تركيا: تقارب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" يؤسس لمشهد جديد

تركيا: تقارب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" يؤسس لمشهد جديد

01 نوفمبر 2016
يريد بهجلي (يسار) تقديم نفسه كشريك للحكومة(بينور ايجه غورون/الأناضول)
+ الخط -
تعود حالة الاستقطاب على المستوى الداخلي التركي بشكل قوي بعد حوالي الشهرين من التضامن بين مختلف الأحزاب السياسية التركية في مواجهة المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز الماضي. وفي ما بدا إعادة رسم للخارطة السياسية التركية الداخلية، ظهر نوع من تحالف غير علني بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم وحزب "الحركة القومية" (يميني قومي متطرف)، وسط تعمّق الخلاف مع حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) حول عدد من المواضيع. ويأتي على رأس هذه المواضيع التحوّل إلى النظام الرئاسي وإجراءات الحكومة في محاسبة المشتبه بانتمائهم لحركة "الخدمة" بقيادة فتح الله غولن المتهم بإدارة المحاولة الانقلابية، وكذلك الإجراءات الأخيرة بحق وسائل الإعلام المعارضة وبالذات صحيفة "جمهورييت" التركية المعارضة.

وفيما يتصاعد النقاش حول المساعي الحاصلة لإدخال تعديلات على الدستور، قدم "العدالة والتنمية" إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مسودة التعديلات الدستورية، والتي تضم تعديلاً على 30 حكماً دستورياً. وكان رئيس الحكومة والحزب الحاكم بن علي يلدريم، أعلن في وقت سابق، أن التعديلات الدستورية المقترحة ستدخل حيز التنفيذ بعد إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية عام 2019، كما أنها ستمنح الرئيس بمجرد إقرارها عبر استفتاء شعبي ثلاث صلاحيات إضافية خلال الفترة الانتقالية، لا تقل عن تلك الممنوحة للرئيس في التعديلات التي ستدخل حيز التنفيذ بعد انتخابات 2019. وفي ما يبدو تشريعاً للوضع الحالي، فإن الرئيس سيكون، بموجب التعديلات المقترحة، قائد الدولة ورئيس السلطة التنفيذية، بصلاحيات تراوح بين إقرار السياسات الداخلية والخارجية، وتعيين وإقالة الوزراء، وحتى القدرة على استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرارات البرلمان وإحالتها إلى الاستفتاء الشعبي، وذلك مع احتفاظه بمنصب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة.
يأتي ذلك فيما بدا زعيم "الحركة القومية"، دولت بهجلي، يبحث عن دور أكبر على الساحة التركية عبر التقارب مع "العدالة والتنمية". وأعاد بهجلي فتح موضوع التحوّل إلى النظام الرئاسي، قبل أسابيع، مبدياً استعداده للموافقة على دعم الحكومة في محاولتها تحويل الأمر إلى الاستفتاء الشعبي، بسبب ما اعتبره "مخاوف من دخول البلاد في أزمة بسبب التعارض بين النظام الرئاسي المعمول بحكم الأمر الواقع وبين الدستور الذي يقر النظام البرلماني".

وبينما كان بهجلي قد أكد، في وقت سابق، أن حزبه سيعارض التحوّل إلى النظام الرئاسي، عاد يوم أمس، الثلاثاء، لإبداء موقف أكثر مرونة في هذا الشأن، مؤكداً دعمه للإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها، يوم الإثنين، بحق العاملين في جريدة "جمهورييت" المعارضة، وكذلك إغلاق الصحف والمجلات ووكالات الأخبار التابعة لحزب "العمال الكردستاني"، على الرغم من التضامن الكبير الذي أبداه "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي" مع الصحيفة. أكثر من ذلك، وفي إطار المزايدات القومية، أكد بهجلي دعم حزبه لإقرار حكم الإعدام في حال قامت الحكومة التركية بتقديم تشريع في هذا الشأن إلى البرلمان.

وفي كلمته الأسبوعية في كتلة الحزب النيابية، ورداً على بعض التفاصيل التي كشف عنها مسؤولون في "العدالة والتنمية" حول النظام الرئاسي الأسبوع الماضي، قال بهجلي إن "التعليق على الملخصات التي تم الحديث عنها في الإعلام حول اقتراحات العدالة والتنمية في ما يخص الدستور، من دون أن يصلنا شيء رسمي منه، يعدّ أمراً دون فائدة وفي غير مكانه، وسنرى الاقتراحات التي تم تجهيزها، ومن ثم نقيّم الأمر"، مضيفاً: "الحل هو الديمقراطية التي تكمن في إرادة البرلمان، ونحن ملتزمون بهذه الإرادة، وسنبقى أوفياء لخيارات الأمة في كل الظروف".


فيما أعلن يلدريم أن الحكومة ستأخذ تعليقات بهجلي على النظام الرئاسي بعين الاعتبار أثناء تقديم الاقتراحات حول التحوّل إلى النظام الرئاسي، مشيراً إلى إمكانية إعادة العمل بحكم الإعدام بشكل محدود، في حال تم التوصل إلى توافق في هذا الشأن. ورد يلدريم على محاولة "الشعب الجمهوري" اللعب على وتر فوبيا تقسيم تركيا والتحوّل إلى الفيدرالية، بالتأكيد أن "تركيا ستواجه خطر الانقسام في حال لم يتم إقرار النظام الرئاسي"، مضيفاً أن "النظام الرئاسي سيكون مع إبقاء النظام المركزي، ولا أحد يستطيع القول إن النظام الرئاسي سيجلب النظام الفيدرالي أو التقسيم".

وعن أسباب التقارب بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" أخيراً، يشير مراقبون مقربون من الأخير، إلى أن بهجلي ومن خلال تقديم الدعم للحكومة، سواء في ما يخص إقرار حالة الطوارئ بعد المحاولة الانقلابية، أو التحوّل إلى النظام الرئاسي، وحتى في إعادة إقرار عقوبة الإعدام، يسعى إلى تقديم نفسه كشريك محوري للحكومة في صنع مستقبل تركيا. ووفق المراقبين، يريد بهجلي إزالة صورة "السيد لا" التي وسمه بها مسؤولو "العدالة والتنمية" بسبب رفضه كل عروض تشكيل الحكومة الائتلافية بعد انتخابات يونيو/ حزيران 2015، والتي كلّفت حزبه خسارة جزء كبير من مقاعده في البرلمان.

وبحسب المراقبين، يبحث بهجلي، الذي يتشارك حزبه مع "العدالة والتنمية" في القواعد الشعبية، عن دور محوري يوقف نزيف المؤيدين نحو "العدالة والتنمية" بعد التحوّلات الكبيرة التي اتخذها الأخير، سواء تجاه مقاربة القضية الكردية والصراع مع "العمال الكردستاني" داخل وخارج البلاد، أو في ما يخص العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. وينطلق من أن مستقبل السياسة الداخلية التركية سيقوم خلال الفترة المقبلة، على الصراع بين الكتل وليس على الأحزاب، وذلك بينما يمكن أن يطلق عليه كتلة يمينية مكوّنة من "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، وأخرى يمكن أن يطلق عليها يسارية بين "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، والتي ستبدو هشة للغاية، بسبب فشل الأخير في اتخاذ موقف حاسم ضد عمليات "الكردستاني" داخل الأراضي التركية.

المساهمون