ليبيا...تنسيق روسي مصري مع حفتر لتدخل مستقل عن الغرب

ليبيا...تنسيق روسي مصري مع حفتر لتدخل مستقل عن الغرب

10 فبراير 2016
تعزيزات أمنية تونسية على الحدود مع ليبيا(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
باتت الأوساط التونسية المختلفة تتعامل مع الضربات العسكرية الوشيكة على ليبيا كأمر واقع، وبدأت تتأهب لانعكاساتها بما تتوفر لديها من إمكانيات عسكرية ولوجستية ودبلوماسية، في محاولة للحد منها.

وبدا المسؤولون التونسيون في وضع "المغلوب على أمرهم" تجاه قرارات دولية تجاوزت منذ مدة اعتراضات تونس والجزائر المتكررة لأي تدخل عسكري في ليبيا، وفي حين بقيت الجزائر تكرر ذات الرفض، تجاوزت تونس هذا الموقف إلى التسليم بالأمر الواقع، لإدراكها بأنه حاصل لا محالة، وبدأت تستعد لانعكاساته في حالة خوف شديد من تداعياته على أمنها واقتصادها ووضعها الاجتماعي المتفجّر أصلاً.

وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، قد قال لليبيين بشكل مباشر منذ أشهر "إما التوافق وإما التدخّل العسكري"، ما يعني أن السلطات التونسية كانت على علم بما تُخطط له الدول الكبرى في ليبيا، وأنها كانت في سباق مع الزمن لمحاولة إفشاله، غير أن فشل الليبيين في التوصل إلى اتفاق سياسي شامل أوصل الجميع إلى المحظور.

فيما جاء موقف السبسي الأخير منذ أيام، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة التونسية، لينقل جزءاً من هذه المخاوف إلى أصحاب القرار الدولي، داعياً إياهم إلى مراعاة مصالح دول الجوار التي ستدفع الثمن الأكبر جراء هذه الضربات المرتقبة، وعدم الاكتفاء بالتفكير الأناني في مصالحهم الخاصة تجاه "الكعكة" الليبية التي فتحت شهية الجميع.

وعلمت "العربي الجديد"، أن عدداً من المسؤولين الدوليين، وعلى رأسهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، سارعوا إلى محاولة طمأنة الطرف التونسي تجاه هذه المخاوف، واعدين إياه بأن سيناريو 2011 لن يتكرر، ولن تُترك تونس وحيدة هذه المرة في مواجهة جحافل المهاجرين، أو تسلل العناصر الإرهابية. ولكن هل تكفي هذه التطمينات للحد من المخاوف التونسية الكثيرة تجاه ضرب ليبيا؟ وهل تقنع المسؤولين التونسيين بجدواها، خصوصاً أن تونس لا تؤمن بأن هذه الضربات يمكن ان تحسّن الوضع الليبي؟

ولم يخفِ رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد، خلال زيارته إلى ألمانيا، أن "الوضع الحالي في ليبيا هو نتيجة للتدخّل العسكري في العام 2011 الذي لم يسبقه تحضير جيد". وتنضم إلى رأي الصيد دراسات وأبحاث دولية كثيرة تشكك في جدوى الضربات العسكرية في ليبيا، إذ اعتبر مركز "ستراتفور للاستخبارات" الأميركي منذ أيام أن تدخلاً عسكرياً جديداً في ليبيا سيزيد في تأزيم الوضع ولن يفضي إلى إقامة سلطة مركزية قوية في هذا البلد. وشدد المركز في تحليل له على "أن التحدي الأكبر في ليبيا بعد عملية عسكرية، إرساء نظام سياسي دائم وذي صدقية".

اقرأ أيضاً: تحضيرات تونسية لمواجهة ارتدادات التدخّل المحتمل في ليبيا

غير أن إرساء هكذا نظام يبقى أمراً صعباً جداً بالنظر إلى الوضع الليبي، فهذا البلد يبقى من أكثر الأنظمة تعقيداً، خصوصاً بعد أن تضاربت مصالح جميع مكوّناته، وأفضت إلى خلافات أيديولوجية وسياسية وقبليَّة ومناطقية، غذّتها المصالح الدولية، وتدخّلت فيه مضاربات العصابات الدولية المتخصصة في تهريب كل شيء، من المخدرات إلى الأسلحة إلى البشر إلى السيارات والمواد الغذائية والآثار، علاوة على البترول وغيره من الثروات الكبيرة التي ينعم بها هذا البلد. وأمام هذه العلاقات المركبة والمتشابكة، يدرك المسؤولون التونسيون أن ضربات عسكرية لن تحل المشكلة بل ستزيدها تعقيداً، فيما يزداد أصحاب الشهية العسكرية المفتوحة يوماً بعد يوم.
وفيما تركّز كل وسائل الإعلام على اللاعب الأميركي والفرنسي والبريطاني والإيطالي، فإنها تتناسى لاعباً مهماً في المنطقة وهو اللاعب الروسي، الذي يبدو أنه يريد أن يكون حاضراً في الملعب الليبي المفتوح. وتؤكد معلومات أن الروس بصدد التنسيق مع المصريين ومع قائد "عملية الكرامة" خليفة حفتر ودول عربية أخرى، بهدف صياغة مشروع خاص بعيد عن المشروع الأوروبي الأميركي غير المتناسق أصلاً.

ويدرك التونسيون أنهم سيُضطرون إلى ترك الحدود مفتوحة أمام الليبيين، وهو ما أكده السبسي. وعلى الرغم من أن وضع الدولة التونسية اليوم هو أمتن على مستوى مراقبة الحدود مما كان عليه الوضع في العام 2011، لكن الوضع الاقتصادي أصعب بكثير، إذ تعاني تونس من غياب نمو واضح، وتتخوّف من تراجع نوايا تقدّمه إلى حدود 2,5 في المائة هذا العام كما تتوقع، وتخشى من توقف واختباء رأس المال وجنوحه إلى عدم الاستثمار في البلاد نتيجة مزيد من عدم الاستقرار.

كما يتخوّف مراقبون اقتصاديون من تذبذب النظام المالي التونسي وتحوّله إلى نظام حرب جراء دخول أعداد كبيرة من الليبيين إلى السلسلة الاقتصادية التونسية، وتفاقم نفقات الدعم الموجودة على مواد أساسية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وأسعار العقارات وغيرها، في ظل وضع اقتصادي واجتماعي تونسي هشّ للغاية.

غير أن مخاوف التونسيين الكبرى أمنية بالأساس، إذ يخشى مراقبون من تسلل عناصر إرهابية بين النازحين، وربما تفكير بعض خلاياهم النائمة في تونس للقيام بأعمال انتقامية، وتوسيع دائرة الحرب إلى تونس، سواء في الحدود الجنوبية أو داخل المدن. كما يتخوّف التونسيون من امتداد الخلافات بين الأفرقاء في ليبيا، إلى الليبيين الموجودين في تونس.

ويشير مراقبون إلى ان هروب بعض المجموعات المسلحة الليبية إلى تونس من الضربات العسكرية، قد يدفع بالمتدخّلين الدوليين في ليبيا إلى ملاحقتهم داخل الأراضي التونسي، وهو سيناريو مرعب بالنسبة إلى تونس. ويتساءل كثيرون عن الثمن الذي قد تكون تونس مجبرة على دفعه بسبب وضعها كحليف استراتيجي من خارج حلف شمال الأطلسي، وهل ستكتفي بوضع المتفرج، أم أنها مدفوعة بحكم التزاماتها مع حلفائها إلى تقديم معونة بأي شكل، ولو استشفائية، إلى الجرحى الممكنين، خصوصاً أن هناك حديثاً عن تدخّل بري ممكن بحكم وجود بعض الجنود الأجانب في ليبيا، ومستشفيات أجنبية تم إرساؤها منذ فترة في الجنوب التونسي.

وينفي مسؤولون تونسيون، تحدثت إليهم "العربي الجديد"، حاجة القوات الدولية إلى قواعد في تونس لضرب ليبيا، لأن الجنوب الإيطالي، حيث القواعد الأميركية، قريب جداً من ليبيا، وحاملات الطائرات في المتوسط قبالة السواحل الليبية، لن تكون بحاجة إلى قواعد في تونس، علاوة على الرفض تونس التاريخي لوجود جنود أجانب على أراضيها، باستثناء عمليات التدريب، أو العلاقات الثنائية التقليدية التي تتدخل في مهمات محدودة.

وجاءت إشارة وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني السبت الماضي، إلى إمكانية وصول خبراء أميركيين وألمان لوضع مراقبة إلكترونية على الساتر الترابي بين تونس وليبيا بعد فترة، لتمنع كل تأويل ممكن بشأن قواعد أو غيرها. وإذ يردد المسؤولون التونسيون باستمرار أن تونس لن تقوم بأي دور عسكري في ليبيا، فإنهم اليوم أمام تحدي الإجابة عن الاسئلة التي يطرحها الرأي العام التونسي بشدة هذه الأيام.

اقرأ أيضاً: عقبات التدخل بليبيا: تضارب مصالح وتوجّس من "خطوة ناقصة"

المساهمون