محادثات جنيف: النظام السوري يتهرّب من المفاوضات المباشرة

محادثات جنيف: النظام السوري يتهرّب من المفاوضات المباشرة

17 مارس 2016
وصفت الأمم المتحدة لقاءات أمس بالإيجابية (فيليب ديسماز/فرانس برس)
+ الخط -
تعكس مجريات اليوم الثالث من محادثات جنيف السورية، أمس الأربعاء، مدى خشية النظام السوري من الدخول في أي مفاوضات مباشرة مع المعارضة السورية ورغبته بالتهرب منها، بعدما سارع رئيس وفد النظام بشار الجعفري، إلى شنّ هجوم على المعارضة وتأكيد رفضه للاقتراح الذي قدمته الأخيرة للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا للانتقال من المحادثات إلى مفاوضات مباشرة. 
وأكد الجعفري، بعد اجتماعه الثاني مع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أمس الأربعاء، أن النظام يرفض الانخراط في محادثات مباشرة مع ممثلين عن المعارضة "حالياً"، مهاجماً وفد المعارضة وتحديداً كبير المفاوضين محمد علوش، القيادي البارز في "جيش الاسلام". وقال الجعفري، بحسب تصريحاته، إن "كبير مفاوضي وفد السعودية إرهابي، ينتمي الى فصيل إرهابي"، قبل أن يضيف "لا يشرفنا على الإطلاق أن ننخرط في مفاوضات مباشرة مع هذا الإرهابي بالذات. لذلك، لن تكون هناك محادثات مباشرة ما لم يعتذر هذا الإرهابي عن تصريحه ويسحبه من التداول ويحلق ذقنه".
وكان علوش، قد اعتبر في حديث مقتضب مع مجموعة صغيرة من ممثلي وسائل الإعلام بينها "فرانس برس" يوم السبت الماضي، أن "المرحلة الانتقالية تبدأ برحيل بشار الأسد أو بموته". وفيما قال الجعفري إنه "ناقش قضية تسلل الإرهابيين إلى سورية عبر الحدود من تركيا وإسرائيل والأردن" مع دي ميستورا، كرر مطالبته بتوسيع تمثيل المعارضة في جنيف، معتبراً أنه "لا يستطيع فصيل من فصائل المعارضة أن يحتكر الصفة التمثيلية لجميع الفصائل".

اقرأ أيضاً الخارجية الأميركية: لن تعترف بأي حكم ذاتي في سورية

ولا يمكن فصل موقف وفد النظام من المفاوضات المباشرة عن التحولات التي ترافق جولة المحادثات الحالية، وخصوصاً بعد ما عكسه إعلان روسيا من سحب جزء من قواتها من سورية لجهة وجود تفاهمات تحديداً بين موسكو وواشنطن نحو الدفع بحل سياسي، إضافة إلى التحولات التي تشهدها سورية مع قرب إعلان مجموع الإدارات الذاتية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي عن حكومة اتحادية في إقليم كردي. ويشكل رفض الفيدرالية نقطة الإجماع الوحيدة بين وفدي النظام والمعارضة في جنيف.
في المقابل، يصرّ وفد المعارضة على أمرين، وهما الانخراط بشكل مباشر في مفاوضات مباشرة مع وفد النظام السوري لبحث عملية الانتقال السياسي، والآخر هو إكمال تحقيق الشروط الإنسانية التي نص عليها القرار 2254 في البندين 12 و13.
ووفقاً لما أكده مصدر مطلع لـ "العربي الجديد"، فإن ممثلي دول أصدقاء الشعب السوري تكفلوا بمتابعة الملف الإنساني وتطبيقه بشكل كامل، وطالبوا أعضاء الوفد بالتركيز على عملية الانتقال السياسي. وفي السياق، أكد رئيس وفد المعارضة، أسعد الزعبي، في حديث خص به "العربي الجديد"، أن مباحثاتهم يوم الثلاثاء مع المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، تركزت على الدخول بمفاوضات مباشرة مع وفد النظام والابتعاد عن المحادثات، مضيفاً "نريد الدخول بمفاوضات مباشرة للإسراع في تحقيق الانتقال السياسي وإنهاء معاناة شعبنا". وأشار الزعبي إلى أن "الهدف الرئيسي لنا هو تشكيل هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات ورحيل بشار الأسد، إضافة إلى متابعة الموضوع الإنساني". وتنطلق المعارضة من رؤيتها للمفاوضات المباشرة باعتبارها ملزمة، وآلياتها تختلف عن آلية المشاورات والحوارات التي تعد نتائجها غير ملزمة أو غير نهائية، وهذا ما يفيد سياسة النظام القائمة على المواربة وكسب الوقت.
في المقابل، فإن وفد النظام السوري حتى الآن لا يقبل تسمية ما يحدث في جنيف بمفاوضات وإنما يصفها بالمحادثات السورية - السورية، ويتمسك بتسمية "المعارضات السورية" وأن وفود المعارضة لم تصل كلها بعد إلى جنيف للدخول بمفاوضات مباشرة. وهو ما يفسر التصريحات التي أدلى بها الجعفري أمس. أما بالنسبة للمبعوث الأممي، فإن تسمية ما يحدث في جنيف بـ"مشاورات" تريحه، كونه يجري مشاورات مع أطراف تعتبرها المعارضة السورية تقف إلى جانب النظام السوري وطالبت روسيا بضمها إلى وفد المعارضة، على غرار الوفد برئاسة نائب رئيس الوزراء السوري سابقاً المقيم في موسكو، قدري جميل، الذي التقاه دي ميستورا أمس.
وهذا ما يتيح للمبعوث الدولي وضع العديد من التصورات بعد محادثات يجريها مع عدد من الأطراف السورية، لاستخراج تقرير نهائي يقدمه للأمم المتحدة ويوضح فيه نقاط الاتفاق بين الأطراف السورية ونقاط الخلاف وتفسيرهم للنقاط الغامضة في بيان جنيف والقرار 2254 المتعلقة بمصير الرئيس السوري بشار الأسد وشكل الانتقال السياسي في سورية. وفي السياق، أكد رمزي عز الدين رمزي، نائب دي ميستورا، للصحافيين أن المبعوث الأممي يلتقي اليوم الخميس وفد الهيئة العليا للمفاوضات للمرة الثانية، وسيلتقي الجمعة كلاً من الوفدين و"ربما وفوداً أخرى"، بحسب رمزي. كما أشار إلى أن الاجتماع مع وفد النظام كان "إيجابياً ويمهد لمناقشات جوهرية لاحقة"، مضيفاً "ناقشنا بعض الأفكار مع وفد النظام، وأبدينا رد فعلنا على النقاط التي قدمها في الاجتماع السابق، وطلبنا توضيحها". ولفت إلى أن "الأيام الثلاثة في المفاوضات السورية حققت تقدماً، وتسعى الأمم المتحدة لمواصلة ذلك في الأيام المقبلة مع كافة الأطراف".
في غضون ذلك، يدلل القرار الروسي بالانسحاب الجزئي، والذي سبقه تقاسم للمهام بين الطيران الروسي وطيران التحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة، على أن توافقاً دولياً قد تم على أساسه هذا الانسحاب، وتظهر أولى مؤشراته على أن التدخل الروسي في المرحلة المقبلة سيكون في معظمه ضد تنظيم الدولة وذلك حفاظاً على الهدنة التي هندسها الروس والأميركيون، بحيث تؤمن القوات الأميركية غطاء جوياً للقوات التي تدعمها في سورية باتجاه السيطرة على محافظة الرقة (معقل تنظيم داعش)، فيما يؤمن الروس غطاء جوياً للنظام باتجاه استعادة السيطرة على تدمر، مع احتمال إعطاء دور للمعارضة ودعمها لإنهاء جبهة النصرة التي تتداخل مناطق نفوذها مع مناطق نفوذ فصائل المعارضة. وقد بدأت بوادر صدام بين الجبهة وفصائل الجيش الحر في الأيام القليلة الماضية إثر استيلاء الجبهة على أسلحة الفرقة 13 واعتقال عدد من عناصرها، في الوقت الذي يتم فيه العمل على تشكيل جبهة موحدة من جميع فصائل المعارضة المسلحة الفاعلة على الأرض بما فيهم حركة أحرار الشام وجيش الإسلام، عدا جبهة النصرة.
وتحاول المعارضة السورية استغلال المعطى الجديد للقرار الروسي بسحب جزء من قواتها واعتباره تغييراً حقيقياً في موقف روسيا تجاه النظام السوري. وتعول على ذلك كثيراً في أن يفضي إلى التخلي عن الأسد والضغط عليه للانخراط بشكل حقيقي في المفاوضات لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية. لكن المرجح أن تبقي روسيا على ضغطها باتجاه "تطعيم" وفد المعارضة المفاوض بمعارضين على مقاس الحل الذي تعمل روسيا عليه في سورية، بما يضمن تشكيل حكومة ولاؤها لروسيا ويضمن مصالح موسكو على المدى البعيد.

اقرأ أيضاً نهاية الحرب السورية