قلق خارجي يرجّح عدم تصاعد التوتر السعودي الإيراني

قلق خارجي يرجّح عدم تصاعد التوتر السعودي الإيراني

06 يناير 2016
اقتحام السفارة أضعف الموقف الإيراني (محمد رضا نديمي/فرانس برس)
+ الخط -
توالت ردود الفعل الدولية القلقة إزاء قطع السعودية علاقتها مع إيران، على خلفية الاعتداءات التي تعرّضت لها سفارتها وقنصليتها في طهران ومشهد الإيرانيتين على التوالي، إثر التصعيد الإيراني ضدها. وكان مجلس الأمن الدولي قد دان، أمس الثلاثاء، الاعتداءات على السفارة والقنصلية بـ"أقصى حزم ممكن"، معرباً عن "قلقه العميق أمام هذه الاعتداءات". وطالب المجلس إيران بـ"حماية المنشآت الدبلوماسية وطواقمها"، تزامناً مع زيارة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، إلى السعودية. ويبحث دي ميستورا انعكاسات قطع العلاقات السعودية ـ الإيرانية على اجتماع جنيف، المقرّر في 25 يناير/كانون الثاني الحالي، لبدء المحادثات السياسية بين النظام السوري، المدعوم إيرانياً، والمعارضة السورية، المدعومة سعودياً.
وقد اتسم الموقف الدولي بالحذر حيال توتر العلاقات السعودية ـ الإيرانية، ويُمكن قراءة ملامح هذا القلق في المواقف التي تدعو إلى التهدئة بين البلدين، والتي عبّرت عنها دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وتركيا. ويعود هذا القلق لاعتبارات عدة لا يمكن تجاهلها في قراءة أي تصعيد للصراع السعودي ـ الإيراني.

جهود مواجهة "داعش"
تنظر بعض الدول إلى المنطقة من خلال عدسة "محاربة الإرهاب"، لا سيما تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الذي، فضلاً عن تهديده المصالح الأجنبية في المنطقة، واستهداف رعايا دول غربية، شنّ هجمات مباشرة في أوروبا. كان أبرزها اعتداءات العاصمة الفرنسية باريس، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. ويُعتقد على نطاق واسع أن التصعيد بين الرياض وطهران، سينعكس سلباً على جهود مواجهة "داعش". وقد عبّر عن هذا بشكل مباشر وواضح وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي اعتبر أن "من واجب السعودية وإيران تنحية خلافتهما جانباً، والتركيز على مواجهة داعش". وشدّد على أن "المنتظر من الرياض وطهران هو نزع فتيل الصراعات المسلحة، والسعي إلى حلول سياسية في اليمن وسورية وغيرهما، لسحب البساط من تحت قدمي التنظيم".
وتتبادل السعودية وإيران الاتهامات بالمسؤولية عن تنامي الإرهاب في المنطقة، فالسعودية من ناحية ترى أن إيران تقوم بشكل مباشر وعلني بـ"دعم مليشيات إرهابية"، بينما تتهم إيران السعودية بـ"الوقوف وراء تنظيمي القاعدة وداعش".
وتواجه كل من إيران والسعودية "داعش" بطرق مختلفة، فإيران ترمي بثقلها خلف مليشيات عراقية والنظام السوري، لمواجهة "داعش"، والمعارضة السورية المسلحة المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد، حليف طهران. أما السعودية فتُسهم بمحاربة "داعش" من خلال التحالف الدولي، الذي أطلقته الولايات المتحدة في 2014، بالإضافة إلى مواجهة الإرهاب محلياً، والذي تُصنّف الرياض الإعدامات التي قامت بها، السبت الماضي، جزءا منه. ويبقى الأهم أن الرياض، مثل بقية الدول المؤيدة للثورة السورية، مقتنعة بأنه لا يمكن القضاء على "داعش" إلا من بوابة حلّ سياسي يُشعر السوريين خصوصاً بأن البديل عن التنظيم لن يكون نظام بشار الأسد.

اقرأ أيضاً: الأزمة السعودية الإيرانية تزيد احتمالات صعود النفط

الأبعاد الطائفية للصراع
تخشى القوى الدولية من الدخول مباشرة في الصراع السعودي ـ الإيراني، مخافة تفجّر الأوضاع الطائفية في المنطقة. ويُمكن قراءة هذا في الموقف الروسي بشكل صريح، على الرغم من أن روسيا حليفة لإيران، إلا أن علاقتها ليست سيئة مع السعودية. لذا حاولت موازنة موقفها من قطع السعودية لعلاقتها الدبلوماسية مع طهران، من خلال تكثيف الدعوات إلى التهدئة والحوار، وعرضت أيضاً وساطة بينهما. أما تركيا، فيتأثر موقفها أيضاً بالخوف من الانزلاق الطائفي، فتركيا دولة ذات نظام علماني، لكنها تخشى زعزعة الوضع فيها، فضلاً عن قدرة إيران اللعب على وتر المسألة الكردية شديدة الحساسية بالنسبة لأنقرة. بالتالي سيكتسب الصراع السعودي ـ الإيراني حساسية مضاعفة بالنسبة لها. لا تريد تركيا خسارة السعودية كحليف استراتيجي في المنطقة، لا سيما في ظل التوافق السعودي ـ التركي في سورية، وترحيب أنقرة بالتحالف الإسلامي الذي أعلنته الرياض ضد الإرهاب، وتشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجي بين البلدين. في الوقت ذاته، لا تريد تركيا أن يكتسب وجودها في المنطقة بعداً طائفياً، أو أن تنجر لمواجهة مباشرة مع إيران، لا تكتسب أهمية كبرى بالنسبة لها.

الاتفاق النووي الإيراني
حاولت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اتخاذ خطوة إلى الخلف هذه المرة، في مقاربة قطع السعودية لعلاقتها الدبلوماسية مع إيران. يمكن قراءة هذا في تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والمتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست. وبينما نددت وزارة الخارجية الأميركية، على لسان المتحدث باسمها، جون كيربي، بـ"الاعتداءات على المنشآت الدبلوماسية السعودية في إيران"، دعا إرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، كلا من السعودية وإيران إلى "عدم التصعيد" في أجواء التوتر الراهنة في المنطقة.
وكان إرنست قد أعلن، في وقت سابق، أن "الولايات المتحدة قد حذّرت السعودية من تداعيات الإعدامات الجماعية، خصوصاً إعدام نمر النمر". وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد تواصل مع ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية، عادل الجبير، بالإضافة إلى وزير الخارجية الإيراني، محمد ظريف، ليحثهم على عدم التصعيد، ومحاولة حل خلافاتهم بينهم. ونفى وزير الخارجية الأميركي عزم واشنطن القيام بأي جهد وساطة.

الموقف الأميركي يمكن قراءته من خلال مستجدات 2015 في الملف النووي الإيراني، ورفع الحظر الاقتصادي على طهران. فالرئيس الأميركي باراك أوباما، أراد اتفاقاً يمنع أي مواجهة مباشرة أميركية ـ إيرانية، أو إسرائيلية ـ إيرانية، من خلال منع أو على الأقل تأجيل حيازة إيران لأي سلاح نووي. وخرج في النهاية باتفاقية تمنح إيران قبولاً دولياً، ومميزات اقتصادية وسياسية من خلال رفع العقوبات الدولية عنها، مقابل تأجيل إمكانية حيازتها لسلاح نووي لـ15 سنة على الأقل.

لذا ليس في وارد إدارة أوباما إفساد الاتفاق النووي، من خلال الوقوف مع السعودية، حليفها التاريخي الاستراتيجي في المنطقة، في تصعيدها ضد إيران، على الرغم من تعهّد أوباما لقادة الخليج في محادثات كامب ديفيد في مايو/أيار 2015 بالوقوف معهم إزاء أي اعتداءات إيرانية. وقد اتخذت الولايات المتحدة خطوة لا تُعتبر لا باردة ولا حيادية، بل يُمكن اعتبارها خطوة سلبية وإلى الوراء، عكس الدور الأميركي الذي تؤديه عادة في المنطقة. وذلك من أجل إنجاح الاتفاق النووي مع إيران من جهة، واحتواء الأوضاع المتفجرة الراهنة في المنطقة.

وتعتبر القوى الدولية أن سورية والعراق واليمن، أصبحت منطقة تنافس سعودي ـ إيراني، لذلك ترى أن مفاتيح الحل في المنطقة ستكون بين السعودية وإيران، لذا لا تشجّع أي تصعيد بين البلدين، خشية أن ينعكس هذا التصعيد بشكل مباشر على جهود مواجهة الإرهاب في العراق، والمحادثات السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة في سورية واليمن. مع العلم أن السعودية أكدت، أخيراً، أن توتر علاقتها مع إيران لن ينعكس على الوضع اليمني أو السوري.

وعلى الرغم من هبوط أسعار النفط، بشكل مريح للولايات المتحدة، ومزعج لروسيا، إلا أن استقرار المنطقة، تحديداً مضيق هرمز، والذي يمرّ من خلاله قرابة 40 في المائة من النفط العالمي، يبقى مطلباً دولياً استراتيجياً. لذلك يبقى واضحاً تفهّم سعي القوى الدولية لنزع فتيل أي أزمة في المنطقة، قد تقود لمواجهة أكبر بين السعودية وإيران، أبرز الدول المنتجة للنفط في المنطقة، لا سيما بعد رفع العقوبات عن إيران واستعدادها لرفع قدراتها التصديرية.

اقرأ أيضاً: السعودية توقف الطيران وتقطع العلاقات التجارية مع إيران