "من بين هذه الخيارات، إجراء الانتخابات في المناطق الآمنة وتأجيلها في تلك التي تُعدّ أقلّ أماناً، وذلك بعد إجراء مسح يُحدِّد الأماكن الخطرة، إذ يمكن إجراء الانتخابات البلدية في مراحل مختلفة، لأن البلديات ليست هيئة موحّدة كمجلس النواب".

وذكّرت البابا بأن "هناك سابقة في هذا المجال، حيث إنه في العام 1998 أرجئت الانتخابات البلدية في البلدات الجنوبية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي إلى ما بعد تحرير الجنوب في العام 2000"، وتلفت إلى أنّ "وجود سلطات محلية ضرورة في لبنان كله، وحتى في الجنوب، باعتبار أن النازحين من القرى والبلدات الحدودية الواقعة تحت القصف، وأعدادهم باتت تفوق الـ90 ألفاً، يحتاجون إلى مجالس بلدية فاعلة لإدارة أزماتهم".