تعثّر اقتحام الموصل: "داعش" يعزز هجماته والمليشيات عاجزة

تعثّر اقتحام الموصل: "داعش" يعزز هجماته والمليشيات عاجزة

03 نوفمبر 2016
مدنيون فارون من الموصل (بولنت كيليك/فرانس برس)
+ الخط -


أطبقت القوات العراقية المشتركة مدعومة من طيران التحالف الدولي فضلاً عن وحدات مدفعية أميركية وفرنسية، على الحدود الشرقية والشمالية لمدينة الموصل، مع انقضاء اليوم العشرين لمعركة استعادة المدينة من سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وسط احتدام القتال وارتفاع غير مسبوق في وتيرة العمليات الانتحارية التي نفذها التنظيم.
وتسعى القوات المهاجمة إلى إحداث ثغرة للنفاذ منها إلى داخل الموصل عبر أحياء القدس والكرامة والأندلس والانتصار والميثاق، وهي الأحياء الأولى من الساحل الأيسر للموصل شرقي المدينة، وهو ما لم يتحقق لليوم الثاني على التوالي، على الرغم من مساعي قوات الجيش وجهاز مكافحة الإرهاب لتحقيق ذلك، بعد سيطرتهم على منطقة كوكجلي وقرية بازوايا.


"داعش" يفرض وقف التقدّم

على مدى 12 ساعة قتال متواصلة يوم أمس، الخميس، في المحورين الشرقي والشمالي من الموصل، وهما الأكثر تماساً مع المدينة، نفذ تنظيم "داعش" 21 عملية انتحارية و10 هجمات مسلحة مما يسميها هو "الانغماسية". وقالت مصادر عسكرية عراقية إن التفجيرات الانتحارية أسهمت في إيقاف التقدّم وأجّلت خطط الاقتحام وإحداث ثغرات في حاجز صد التنظيم حول المدينة.

وقال العقيد ستار العبيدي من جهاز مكافحة الإرهاب لـ"العربي الجديد"، إن "الهجمات الانتحارية تُعتبر الأعلى معدلاً منذ بداية المعركة، وغالبية من فجروا أنفسهم كانوا شباباً وبعضهم فتيان"، موضحاً أن "المعارك حالياً على حدود الأحياء السكنية، ونحن مقيّدون في القصف خوفاً على المدنيين، فهناك كتل بشرية هائلة والتنظيم يستخدم ذلك كورقة ضغط ضدنا". وأضاف: "نأمل أن تتم غداً الجمعة (اليوم) معالجة موضعية لعناصر داعش بالاستعانة بقوات التحالف جواً، بهدف تحقيق خرق مناسب في دفاع التنظيم، ما يمكّننا من الولوج إلى داخل المدينة".
وقال الخبير بشؤون الجماعات المسلحة، ماجد طه العقابي، إن خطاب زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي لم يأت صدفة في توقيته، بل جاء مع انهيار قواته ووصول الجيش إلى مشارف الموصل، لهذا طالب البغدادي عناصره بالصمود وعدم الفرار وترك المدينة. واعتبر أن "هذا الأمر وفق أبجديات التنظيمات الجهادية يعني الموت وعدم ترك المدينة أو أن يقعوا أسرى، ما يعني أن العمليات الانتحارية التي شهدناها اليوم (أمس) ترتفع سنراها أكثر في الأيام المقبلة"، مضيفا أن "التنظيم يُستنزف كل يوم".

تكدس القوات على مشارف الموصل
وكشفت مصادر عسكرية عراقية لـ"العربي الجديد" أن "نحو 30 ألف مقاتل من الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات سوات (الفرقة الذهبية) وقوات التدخّل السريع مدعومة بالطيران الأميركي والفرنسي، تواجه صعوبات لليوم الثاني في تحقيق تقدّم واضح يسمح لها باختراق أول أحياء المدينة السكنية والدخول إليها للانتقال إلى مرحلة حرب الشوارع".
وذكر ضابط رفيع في جهاز مكافحة الإرهاب لـ"العربي الجديد"، أن معارك أمس "لم تشهد التقدّم الذي كنا نأمله بسبب استخدام تنظيم داعش عدداً كبيراً من الانتحاريين، بعضهم بسيارات مفخخة وآخرون بأحزمة ناسفة، إضافة إلى أن هناك أشخاصاً كانوا مختبئين بين أنقاض المباني في كوكجلي خرجوا علينا وفجروا أنفسهم"، موضحاً أن "أي اختراق نحققه يعني اندفاع آلاف الجنود إلى داخل أحياء الموصل، ونتوقع ذلك قريباً".
وشهد المحور الشرقي والشمالي أعنف المواجهات المباشرة وعلى خطوط تماس تبعد بين الطرفين أكثر من 500 متر، وتكبّد خلالها التنظيم خسائر بشرية كبيرة، فيما أكدت مصادر في وحدة الطبابة العسكرية أن ما لا يقل عن 100 عنصر من جهاز مكافحة الإرهاب والجيش العراقي قُتلوا وأصيبوا جراء المعارك أيضاً.
وبحسب مصادر محلية داخل الموصل، فإن عدد قتلى التنظيم منذ بدء المعارك ارتفع إلى نحو ألف عنصر غالبيتهم من الجنسية العراقية والسورية قضوا خلال القصف، فيما أكدت مصادر في وزارة الدفاع العراقية أن 800 عنصر من الجيش والشرطة الاتحادية والبشمركة قُتلوا وأصيبوا خلال المعارك، فضلاً عن 230 عنصراً من مليشيات "الحشد الشعبي"، يقابلها مقتل جندي أميركي واحد وإصابة هي مجمل خسائر التحالف الدولي بهذه المعركة.


وقال قائد عمليات تحرير نينوى اللواء نجم الجبوري لـ"العربي الجديد"، إن "تنظيم داعش في حالة انهيار، لكنه يستخدم الانتحاريين لمنع التوغّل داخل المدينة، وهذا ما نعمل على معالجته"، لافتاً إلى أنه "أغلب الاحتمالات هي أننا سندخل الموصل في الأيام القليلة المقبلة وينتقل القتال إلى داخلها"، مبيناً أن "أبرز محاور القتال كانت عبر حمام العليل جنوباً وكوكجلي شرقاً والشلالات شمالاً".
وحتى الآن لم تتناول أي من تصريحات المسؤولين العراقيين العسكريين أو قوات التحالف الثغرات الموجودة في خطة الموصل، إذ يُلاحَظ أن مناطق وقرى بأكملها تركتها قوات الجيش وتقدّمت نحو الموصل، بمعنى أن هناك عناصر أو قوات لـ"داعش" باتت خلف ظهر الجيش وجهاز ومكافحة الإرهاب والبشمركة وتم عزلها والتقدّم عبر محورين فقط وصولاً إلى مشارف الموصل. هذا الأمر أثار الجدل بين من اعتبرها عزلاً للتنظيم وتحويل تلك المناطق إلى بقع أو جزر ستتم معالجتها في ما بعد، وبين من اعتبرها خطراً يهدد القوات العراقية وحلفاءها بهجوم مباغت في أي وقت يستهدفها من الخلف.

فشل المليشيات
أما على المحور الغربي المتجه إلى مدينة تلعفر، فلم تستطع مليشيات "الحشد الشعبي" المكلفة بهذا المحور تحقيق أي تقدّم ملموس إلا في بعض القرى البعيدة عن بلدة تلعفر والتي تُعد هدفها الرئيسي. وتؤشر الوقائع الميدانية إلى أنّ فصائل المليشيات تتخبط في الصحراء الشاسعة ولم تستطع تحقيق شيء من أهدافها، بينما أكّدت مصادر عسكرية أن قادة المليشيات حاولوا الاستعانة بالجيش للسيطرة على الموقف بسبب خلو سماء هذا المحور من أي نشاط لطيران التحالف الدولي.

وقال ضابط في قيادة عمليات "قادمون يا نينوى"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "جميع القطعات العراقية والبشمركة حققت تقدّماً كبيراً في المحاور التي تولّت مهمة تحريرها، ما عدا الحشد الشعبي"، مبيناً أنّ "المحور الغربي الذي أنيط بالحشد لا يزال حتى الآن تحت سيطرة داعش، ولا يوجد أي تقدّم ميداني حقيقي فيه". وأوضح أنّه "عندما تم تقسيم المحاور بين القطعات، تم تكليف الحشد بهذا المحور على ألا تدخل الموصل، لكنّ مليشيات الحشد التي استقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة من فصائلها، تحاول السيطرة على الطريق الرابط بسورية، وفي الوقت نفسه تسعى للوصول إلى تلعفر"، مشيراً إلى أن "الصحراء الشاسعة أربكت صفوف الحشد بشكل كبير، كما أن خبرة داعش في هذه الصحراء منحته الفرصة ليكثّف هجماته الخاطفة على الحشد، الأمر الذي فرض على مليشيات الحشد واقعاً ميدانياً لم تعتد القتال فيه، ما تسبب بتخبطها بشكل كبير".
وأكد أنّ "عدم دخول طيران التحالف في هذا المحور، وعدم توفيره الغطاء الجوي للحشد، أحد العقبات الكبيرة التي اعترضت طريق تقدّم الحشد"، مشيراً إلى أنّ "مليشيات الحشد لم تستطع السيطرة حتى الآن إلا على قرى نائية في أطراف بلدتي الحضر والبعاج".
من جهته، أكد ضابط كبير في وزارة الدفاع أنّ "قادة الحشد يتحاورون مع وزارة الدفاع لإدخال قطعات من الجيش في هذا المحور". وقال الضابط، في حديث مع"العربي الجديد"، أنّ "قادة الحشد يحاولون التغطية على فشل فصائلهم بتحقيق تقدّم في المحور الغربي، من خلال التحدّث عن انتصارات متعاقبة وتحرير عشرات القرى"، مستدركاً "لكنّهم يحاولون التنسيق مع وزارة الدفاع للاستعانة بقطعات الجيش في هذا المحور للتغطية على الفشل وإحراز تقدّم بسيط على الأقل". وأضاف أنّ "موضوع مشاركة القطعات العراقية لم تستطع وزارة الدفاع حسمه، وقد طُرح أمام رئيس الحكومة حيدر العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة للبت به، بعد دراسته من كافة الجوانب"، مؤكداً أن "الحشد عاجزة عن إحراز أي تقدم إلا في حال اشتراك الجيش معها".

المساهمون