محمد بالخير: أهداف استعمارية لا "داعش" وراء التدخل العسكري

محمد بالخير: أهداف استعمارية لا "داعش" وراء التدخل العسكري

17 فبراير 2016
بالخير: التدخل العسكري يحقق أهداف استعمارية (العربي الجديد)
+ الخط -
يرى وزير العمل في حكومة الإنقاذ الليبية، محمد بالخير، أنّ الضربات العسكرية جزء من مشروع استراتيجي، ضمن ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد؛ هي مؤامرة تستهدف الربيع العربي، خصوصاً ليبيا، حيث أخذت ثورة فبراير/شباط منحى مختلفاً عن الثورة التونسية.

فتونس وقع فيها التغيير، وكان ذا طابع سلمي، لكن الأمر في ليبيا اختلف، إذ انطلقت حركة جماهيرية طموحة منادية بالتغيير والسلمية جراء الواقع الاستبدادي. استلهمت شعاراتها من التجربتين التونسية والمصرية، ظناً منها أن الفرصة التاريخية كانت سانحة، ولكن للأسف تحول الأمر بعد ذلك إلى فوضى، وإلى نوع من الحرب الأهلية.

تحول الأمر إلى مشروع اقتتال بين مجموعتين؛ مجموعة تمثل الخارطة السياسية في ذلك الوقت، أو ما يعرف بالقوى المستفيدة أي القوى القبلية المنتفعة، ومجموعة مطالبة بتغيير الواقع الليبي.

ما يحصل اليوم في ليبيا وانعكاساته على الواقع الليبي، وعلى دول الجوار، هو جزء من مخطط، سُمح له بالمرور نتيجة هشاشة الوضع في ليبيا.

لقد تحولت الثورة الليبية من فكرة إسقاط النظام، إلى إسقاط رأس النظام والدولة، وما نراه اليوم هو إسقاط للدولة. تلك هي بعض آراء بالخير التي أفصح عنها في حواره مع "العربي الجديد".

اقرأ أيضاًالصراع على ليبيا في ذكرى ثورتها: سباق منجم الثروات

ما هو السيناريو المحتمل في ليبيا؟ 

مع اقتراب التدخل الأجنبي، أصبح الوضع قاب قوسين لتحقيق أهداف استعمارية. ليبيا اليوم هي جزء من الأمن القومي الأميركي الاستراتيجي؛ فالولايات المتحدة كان لها دور كبير في مرحلة الاستقلال ما بين عامي 1950 و1951، وكان هناك تنافس أميركي بريطاني في ذلك الوقت، أو ما يعبر عنه بالاتفاقية الليبية الأميركية، والتي نسخت الاتفاقية الليبية البريطانية. ويرى الأميركيون أن جنوب المتوسط هو مركز استراتيجي للتحكم  في أوروبا لفترة طويلة، وإبقاء الهيمنة الأميركية على القارة الأفريقية، وجنوب أوروبا. من جهة ثانية، فإن البحر المتوسط هو معبر للتجارة الدولية، وبالتالي هو جزء من الأمن الغذائي القومي الأميركي.

المسألة الثانية تتعلق بالديمقراطية، والتي يعتبرها الغرب، مادة احتكارية، وبحجة تصديرها إلى العالم الثالث، أو الشرق الأوسط، يصبح لديه مشروعا استراتيجيا فيه أو ما يعرف بالشرق الأوسط الجديد،  يعتمد على إثارة الإثنيات والأقليات. المسألة الكردية في العراق وتركيا مثالاً على ذلك، وكذلك الأمازيغية في  الجزائر وليبيا وتونس. كل هذه المجموعات كان لديها مطالب، وبالتالي فإن الحراك في هذه المنطقة كبير جداً.

ولا يرتبط التدخل العسكري في ليبيا بوجود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والذي لا يتعدى عناصره الأربعة أو خمسة آلاف شخص. الليبيون قادرون لوحدهم على مقاومتهم. وقد صنعته (التنظيم) استخبارات أجنبية  لكي يكون ذريعة، تمكنهم من السيطرة على الأرض، ومن انشاء كيانات شبيهة بالتجربة العراقية. والمثال العراقي لا يزال شاهداً على التدخل الأجنبي، ولم ير العراقيون من الديمقراطية شيئاً.

لكن ماذا عن القوى الأخرى كإيطاليا، وفرنسا وألمانيا، والمشروع البريطاني ؟

هذه قوى استعمارية قديمة، كانت موجودة في الشرق الأوسط، وفي شمال أفريقيا. جميعها لديها مصالح. فإيطاليا ترى أنها الأحق بليبيا، وأنها الشريك الأول لذلك هي في مقدمة الصف، وبعد ذلك تأتي بريطانيا وفرنسا. يبدو هذا المشهد وكأنه سيناريو يعيده التاريخ؛ فقد عرفت ليبيا الوجود الإيطالي والبريطاني والفرنسي، والأميركي في الوقت نفسه.

ولكن هناك مشاريع مختلفة في ليبيا؟

اليوم نرى الولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا في صف واحد ولديهما تقريباً مشروع متجانس. أما مشروع فرنسا فهو مستقل بحدّ ذاته. وكذلك مشروع بريطانيا. وبالنسبة لألمانيا، فرغم غيابها عن هذه الشراكة لاعتبارات تتعلق بدستورها، الذي لا يسمح لها بالدخول في حرب، لكن لديها مصالح في الغاز والنفط، خصوصاً اذا علمنا أنها من أهم الموردين للنفط، وهي سيدة أوروبا ولا يمكنها أن تبقى في موقع المتفرج على ما يحصل.

متى تتوقعون الضربات العسكرية الجوية في ليبيا، وهل ستكون مشتركة؟

حين تدخل حلف شمال الأطلسي في الثورة الليبية وقضى على نظام القذافي، لم يكمل المهمة بشكل متعمد. ولو تتبعنا ما حدث آنذاك لفهمنا السيناريو الذي يحدث الآن. إذ سيتم استكمال المهمة التي بدأت ولم تنته. فقد تم ترك الحدود مفتوحة، ما سهل انتقال الإرهابيين على مرآى قوات عسكرية متعددة. هناك قوات فرنسية في جنوب ليبيا في قاعدة الواد، وفي النيجر، ولكنها لم تتحرك. وبالتالي، اعتقد أنه سيناريو مرسوم منذ البداية للتواجد على الأرض الليبية. تدخل القوى الأجنبية في ليبيا واقع وجزء من مخطط استراتيجي، وليس عملية عبثية. وما نخشاه هو التداعيات التي تطاول المنطقة، وفي المقدّمة الجزائر التي ستصبح خزاناً للعنف. وإذا تم احتلال ليبيا على غرار ما حدث في العراق، ستصبح الجزائر ملاذاً للمقاتلين، وستعود ذكريات "العشرية السوداء"، وهو ما يعطي القوى الاستعمارية ذريعة العودة إلى المنطقة.

تبدو ليبيا مغرية جداً للغرب، فما هي أسرار الثروة الليبية؟

الغرب يعرف مكونات الثروات الليبية، ربما أكثر من الليبيين أنفسهم. خلال فترة الاستعمار الإيطالي، أو التواجد الأميركي في ليبيا، راهنوا على الثروات، وعلى التركيبة القبلية الهشة، والتي يمكن للغرب استخدامها. هم يعرفون جيداً الكعكة الليبية التي تحتوي على خزان مائي ضخم جداً، إذ إن أكبر بحيرة مائية موجودة في أفريقيا تقع في ليبيا، وهي قادرة على تلبية معدل استهلاك كبير يمتد إلى ألف عام. 

يوجد في ليبيا النفط والغاز، والنفط الصخري، المعادن والحديد، والألمنيوم والذهب، وعدد من الثروات التي لم تستغل. على سبيل المثال، يتواجد معدن الحديد في منطقة الشاطئ جنوبي ليبيا، ويمتد على مساحة 150 كيلومترا، وهو من أفضل الأنواع في العالم.

ويوجد معدن الألمنيوم في الجنوب، وتوجد خزانات من المعادن الأخرى. وما يتم استغلاله قليل جداً نتيجة الخلل السكاني الذي تعانيه ليبيا وهشاشة الوضع وغياب مفهوم الدولة. 

كثر الحديث عن اليورانيوم في ليبيا؟ 

جنوب ليبيا غني جداً باليورانيوم. وفي إطار مشاركتي في إحدى المحاضرات في إيطاليا، حصلت على خارطة توزيع المعادن في ليبيا، وتبين الوثيقة حجم الثروات. ربما سُربت هذه الوثيقة من إحدى مراكز الدراسات في الولايات المتحدة، لكن للأسف لم أتمكن من استعادة هذه النسخة مجدداً. ليبيا منجم للثروات والمعادن، وحتى منجم الفحم الحجري الذي اكتشف في عام 1911 من قبل السلطان عبد الحميد،  كان الأكبر في أفريقيا، ولم يستغل بشكل كاف. ليبيا أرض ما زالت بكراً، استغل منها النفط فقط.

ماذا عن البوارج الحربية الإيطالية قبالة السواحل الليبية وما هي المصالح الإيطالية في ليبيا؟

هناك عدة تبريرات للوجود الإيطالي في ليبيا. أولاً، قربها من ليبيا، ثم تهديدات الهجرة غير الشرعية وانتقال الإرهاب اليها. أما الأسباب الخفية فهي الاعتقاد الإيطالي بأن ليبيا ملك لها، وبالتالي هم الأحق بثرواتها، نظراً للتقارب التاريخي. كما أن الفكرة الاستعمارية المسيطرة تكمن في أن ليبيا تمثل الشاطئ الرابع لإيطاليا؛ ويصف الإيطاليون الليبيين بأنهم "إيطاليون مسلمون".

 أمام الولايات المتحدة فتعتبر أن ليبيا مجال حيوي لأوروبا وعليها أن تتقدم. وبما أن إيطاليا هي الأقرب، كان عليهما تقسيم الأدوار بين القوى الكبرى لاستخدام الثروات. 

الاحتلال في ليبيا لن يكون مباشراً، فهل الهدف وضع حكومة تكون قادرة على تنفيذ هذه المخططات؟

لقد تغيرت الآليات والوسائل، ولن يكون الاستعمار بالطريقة القديمة أي عن طريق الجيوش، وانما بوسائل وطرق جديدة. نعرف التجربة العراقية، وما حدث في العراق سيطبق تماماً في ليبيا، وعلى غالبية البلدان العربية، عن طريق استغلال الثورات العربية.

 صحيح أن الليبيين صنعوا الحدث، ولكن استُغلت الثورة من قبل قوات مضادة زرعت الفتنة والإرهاب، ووصلنا إلى ما وصلنا اليه اليوم نتيجة غياب الفكر الذي يؤسس للثورات ويستوعب الأحداث. 

ماذا عن الدور العربي، مصر، تونس والجزائر؟

 مصر لها وضع خاص في الشأن العربي، وفي ليبيا. اعتقد أنها تعاني من إشكاليات كبيرة أولها غياب الديمقراطية. هناك صراع بين مشاريع إقليمية، والعالم العربي جزء من الصراع. نجد المشروع التركي ودولة الخلافة، ثم المشروع الإيراني، في ظل غياب المشروع العربي. في مصر هناك قوة العسكر والتيار العلماني المتحالف معها. ولا ننسى المشروع الإسرائيلي كقوة نافذة.  

هل صحيح أن إسرائيل نفذت بعض الضربات في جنوب ليبيا لمنع سرقة اليورانيوم؟

لا أستطيع أن أؤكد هذا الخبر. ولكن إسرائيل براغماتية. تحمي مصالحها بشكل جيد. توجد حسب مطامعها.

(بالنسبة لمصر) هناك نوع من الهشاشة الداخلية في مصر. والمصريون لديهم مطامع أخرى في ليبيا، كضم مدينة برقة إلى الأراضي المصرية. تاريخياً، سبق أن انضمت أراض وقبائل ليبية إلى مصر في العام 1905، كقبائل أولاد علي والبدو والعرب والعبادات، وهم ليبيون أساساً، ولم ينالوا حتى الجنسية المصرية. والعمالة المصرية في ليبيا عامل مهم، وهي تشكل حوالي 80 في المئة من العمالة الخارجية. ولكن هناك أسباب خفية تتمثل في الثروة المائية الليبية ومعالجة مشكلة الانفجار السكاني في مصر.

دخل اللاعب الروسي المعادلة رغم عدم الحديث عنه كثيراً، وما هو دور (الجنرال المتقاعد خليفة) حفتر مستقبلاً؟ 

دخلت روسيا المعادلة حديثاً، ولم يكن لها أي أثر في ليبيا. وربما لديها دور خفي من خلال بيع الأسلحة لقوات فجر ليبيا. أما وجود حفتر في الحكومة الجديدة أي في وزارة الدفاع (عبر شخصيات أخرى) فسيكون قنبلة موقوتة، ستقضي على الاتفاق السياسي، لأن الغرب الليبي يرفض وجوده. فقد صُنف الرجل بالانقلابي، خصوصاً أنه لا يحمل الشروط التي يجب أن تتوفر لمن يوجد في مراتب عسكرية متقدمة، ويحمل جنسية أجنبية.

توجد فكرة سائدة أن كل من هم في طرابلس متشددون؟

الحقيقة أن هناك حضورا قويا للتيار الإسلامي داخل "المؤتمر الوطني العام"، على الرغم من قلة ممثليهم. هناك 35 شخصاً ضمن 200 عضو. ولكن هؤلاء يتحكمون في القرار ولهم سيطرة واسعة، رغم أن صندوق الاقتراع بيّن أن غالبية المتواجدين لا يحملون الفكر الإخواني. لكنّ هناك (أيضاً) تشويها للواقع وتضخيماً للأمور. يوجد خمسة وزراء علمانيين في الحكومة. وفي شرق ليبيا، تبدو سيطرة العسكر واضحة. ولكن يوجد أيضاً من يحمل الفكر الإخواني من خلال حزب "العدالة والبناء"، وفق ما ينص عليه القانون ولديهم حتى مؤتمر.

وبالتالي تصوير أهل طرابلس، أو المؤتمر والحكومة على أنهم جميعاً "إخوان" أو متشددون مسألة خاطئة ومقصودة.

ما تقييمكم للدور التونسي في الأزمة الليبية؟

تونس شريك، في الثورة الليبية وفي المأساة أيضاً. واذا تحققت النهضة وأصبحت ليبيا بخير، تونس ستكون بخير. التاريخ والجغرافيا مشتركة. نلاحظ أن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي حذّر الليبيين من التدخل الأجنبي، لأنه يعرف مخاطره. وتونس الدولة الوحيدة التي ليس لها مطامع في ليبيا؛ هي الرئة التي يتنفس منها الليبيون.

لكن هناك تصريح من حكومة طرابلس بخصوص إغلاق الحدود على خلفية تحويل الطائرات من مطار قرطاج إلى المنستير وصفاقس؟ 

هذا التصريح صدر من رئيس وزراء ليس لديه تجربة سياسية. واعتبره نوعاً من المراهقة السياسية. لغة التهديد لا تجدي. أنا وزير وأصرح عن وعي، وأتحمل مسؤوليتي. ورئيس الوزراء (جيء) به وهو من الإفرازات التي تبين الفساد السياسي. إغلاق الحدود مع تونس يعني خنق الليبيين لأن تونس هي رئتنا الوحيدة التي نتنفس بها.

هل تفتقر ليبيا إلى وجود زعيم؟ 

المعادلة الليبية صعبة وتحتاج إلى أباء مؤسسين؛ تونس لديها مؤسسات من أيام خير الدين باشا والحبيب بورقيبة الذي وضع دستوراً علمانياً. وتوجد لديهم نقابة جيدة، كما أن (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي هرب. ولم يبق ليقتل شعبه. في حين أن القذافي لم يهرب، واستخدم السلاح وانتشرت الفوضى والاقتتال، وبالتالي تم القضاء على القذافي، وعلى الدولة أيضاً.

اقرأ أيضاً: وزير الدفاع التونسي:بلادنا المتضرر الأول من التدخل العسكري بليبيا

* محمد بالخير هو وزير العمل والتأهيل في حكومة الإنقاذ الوطني الليبية. حصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة المنصورة في مصر. شغل منصب مستشار اقتصادي لعدد من الشركات الأجنبية قبل الثورة الليبية. كان مستشاراً لوزير العمل قبل أن يعين وزيراً. سُجن عدّة مرات إبان حكم الزعيم المخلوع معمر القذافي.

المساهمون