مخطط تهجير بردى: المناطق المحاصرة تتّحد وتتوعد بالرد

مخطط تهجير بردى: المناطق المحاصرة تتّحد وتتوعد بالرد

27 ديسمبر 2016
يتخوّف الأهالي من تهجير مشابه للزبداني(عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
تواصل قوات النظام السوري و"حزب الله" اللبناني، حملتها على قرى تسيطر عليها المعارضة السورية في شمال غربي دمشق، سعياً لإخضاعها، فيما وجّه أهالي هذه القرى، نداءات استغاثة محذرين من مخطط يستهدف تهجير آلاف المدنيين عن ديارهم، كما طالبت فعاليات مدنية وطبية من المجتمع الدولي الضغط على النظام وحلفائه لإيقاف هذه الحملة التي وصفتها بـ"الهمجية". وذكرت الهيئة الإعلامية في منطقة وادي بردى، أن قوات النظام و"حزب الله" واصلت، أمس الإثنين، لليوم الخامس على التوالي، حملة "عدوانية على المنطقة"، مشيرة إلى أن الطيران المروحي استهدف أمس نفق مياه الفيجة في قرية بسيمة، أبرز مصادر المياه للعاصمة دمشق، ببرميلين متفجرين، ما أحدث تصدعات كبيرة في النفق. وأضافت أن قوات النظام استهدفت بصواريخ من نوع "فيل" وقذائف مدفعية ثقيلة منازل القرية، ما تسبب بزيادة مساحة الدمار الهائلة فيها.

وأكدت الهيئة، أن قوات المعارضة المدافعة عن المنطقة أفشلت، أمس، محاولة لقوات "حزب الله" لاقتحام المنطقة، محذرة من كارثة وشيكة ستصيب أغلب سكان العاصمة دمشق بسبب استهداف طيران النظام "المقصود" للمصدر الرئيسي لماء الشرب لهم في إطار "سياسة الأرض المحروقة" التي يتّبعها لإخضاع منطقة وادي بردى. ورغم أن انقطاع الماء لا يزال مستمراً عن دمشق ومحيطها، إلا أن تسجيلاً تداولته منابر إعلامية تابعة للنظام، منسوب إلى مسؤول حكومي في مصلحة المياه، كشف أن الخزانات في جبل قاسيون تستطيع تغذية دمشق بالماء لستة أشهر إن لم يكن لسنة كاملة. لكن تجمّعاً باسم "التحالف الدفاعي المشترك للمناطق المحاصرة في دمشق وريفها"، والذي يضم القابون، وبلدات القلمون الشرقي، وقرى وادي بردى، وتجمّع الحرمون (تجمّع بيت جن)، توعّد بالرد على "العدوان" على قرى وادي بردى، معلناً في بيان "تشكيل قيادة عسكرية موحّدة، تنبثق عنها لجنة مفاوضات واحدة تمثل هذه المناطق". وأكد بيان التجمّع "أننا سنكون يداً واحدة وكتلة واحدة ضد أي خرق جديد من النظام للاتفاقيات السابقة المتضمنة للهدنة والتهدئة في المناطق المحاصرة، وسنشعل جبهاتنا مؤازرة لإخواننا حتى يتوقف العدو عن محاولات اقتحام البلدات وتهجير أهلها".
وتقع منطقة وادي بردى إلى الشمال الغربي من العاصمة دمشق، وتضم العديد من البلدات والقرى التي كانت مع بلدتي مضايا والزبداني القريبتين منها، من أهم مقاصد السياح العرب قبل الثورة السورية عام 2011، لجوها المعتدل، والمياه العذبة التي تشتهر بها، والتي تسقي أغلب سكان العاصمة دمشق.

وتسيطر المعارضة على عدة قرى في الوادي، هي: بسّيمة، وعين الخضراء، وعين الفيجة، ودير مقرن، وكفير الزيت، ودير قانون، والحسينية، وكفر العواميد، وبرهليا، وسوق وادي بردى. وتتوزع هذه القرى على ضفتي نهر بردى الذي ينبع من منطقة الزبداني.
وأوضح الصحافي محمد فارس، وهو من أبناء منطقة وادي بردى، لـ"العربي الجديد"، أن نبع الفيجة يؤمن نحو 70 في المائة من حاجة سكان دمشق من المياه، كما يؤمن نبع بردى نحو 15 في المائة من المياه، مشيراً إلى أنه لا قيمة فعلية لسيطرة النظام على النبع الأخير، طالما يمر الأنبوب الذي ينقل مياه النهر إلى دمشق عبر منطقة الوادي، وهو ما يشكّل عامل ضغط إضافي من المعارضة المسلحة على النظام. وأشار فارس إلى أنه لا توجد إحصائيات يمكن الركون إليها عن عدد المدنيين الموجودين في منطقة وادي بردى كونها احتضنت آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية خلال نحو ست سنوات، إلا أنه رجّح أن يفوق العدد المائة ألف مدني يعيشون في ظروف إنسانية وصفها بـ"المأساوية". وأوضح فارس أن قوات "حزب الله" تسيطر على عدة قرى في الوادي منها: جمرايا، وجديدة الوادي، وأشرفية الوادي، وهْرِيْرة، مشيراً إلى الحزب المذكور أفرغ الأخيرة، إضافة إلى قرية أفرة من سكانها في منتصف العام الحالي لإطباق الحصار على قرى الوادي من جهة الشمال، وعزلها عن منطقة القلمون.

ووجّه أهالي ومعارضون من وادي بردى نداءات استغاثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرين في بيانهم، إلى أن هناك مخططاً لترحيلهم من ديارهم في إطار استراتيجية كبرى تعمل عليها إيران ونظام بشار الأسد في محيط دمشق تهدف إلى "تهجير السنّة" الذين يشكّلون غالبية السوريين، موضحين أن الهدف وراء إخضاع منطقة وادي بردى وصل العاصمة دمشق بمنطقة بعلبك في لبنان وهي مجال نفوذ كبير لـ"حزب الله"، مؤكدين إصرارهم على التشبث بالبقاء و"هدم" هذه الخطة. وطالب الأهالي "باستنفار الوسائل المتاحة سياسياً وشعبياً وإعلامياً لنصرة الوادي وأهله، ولحشد الرأي العام في الداخل والخارج"، مشيرين إلى أن النظام "يقصف ربع مليون نازح في 9 قرى بمئات البراميل، وصواريخ الفيل، والصواريخ الفراغية".

وأكد الأهالي أن طائرات النظام "قامت باستهداف نقطة نبع الفيجة ببرميلين متفجرين أسفرا عن تدمير محطة النبع واختلاط مخزون المازوت وكلور التعقيم بالماء، فتلوثت مياه الشرب في دمشق وانخفضت الكمية الواصلة إليها، فأحدثت أزمة". وأشاروا إلى أن البراميل المتفجرة حوّلت مئات المنازل في بسيمة وعين الفيجة إلى خراب، واستهدفت مجمعاً للنازحين في بسيمة فحرقت عشرات الأبنية. وتُعدّ قرية بسيمة خط الدفاع الأهم عن قرى الوادي، وحذر الأهالي من سيطرة قوات النظام و"حزب الله" عليها ما يعني سيطرتها على الوادي وترحيل أكثر من ربع مليون مدني، وفق البيان.


وتسيطر المعارضة السورية منذ عام 2012 على قرى في منطقة وادي بردى تعاني منذ عام ونصف العام من حصار خانق تفرضه قوات النظام و"حزب الله"، ومليشيات أخرى، حاولت مراراً اقتحام هذه القرى إلا أن محاولاتها باءت بالفشل أمام تصدي فصائل المعارضة لها.
وذكرت فعاليات مدنية وطبية في المنطقة، أمس الأول الأحد، أن طيران النظام قصف المنطقة، منذ الخميس الماضي، بنحو 100 برميل متفجرات، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، وخروج مراكز صحية ومؤسسات مدنية عن العمل، موضحة أن طيران النظام استهدف مبنى مؤسسة مياه عين الفيجة بعشرة براميل ما أدى إلى تدمير مضخات وخزانات المياه والعنفات التي تنقل المياه إلى الأنفاق الفرعية الموصلة إلى دمشق. وأشارت إلى أن القصف أدى إلى انخفاض المستويات المتدفقة إلى النبع إلى أقل من الثلث نتيجة تأثيره على الطبقات الصخرية التي تعد الخزان الطبيعي لمياه النبع.

وطالبت جهات عدة في وادي بردى، ومنها المجلس المحلي والدفاع المدني والهيئة الطبية في الوادي، بـ"الضغط على القوى الداعمة للنظام، والمليشيات الموالية له من أجل إيقاف هذه الهجمة العدوانية الهمجية"، وأكدت رفضها سياسة "التهجير القسري"، مطالبة بالسماح لجهات دولية بإدخال ورشات صيانة وإصلاح النبع، وإبقائه تحت الإدارة المفوضة من قبل أهالي الوادي. ويريد النظام فرض السيناريو الذي طبّقه، خلال العام، الذي يوشك على الانتهاء في عدد من المدن والمناطق المحيطة بالعاصمة دمشق، والمتمثل بخروج مقاتلي المعارضة بالأسلحة الخفيفة مع عائلاتهم، ومن يرغب من المدنيين إلى محافظة إدلب شمال غرب سورية و"تسوية أوضاع المتخلفين" عن الخدمة العسكرية، وفك الحصار عن الوادي، وتشكيل قوات عسكرية موالية للنظام من السكان المحليين، مهمتها حماية المنطقة.

ويحاول "حزب الله" السيطرة على الشريط الحدودي السوري مع لبنان، وهو وضع ثقله خلال العامين الأخيرين للسيطرة على مضايا والزبداني وسرغايا من خلال فرض حصار تسبب بأكبر كارثة إنسانية خلال سنوات الثورة على نظام الأسد.
ويتطلع الحزب للسيطرة أيضاً على منطقة وادي بردى لأهميتها الاستراتيجية، وقربها من الحدود اللبنانية. وأوضح المحلل العسكري العقيد مصطفى بكور، أنها لا تقل أهمية عن منطقة القلمون الغربي من خلال اتصالها مع لبنان، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الحملة العسكرية على منطقة وادي بردى "تأتي في سياق إخضاع المناطق الخارجة على سيطرة النظام، وتهجير سكانها، وتسليمها لمليشيات موالية له".
ولا تبعد آخر قرية في وادي بردى من جهة الغرب وهي قرية سوق وادي بردى عن الحدود اللبنانية سوى 6 كيلومترات، ويفصلها عن لبنان سهل الزبداني وقرية كفير يابوس. وترفض المعارضة تسليم المنطقة لـ"حزب الله"، وتشدد على أنها قادرة على صد قواته، خصوصاً أنها تقاتل تحت قيادة واحدة. وأكدت مصادر أن الأزمة التي تسبب بها النظام لسكان العاصمة دمشق بقصف مصادر مياه الشرب لهم ستكون عامل ضغط عليه ستدفعه للرضوخ لمطالب المعارضة. وذكرت مصادر محلية في دمشق لـ"العربي الجديد" أن حالة تململ واستياء بدأت تظهر لدى سكان العاصمة إثر انقطاع المياه، والعجز عن أي حلول إسعافية مع اقتراب خزانات المياه في العاصمة على النفاد.

المساهمون