جهود المصالحة الأفغانية تتلاشى

جهود المصالحة الأفغانية تتلاشى

02 ابريل 2016
يكثف الجيش الأفغاني استعداداته العسكرية (شاه ماري/فرانس برس)
+ الخط -
يبدو أن آمال الأفغان المتعلقة بجهود المصالحة الأخيرة، التي أشرفت عليها الولايات المتحدة والصين، وشاركت فيها أفغانستان وباكستان، أخذت تتلاشى شيئاً فشيئاً، بعد رفض حركة "طالبان" الحوار مع الحكومة الأفغانية، حتى "انتهاء الاحتلال الأميركي وانسحاب القوات الدولية بشكل كامل" من جهة، واتهام أفغانستان لباكستان بـ "عدم الإخلاص والجدية في عملية المصالحة الأفغانية، ودعمها المتواصل لطالبان"، من جهة أخرى.

وقد انعقدت اجتماعات رباعية عدة، بين كابول وإسلام آباد وبكين وواشنطن، بشأن المصالحة الأفغانية خلال الأشهر الأخيرة، في كل من كابول وإسلام آباد، وتمّ وضع آلية للحوار مع المسلّحين في هذه الاجتماعات. وهي عبارة عن الحوار مع الجماعات المسلّحة التي ترضى بالحوار، والعمل الميداني ضد الجماعات التي تلجأ إلى الخيار العسكري.

مع العلم أن الحكومة الأفغانية كانت تتوقع إجراء مفاوضات مباشرة مع "طالبان" مطلع شهر مارس/آذار الماضي، غير أن ذلك لم يحدث بفعل رفض "طالبان" الحوار مع الحكومة قبل تلبية جميع شروطها، ومنها إنهاء الاحتلال الأميركي وخروج القوات الدولية بكاملها. وبمقتضى هذه الآلية، تأمل كابول في العمل الميداني ضد "طالبان" وجميع الجماعات المسلحة، ولكن الأمر لم يحصل، لأن إسلام آباد غير القادرة على إحضار "طالبان" إلى الحوار، كما يدّعي البعض، لن ترغب في العمل ضد الجماعات التي لا تنشط ضدها، خشية من انقلاب "طالبان" عليها.

في هذه الأثناء، أُشيعت أخبار كثيرة بشأن علاقات "طالبان" بباكستان، لإثبات أن الحركة مستقلة في قرارتها، وأن ليس لإسلام آباد عليها سيطرة. ومن ضمن تلك الأخبار، نبأ خروج زعيم الحركة الملا أختر منصور من باكستان، وذهابه خفية إلى إيران أو إلى إقليم هلمند الأفغاني، لكونه يدير المعارك هناك ضد الحكومة.

غير أنه تبيّن فيما بعد أن كل ذلك كان "مجرّد أخبار"، بعد ادّعاء كابول أن زعيم الحركة ما زال في باكستان، كما أن قيادات بارزة في الحركة، عقدت اجتماعات مع المسؤولين الباكستانيين، رفضت خلالها الحوار مع الحكومة الأفغانية.



أما السؤال الذي يطرح نفسه، ويثيره كل من يراقب مجريات المصالحة الأفغانية، فهو: لماذا غيّرت "طالبان" موقفها وأصرّت على خروج القوات الأجنبية، وهي نفسها رضيت قبل أيام بوضع جدول زمني لخروج القوات الأجنبية بدلاً من انسحابها الفوري؟

يقول في هذا السياق، المحلل السياسي نظر محمد مطمئن، أحد المؤيدين لموقف الحركة ومن المقرّبين منها، إن "الاجتماعات الرباعية التي شاركت فيها كابول وإسلام أباد، وأشرفت عليها واشنطن وبكين، قد تكون أدّت إلى الطلب من باكستان إحضار بعض القياديين في الحركة إلى طاولة الحوار، وهي قبلت ذلك، وكانت تنوي إحضار قياديين في الحركة إلى المفاوضات مع الحكومة".

لكنه يضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إصرار كابول على حضور قيادات محدّدين في الحركة إلى الحوار، وموافقة بكين وواشنطن على ذلك قد وضعت الحكومة الباكستانية في حرج، إذ أنه كان من بين أولئك القادة الملا أختر منصور، زعيم الحركة مع نائبيه. والحركة لم تكن ترغب أن يحضر هؤلاء إلى الحوار مع الحكومة، وبالتالي لجأت إلى الرفض الكامل".

فضلاً عن ذلك، هناك من يعتقد أن سبب رفض "طالبان" هو الخلافات الداخلية بين قادة الحركة بشأن عملية السلام، لأن هناك قياديين في الحركة ما زالوا يرفضون الحوار، ويعارضون زعيم الحركة الملا أختر منصور، ومن أبرز هؤلاء رئيس المجلس العسكري السابق، الملا عبد القيوم ذاكر.

وبغضّ النظر عن ذلك كله، فإن جهود المصالحة الحالية، تبدو كأنها فشلت كسابقتها، ولا سيما أن موقف باكستان، التي رضيت بإحضار "طالبان" إلى الحوار، بدأ يتراجع شيئاً فشيئاً. ويقول في هذا الصدد، مستشار رئيس الوزراء الباكستاني للشؤون الخارجية سرتاج عزيز، في تصريحات أخيرة له، إن "إسلام أباد ما تزال تسعى لإحضار بعض قادة طالبان إلى الحوار". وذلك بعد أن اعترف الرجل بأن بلاده تؤوي قيادات "طالبان" مع أسرهم، وتتمتع بنفوذٍ بينهم، وتستطيع بالتالي إقناعهم بالحوار مع الحكومة.

في المقابل، وبعد التزام الصمت لفترة طويلة، خرج عدد من المسؤولين في الحكومة الأفغانية إلى العلن، ليتهموا باكستان بدعم "طالبان" وبـ "عدم الجدية في عملية المصالحة". في هذا السياق، كانت تصريحات رئيس الاستخبارات الأفغانية الجنرال مسعود أنداربي أكثر جرأة، حين أكد أثناء تقديم موجز إلى جلسة البرلمان، التي عُقدت خصيصاً لمناقشة الوضع الأمني في 28 من الشهر الماضي، أن الاستخبارات والجيش الباكستاني، يدعمان "طالبان" بشتى الوسائل، ويحثّانها على تكثيف المعارك للسيطرة على مناطق شاسعة في البلاد. كما ذكر في اليوم نفسه نائب وزير الخارجية الأفغاني حكمت خليل كرزاي، أن إسلام أباد لم تعمل بعهودها إزاء المصالحة الأفغانية، ولم تتعاون بهذا الشأن.

بدوره يؤكد نائب رئيس البرلمان الأفغاني ظاهر قدير، أن إسلام أباد تخدع كابول بوعود زائفة وأن القوات الباكستانية تنتهك الحدود الأفغانية بصورة متواصلة، في حين تدّعي إٍسلام أباد أنها تحضر "طالبان" إلى الحوار. ويدعو قدير الحكومة الأفغانية إلى عدم الالتفات إلى ذلك، ووضع خطط فاعلة لمواجهة المسلحين.

في هذه الأثناء، تستعد "طالبان" لتكثيف عملياتها ضد القوات الأفغانية والدولية خلال الربيع الحالي، كما ستسعى للسيطرة على مناطق شاسعة، كي تتمكن من إنشاء مواقع خاصة لها في جنوب البلاد، للاستفادة منها إذا ما تزايدت الضغوط عليها في باكستان. ولهذا الغرض دعت قيادات في "طالبان"، في بيانات لهم، القادة الميدانيين لتكثيف العمليات وتحريك أكبر قدر ممكن من الشباب ضد الحكومة. كما طلب الملا أختر منصور، زعيم الحركة من أنصاره الصعود إلى الجبال، إذا ضاقت عليهم الأرض، وعدم الالتفات إلى المصالحة.

في المقابل، شنت قوات الجيش الأفغاني عمليات مسلحة ضد الحركة في أكثر من عشرة أقاليم من البلاد، سمتها بـ"عمليات شفق"، وذلك كي لا تتمكن "طالبان" من لمّ شملها، والاستعداد لهجمات أكبر. ويشير موقف "طالبان" الأخير وتصريحات المسؤولين في أفغانستان وباكستان، إلى أن جهود عملية السلام الحالية قد فشلت، وأن أفغانستان على موعد مع حالة حرب دامية خلال الربيع الحالي.

المساهمون