سباق مرشّحَي اليمين الفرنسي: جوبيه يحضّر أسلحته لمفاجأة أخرى

سباق مرشّحَي اليمين الفرنسي: جوبيه يحضّر أسلحته لمفاجأة أخرى

21 نوفمبر 2016
اختلافات جوهرية بين جوبيه وفيون بالسياسات الداخلية والخارجية(إيريك فيفربيرغ/AFP)
+ الخط -
يملك فرانسوا فيون الحظوظ الأوفر ليكون مرشح اليمين والوسط ضد مرشّحي اليسار الكثر، ومرشّحي اليمين المتطرف، في انتخابات 2017 الرئاسية. وقد عبّرت صُوَر كثيرة عن الحالة الجديدة لهذا المرشح، الذي ظلّ، إلى فترة قريبة من الدورة الأولى، محتشماً، كما ظلت وسائل الإعلام الفرنسية تَزهد كثيرا في محاورته. تكفي عدسات المصوّرين وهي ترافقه إلى مقره الانتخابي بعد الإعلانات الأولية عن تحليقه في المقدمة، بعيداً عن خصومه الستة. وأيضاً ابتسامته المعبّرة عن الارتياح لهذا الاعتراف الشعبي بصموده وصبره.


من يقرأ وسائل الإعلام الفرنسية، منذ أمس، وأيضاً ردود الفعل الصادرة من معظم قياديي اليمين، يلاحظ وجود إجماع كبير على تأييد فيون، والمُطالِبة بالتخلي عن تنظيم الدورة الثانية من الانتخابات الفرعية، نظراً لأن الحملة ستكون قويّة، حيث كل شيء ممكن، وستُشحذ فيها كل الأسلحة، وستُظهر للعلن كثيراً من الأسرار والفضائح، ومظاهر الضعف التي سيستفيد منها مرشحو اليمين المتطرف وأيضاً مرشحو اليسار. تلك المعطيات توحي بأن الأمور طويت بشكل نهائي، وأن عناد ألان جوبيه ما هو إلا نوعٌ من الجحود وإنكار الحقيقة الساطعة.


صحيح أنه لا يكفي أن يكون المرشح محاطاً بحاشية تضم أهم قياديي الحزب كي يضمن الفوز، فقد جرّب ساركوزي ذلك، وأحاط نفسه بسياسيين، بعضهم يتمتع بشعبية وتقدير كبيرين، مثل فرانسوا باروا ودارمانين وبالادير وغيرهم (جميعهم أعلنوا انضمامهم لفيون)، ولكن حتّى هذا الأمر لم يقنع جوبيه بالاستسلام.


كان بإمكان ألان جوبيه، أمس، وهو يتأمل بنوع من الأسى والإحباط نتائج الانتخابات، أن يعلن عن استراحة أخيرة للمحارب، ولكن هذا لم يحدث. وقد تنفس كثير من أنصاره الصعداء وهو يعلن عن مواصلته التحدّي، مبشّراً إياهم بمفاجأة ثانية، يوم الأحد القادم. فما هي أسلحة ألان جوبيه في معركته القادمة؟ وما هي الزوايا التي سيركّز عليها في حملته الانتخابية؟


السلاح الأول الذي يشهره جوبيه الآن هو استمالة يمين الوسط إلى جانب حزب "الجمهوريون"، إذ ثمة خشية كبرى في حال فوز فيون من رؤية رموز يمين الوسط، كفرانسوا بايرو، أو قياديين في "الحزب الديمقراطي المستقل"، يرشحون أنفسهم، ما قد يشتت أصواتاً هامة يحتاجها اليمين بقوة.


السلاح الثاني، وهو سلاح الدفاع عن مجتمع فرنسي متجه نحو التقدم والليبرالية المجتمعية، وهو ما عبّر عنه انضمام المرشحة التي حازت على المرتبة الرابعة، ناتالي كوسيسكو موريزي، إلى معسكره، عكس ميول فيون، الذي غازل، أكثر من مرة، أنصار "التظاهر للجميع" المحافظة، والذي لا يخفي معارضته للإجهاض، كما أنه لا يخفي مغازلته لليمين الكاثوليكي المحافظ، ومن هنا يمكن قراءة مؤلفه الأخير: "الشمولية الإسلامية". وفي المقابل، يُدافع جوبيه عن علاقة هادئة مع الإسلام الفرنسي، تعبّر عنها علاقاته الطبيعية والودية مع ممثلين كثيرين له في مدينته بوردو، وفي فرنسا عموماً.




أمّا السلاح الثالث، فيتمثل في الموقف من روسيا والحرب في سورية. فإذا كان فيون لا يخفي تفهمه للموقف الروسي في سورية (قام بزيارات عديدة إلى موسكو، كان آخرها قبل الدورة الأولى من الانتخابات الفرعية، ما دفع ألان جوبيه إلى تحذيره من المبالغة في شرب الفودكا)، ويواصل انتقاده لتواصل العقوبات الاقتصادية الغربية على نظام بوتين، فإن جوبيه لا يمانع في إقامة علاقات طبيعية مع الروس، لكن بشرط احترامهم للقانون الدولي، وهو ما لا يبدو أنهم يحترمونه، كما يشدد على ذلك.


وإذا كان فيون، مثل اليمين الفرنسي المتطرف، يرى في نظام الأسد أفضل من يدافع عن مسيحيي الشرق، وأشد محاربي تنظيم "داعش"، فإن جوبيه لا يرى أيّ مستقبل سياسي قادم لزعيم سحق شعبه وكسّر طموحاته في الحرية والديمقراطية.


السلاح الرابع، وهو البرنامج الاقتصادي، فبالرغم من أنّه يعتبر ليبرالياً عند الطرفين، إلّا أن برنامج فيون يغلب عليه تقشف لا مثيل له، وانسحاب للدولة من مسؤولياتها، وتضحيات كبيرة يجب على الفرنسيين أن يتحملوها.

يقترح فيون خفض نصف مليون موظف، وهو رقم مرعب، يستطيع ألان جوبيه أن يشهره في وجه من يفكّر في التصويت لفائدة فيون. صحيح أن الأخير ينادي بضرورة خفض عدد الموظفين، ولكن ليس بهذه الدرجة.


يدافع فيون، في برنامجه الاقتصادي، عن خفض تدريجي في مرتبات العاطلين من العمل (لدفعهم للبحث عن شغل، كما يزعم)، كما يدافع عن زيادة ساعات العمل بالنسبة للموظفين إلى 39 ساعة أسبوعياً. ويرى ضرورة إزالة المدة القانونية للعمل. كما يتبنى فيون مبدأ خفض نسبة الواصلين الجدد من المهاجرين إلى النصف، وعدم تقديم المساعدات للأجانب الشرعيين في فرنسا، إلا بعد مرور سنتين على الأقل من إقامتهم في البلد. والتشديد على "تذويب" الأجانب في المجتمع الفرنسي وإرساء نظام المحاصصة. وفي كل هذه القضايا نجد جوبيه يقدّم حلولا أقل تشدداً.

يستطيع جوبيه أن يربك حسابات فرانسوا فيون، إذا ركّز، بقوة، على مقارعة أفكار خصمه، وهو ما لم يفعله في الدورة الأولى، لأنه ظل حبيس صراعه مع نيكولا ساركوزي.


كما يستطيع جوبيه، الذي لم يعد مدللاً لدى وسائل الإعلام اليمينية الفرنسية بعد أن اختارت غريمه فيون، أن يراهن على تصويت النساء، اللواتي قد يرين في برنامج فيون برنامجاً ذكورياً محافظاً وتقليدياً، ولعلّ للمرشحة السابقة، ناتالي كوسيسكو موريزي، دوراً مهمّاً يمكنها أن تؤديه إلى جانب جوبيه، كما يستطيع الأخير أن يراهن على أصوات اليسار، الذين بلغت نسبة تصويتهم في الدورة الأولى ما يقرب من 15 في المئة، وهو عدد مرشح للازدياد. يضاف إلى ذلك تصويت الموظفين، الذين سيزعزع فيون مكانتهم في حال فوزه. لا شيء مستحيلاً، ولعلّنا ننتقل من مفاجأة إلى أخرى.

المساهمون