توصية للسيسي بمغازلة شباب الثورة لمنع تقاربهم مع "الإخوان"

توصية للسيسي بمغازلة شباب الثورة لمنع تقاربهم مع "الإخوان"

10 يناير 2016
يحاول السيسي التقرب من النشطاء اليساريين (لويزا غوليماكي/فرانس برس)
+ الخط -
تسير مصر رويداً رويداً نحو مصير مجهول مع اقتراب موعد إحياء الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير/كانون الثاني، الذي تستبقه الدولة بمحاولات السيطرة الميدانية، ووأد دعوات التظاهر، وافتعال احتفالات رئاسية للشباب على أمل أن تحلّ بدلاً من ذكرى الثورة. غير أن كواليس دوائر اتخاذ القرار تنضح بمعلومات أخرى عن محاولات للترويج للتصالح مع شباب الثورة بعدما ضمن النظام المصري إبعادهم عن السلطتَين التنفيذية والتشريعية.

وتكشف مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد"، عن أنّ الدائرة المخابراتية الرقابية التي باتت تمثّل الذراع الأساسية لتحركات الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، على الصعيد الداخلي، والتي يباشرها شخصياً مدير مكتبه، اللواء عباس كامل، رفعت تقريراً إلى الرئيس يطالب من خلاله بفتح باب المصالحة مع شباب الثورة المعروفين، والنشطاء اليساريين القريبين من الدوائر الحقوقية. كما طالب التقرير بتحييد هؤلاء الشباب على الأقل إذا تعذّرت استمالتهم، لمنع أي تقارب بينهم وبين جماعة "الإخوان المسلمين"، حتى لا يشكل هذا التحالف خطراً على النظام.

وجاء في التقرير الذي تلقاه السيسي منذ أيام، أنّ "قرارات العفو التي أصدرها خلال العام 2015، والتي شملت عدداً من شباب الثورة والحقوقيين المسجونين، لم تحقق هدفها برفع شعبية السيسي في هذه الأوساط. بل زاد السخط عليه، لأنّ معظم من تم العفو عنهم كان قد تبقى لهم في السجن فترات قصيرة. كما كان معظم المشمولين بالعفو من شباب جماعة الإخوان المعاقبين بفترات سجن بسيطة، أقل من 5 سنوات".

وأوصى التقرير بأن يشمل قرار العفو المقبل، والمتوقّع صدوره بمناسبة الذكرى الخامسة للثورة، نسبة أكبر من النشطاء اليساريين المسجونين في قضايا تظاهر، ومن بينهم علاء عبدالفتاح وزملاؤه في قضية التظاهر أمام مجلس الشورى، والمحامية ماهينور المصري. وتؤكد المصادر المطلعة، وفقاً لما جاء في التقرير، أنّ "خروج هؤلاء النشطاء يرفع شعبية السيسي، ويمتص الغضب الذي يدفع البعض للدعوة إلى التظاهر ضده، ولا سيما أنّ التأثير الفعلي لهؤلاء على مستوى الشارع المصري محدود، ويمكن محاصرته باستخدام وسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام".

وذكر التقرير ذاته أن "الوضع العام بات مناسباً للتقارب مع المعارضين من غير الإخوان، وخصوصاً بعدما نجح النظام في تشكيل سلطة تشريعية خالية من معارضي السيسي، ما سيحصر وجود المعارضين، بعد التقارب معهم، في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وهي جميعاً تحت السيطرة والمراقبة الأمنية. كما سيتم السماح لهؤلاء النشطاء بالسفر، وهو ما قد يشجعهم على مغادرة البلاد كما حدث مع بعضهم في السنوات الماضية".

في هذا السياق، تقول مصادر سياسية لـ"العربي الجديد" إنّ بعض الشباب السياسيين رفضوا في وقت سابق دعوات وجهها لهم النظام عبر وسطاء للجلوس والتحادث في مسألة التقارب مع الدولة، من دون الإفراج أولاً عن النشطاء المحبوسين في قضايا التظاهر، وتعديل قانون التظاهر، وتعيين نسبة منهم في المجالس القومية لحقوق الإنسان، والصحافة، والمجالس التخصصية التابعة لرئاسة الجمهورية.

اقرأ أيضاً: السيسي يستبق 25 يناير باعتقالات في صفوف المعارضين

أمّا على صعيد السيطرة الأمنية، فشهدت كل من القاهرة، والجيزة، والإسكندرية، وبعض المناطق الساخنة المعروفة بمعارضتها للسيسي، مثل محافظة الفيوم، ومركز دير مواس في المنيا، إجراءات أمنية مشدّدة هي الأكثر حزماً منذ انهيار جهاز الشرطة في جمعة الغضب يوم 28 يناير/ كانون الثاني 2011، والذي كان إيذاناً بانقضاء عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك.

وخلال الـ48 ساعة الماضية، عزّزت الشرطة وجودها في وسط القاهرة، وميدان التحرير، والشوارع الرئيسية، والطرق الصحراوية والزراعية، وأمام المقار الحكومية الرسمية، ومراكز الشرطة، ومنازل الوزراء. كما تأهّبت مدرعات الأمن المركزي في الشوارع المعروفة بأنّها نقاط انطلاق التظاهرات، مثل شارعَي الهرم والتحرير، وضاحيتَي كرداسة وصفط اللبن في الجيزة. وراحت المدرعات تجوب الشوارع والطرق السريعة ذهاباً وإياباً، لتثبت للمواطنين قوة وجود الشرطة، لا سيما بعد حادث إطلاق النار على حافلة سياحية بالقرب من الأهرامات، صباح عيد الميلاد لدى الأقباط.

وعلى الرغم من هذا التشديد الأمني، فشلت الشرطة في حماية اثنين من رجالها، عقيد شرطة يرأس قسماً للمرور، ومجند خدمة خاص به، لقيا مصرعهما، أمس السبت، في الطريق الواصل بين الجيزة ومركز أبو النمرس، برصاص مجهولين، يُرجّح أنهم ينتمون لجماعات متشددة.

أما افتعال التقرب من الشباب، فظهر جلياً في حضور السيسي، أمس السبت، خلال حفل هو الأول من نوعه، باسم "يوم الشباب المصري" والذي لا يصادف أي ذكرى شبابية أو وطنية. ونظمت الاحتفال وزارة الشباب التي يديرها القيادي السابق في حملة الرئيس الانتخابية، خالد عبدالعزيز، والمكلف من السيسي شخصياً بإدارة مشروع إعداد القادة الجديد، الهادف إلى إسكان شباب ملائمين أمنياً وتعليمياً ومقربين من النظام ومؤيدين للسيسي في مواقع قيادية حكومية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.

وأعلن السيسي خلال المناسبة المفتعلة، اعتبار 2016، "عاماً للشباب المصري"، وإطلاق مشروع إلكتروني على المستوى القومي لإتاحة الكتب الإلكترونية والمعلومات للطلاب في مختلف المراحل التعليمية. وهو مشروع سبق الإعلان عن تفاصيله، وتحديد موعد تدشينه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ما يؤكد أن الاحتفالية تم التخطيط لها للترويج لاهتمام النظام بالشباب والطلاب، في إطار سعي السيسي لاستمالة الشباب غير المسيّس، وتقديمه على حساب شباب ونشطاء الثورة. وهو ما عبر عنه مراراً مقربون منه بقولهم، إنّ "شباب مصر ليسوا جميعاً شباب الثورة".

ويبدو أن تفاصيل التقرير ومسارات الأخذ والرد بين النظام والشباب، والتوصية بتقليص المسافات بين الطرفين، كانت تسيطر على السيسي خلال كلمته، أمس، إذ تحدّث عن نجاح الانتخابات التشريعية الأخيرة، في تقديم نسبة غير مسبوقة من الشباب كنواب في البرلمان. كما أشار إلى أن "على الشباب أن يصبروا ويعملوا من أجل بلدهم، ولا يتسرعوا في حصد النتائج، لأن العمر أمامهم طويل والأمم لا تبنى بين يوم وليلة"، بحسب قوله. ولم ينس السيسي التلويح باستخدام القوة ضد من يخرجون على نظامه، قائلاً، "أحد الشباب قال لي، أنت بتتكلم برفق على طول، الموضوع محتاج حزم، وأنا أؤكد أنّ مع الرقة والرفق هناك قرارات حازمة وقمة في البأس".

أهوال 25 يناير 2016... وأبواق النظام