فضائح إقفال قضية "سقوط الموصل": تهريب المتّهَمين وقتل الشاهد

فضائح إقفال قضية "سقوط الموصل": تهريب المتّهَمين وقتل الشاهد

18 فبراير 2016
أدى انهيار الموصل إلى سقوط بقية المدن(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
رغم مرور سبعة أشهر على إعلان السلطات العراقية نتائج التحقيق حول المتورطين بسقوط مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وإحالة أسماء المتورطين للقضاء، غير أنّ أياً من المتورطين لم يتم استدعاؤه للقضاء حتى الآن سواء بمذكرات اعتقال أو استجواب، وسط صمت الإعلام العراقي القابع تحت سطوة المليشيات.

"العربي الجديد" حصلت على تسريبات خطيرة تؤكد الالتفاف حول ملف التحقيق وتجميده، إضافة إلى اختفاء شاهد بالقضية وُجد مقتولاً، وهو ضابط البدالة (الاتصالات) برتبة نقيب من أهالي بغداد، وكان قدم إفادته بشأن تواصل الساعات الأخيرة بين قيادات عسكرية ومكتب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فضلاً عن فرار تسعة متهمين الى إيران ولبنان بمساعدة مسؤولين عراقيين.

وخلال اليومين الماضيين، تحرك فريق مكتب "العربي الجديد" بالعاصمة العراقية بغداد، لتقصي مصير ملف سقوط المدينة، وما آل إليه من خلال طرق أبواب مجلس القضاء الأعلى والبرلمان والحكومة، إلا أن أحداً لم يوافق على الحديث بالموضوع، باستثناء مجلس القضاء الأعلى. وطالب الأخير، عبر مسؤول مكلف بحماية المبنى، ترك الأسئلة مكتوبة حتى يتم الإجابة عليها بشرط تدوين المراسل لاسمه الكامل وعنوان سكنه ورقم هاتفه. وهو تصرف خارج إطار العمل الصحافي ومتطلباته بالعراق، وينطوي على مخاطر تهدد حياة المراسل.

إلا أن مسؤولاً عراقياً رفيعاً في حكومة حيدر العبادي وافق على الحديث لـ"العربي الجديد" بشرط عدم الكشف عن اسمه، مشدّداً على أن معلوماته هي بناءً على تسريبات حصل عليها في جلسات خاصة مع مسؤولين وأعضاء بكتل سياسية.

تجميد الملف بتواطؤ مدحت المحمود

يكشف المسؤول العراقي، وهو وزير حالي، يرجح أن يطاوله التغيير المرتقب في الحكومة، أن "ملف التحقيق بسقوط الموصل تجمّد وصار في طي النسيان بتواطؤ من رئيس مجلس القضاء الأعلى بالعراق مدحت المحمود، المعروف بعلاقته مع المالكي وقادة المليشيات التابعة لإيران في العراق".

وبين أنّ الحرب على "داعش"، وتداعيات الأزمة السياسية الحالية، وما يرافقها من أزمة مالية وانشغال الشارع بها، ساعد على حصول هذا التواطؤ، من دون التساؤل عن القضية التي وصفت بجريمة القرن.

وتابع الوزير العراقي حديثه من مكتبه بالمنطقة الخضراء لـ"العربي الجديد" أن البرلمان العراقي صوّت على إحالة التقرير النهائي للجنة التحقيق الى القضاء العراقي، مرفقاً بتوقيع 24 عضواً من أعضاء اللجنة، وذلك في السابع عشر من أغسطس/آب العام الماضي، أي بعد يومين من تقديم اللجنة التقرير لرئيس البرلمان سليم الجبوري في محضر رسمي ومعلن". وأضاف أن "مجلس القضاء تلقى التقرير بشكل علني، ومن ذلك الحين لم يستدع القضاء أيا من المتهمين، كما لم ينفّذ طلب رئيس الحكومة حيدر العبادي بإصدار قرار يمنع سفر المتهمين". ولفت إلى أن القضاء "لم يستدع كذلك شهود العيان لتوثيق أقوالهم، ولم يطلب من اللجنة الحضور لفحص الأدلة كالأشرطة الصوتية والأفلام التسجيلية، التي أعدتها اللجنة فضلاً عن محاضر التقرير المكتوبة ورقياً".

اقرأ أيضاً: قضاة العراق يخشون فتح ملف المالكي

فرار متهمين ومقتل الشاهد

وبحسب الوزير، فإن تسعة من المتهمين، من أصل 35 ذكرهم التقرير، غادروا العراق، ويتواجدون حالياً في إيران ولبنان، من دون أن يتم تنفيذ منعهم من السفر. كما أن أحد الضباط، وهو نقيب، اعتُبر شاهداً أصيلاً بالقضية، وُجد مقتولاً في منزل يقع في شرق بغداد، وتم استدعاؤه أكثر من مرة، لأنه كان يشغل منصب ضابط البدالة (الاتصالات) في معسكر الغزلاني، وعلى علم بالاتصالات التي جرت حينها بين مكتبي نوري المالكي ووكيل وزير الداخلية حينها عدنان الأسدي، والقيادات العراقية بالجيش والشرطة، وذلك في الليلة التي سبقت سقوط الموصل، والحديث للوزير العراقي.

وقال المصدر نفسه إن نوع إدانة نوري المالكي، صُنّف ضمن المادة 162 من الدستور العراقي النافذ بتهمة المساس بأمن الدولة والخيانة العظمى، والتي يمكن أن يعاقب عليه، في حال إدانته، بالإعدام أو السجن المؤبد.

وحول عدم اختصاص مجلس القضاء لمحاكمة جميع المتهمين كون غالبيتهم عسكريين، أوضح الوزير أن هذا من اختصاص القضاء العسكري في وزارة الدفاع لكنه لم يتسلم الطلب من مجلس القضاء.

وكان تنظيم "داعش" قد سيطر في يونيو/ حزيران من العام 2014 على مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، بعد انسحاب قوات الجيش العراقي دون معارك تذكر، لتتهاوى معها بقية مدن شمال العراق خلال أربع وعشرين ساعة، مثل تكريت والشرقاط وبيجي والحويجة، ثم امتد السقوط الى مدن غرب البلاد وأعالي الفرات، على مساحة تقارب ثلث مساحة العراق. ودخلت البلاد بعدها في فوضى جديدة، دفع ثمنها العراقيون، وتسببت بخسائر بشرية كبيرة خلفت عشرات الآلاف من القتلى والجرحى ونحو أربعة ملايين نازح، فضلاً عن آلاف المفقودين، وخسائر مادية في البنى التحتية تقدّر بعشرات المليارات.

المالكي ورجاله

حمّل التقرير النهائي لجنة التحقيق مسؤولية سقوط الموصل لنوري المالكي و34 شخصية أخرى أبرزهم مدير مكتبه الفريق طارق الأعرجي ووزير دفاعه سعدون الدليمي، ورئيس أركان الجيش بابكر زيباري، وقائد العمليات المشتركة الفريق عبود قنبر، وقائد القوات البرية علي غيدان، ومدير الاستخبارات العسكرية الفريق حاتم المكصوصي، ووكيل وزارة الداخلية  حينها عدنان الأسدي.

وقال رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري عقب صدور التقرير إنه سيقدم إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بشأنه. فيما أمر رئيس الوزراء بعد ساعات من صدوره بإحالة القادة العسكريين والأمنيين الواردة أسماؤهم بالتحقيق إلى المحاكم المختصة، لكن لم تحصل أي خطوة بهذا الإطار حتى الآن.

ومنذ نحو شهرين، منعت قوات الأمن العراقية ذوي ضحايا مجازر سبايكر والصقلاوية والبو نمر، التي ارتكبها تنظيم "داعش" عقب أحداث سقوط الموصل وتسببت بمقتل أكثر من ثلاثة آلاف عراقي، من تنظيم وقفة احتجاجية أسبوعية للمطالبة بمحاكمة المسؤولين بحجة عدم امتلاكهم ترخيصا.

من جهته، وصف نوري المالكي اتهامه بسقوط الموصل بأنه لا قيمة له. واعتبر أن "اللجنة التحقيقية خرجت عن موضوعيتها"، وأن "ما حصل في الموصل كان مؤامرة تم التخطيط لها في أنقرة ثم انتقلت المؤامرة إلى أربيل".

اللجنة تعرضت لضغوط إقليمية

وفي تعليق على تسريبات "العربي الجديد"، قال نائب رئيس لجنة التحقيق بسقوط الموصل وعضو لجنة الأمن والدفاع العراقية شاخوان عبد الله في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن "القضاء العراقي غير قادر على إدانة المتهمين في الوقت الحالي". وأضاف "عملنا طيلة أشهر طويلة في اللجنة التحقيقية على جمع الأدلة والاستماع للشهود واستجواب غالبية المتهمين بطرق علمية ومهنية كبيرة، شارك فيها جميع أعضائها، كوننا نعتبر الملف قضية أخلاقية قبل كل شيء، وخرجنا بتقرير نهائي يحتوي على أسماء المتورطين. ونحن أول لجنة عراقية تشكل وتنتهي بنتائج تحقيقية صحيحة".

وكشف عبد الله عن تعرض أعضاء اللجنة لـ"ضغوط كبيرة إقليمية وداخلية لحرف مسار التحقيق أو رفع أسماء بعض الشخصيات داخل ملف القضية، الا أنهم نجحوا في تجاوزها".

وتابع: "بصراحة سمعت قبل مدة أن رئيس البرلمان قام بسحب الملف واتصلت برئيس لجنة الأمن والدفاع حاكم الزاملي، وأخبرني أن ذلك غير صحيح، والملف موجود لدى القضاء، وأنا والجميع من حقنا أن نسأل ماذا يحدث؟".

وأعرب عن اعتقاده أن "القضاء العراقي ليس بمقدوره حالياً محاكمة الفاسدين والمتورطين بالجريمة لسبب بسيط، أن غالبية القضاة تم تعيينهم من قبل نوري المالكي، وهو المتهم الأول بالقضية، ولا أدري إن كان هناك قضاء حقيقي يمكن له إحقاق العدل وإنصاف الضحايا". وخلص إلى القول: "عتبي على رئاسة البرلمان، لماذا لا يتابعون الملف لدى القضاء؟ بإمكان البرلمان مخاطبة مجلس القضاء حول الملف وتحريكه والسؤال عن سبب تجميده، وعندما تكون صامتاً، فأنت شريك بالجريمة، وقانون العقوبات يدين الساكتين والمتسترين على الجريمة أو حتى المتفرجين عليها. وعلى الجميع أن يعلم أن هذا الملف يجب أن يكون مُحاطا بالغيرة والحرص على إنصاف الضحايا".

مخالفة قانونية

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي أمير علاوي لـ"العربي الجديد" إن "القانون العراقي لا يجيز تأخير النظر بالدعاوى والقضايا ذات الأبعاد الإرهابية أو الجنائية لأكثر من عشرين يوماً، كما لا يجوز وقف المرافعات بالقضايا لأكثر من ثلاثة أشهر، وما حصل بحد ذاته مخالفة قانونية ارتكبها مجلس القضاء الأعلى".

وأضاف علاوي أن "الملف يحمل 26 دليلا يدين المالكي ويثبت تورطه بسقوط الموصل بشكل مباشر وغير مباشر". ولفت إلى أن "فتح القضية والتحقيق بها قد يفتح أسرارا وحقائق كثيرة تحوم حول التنظيم الإرهابي ومدى استفادة نظام المالكي حينها ونظام بشار الأسد وإيران منه".

التهمة خيانة.. والعقوبة إعدام

وفي السياق، قال رئيس هيئة النزاهة العراقية السابق القاضي رحيم العكيلي لـ"العربي الجديد" إن التكييف القانوني لجريمة تسليم نينوى الى "داعش" دون قتال هو نص المادة (162) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل، والتي تعاقب بالإعدام كل من سهل للعدو دخول البلاد أو سلمه جزءاً من أراضيها أو سلاحاً أو ذخيرة أو عتاداً أو وسيلة للمواصلات. غير أنّ سلطات إنفاذ القانون العراقية عجزت عن التعامل مع المتورطين بهذه الجريمة، التي تدخل في مفهوم جرائم الخيانة العظمى، بسبب ضعف تلك المؤسسات وتجنبها الدخول في معركة خاسرة مع النفوذ السياسي واختيارها السلامة، على حساب ما جرى للوطن والشعب من ويلات وكوارث، بحسب العكيلي.

وأوضح القاضي العراقي أن "السبب الأساسي خلف تسويف، وإهمال وتجنب مساءلة الأشخاص والجهات التي تقف خلف تسليم الموصل إلى "داعش" هو ضعف سيادة القانون في العراق، وخضوع جهات إنفاذ القوانين إلى النفوذ السياسي للأحزاب والكتل السياسية الحاكمة، التي يتورط قياداتها والتابعون لها في جريمة الخيانة العظمى".

اقرأ أيضاً: الضباط الجهاديون.. لماذا انضم قادة الجيش العراقي إلى داعش(2-2)