الحكومة الليبية: ولادة متعثرة باعتراضات داخلية وتبنٍّ أوروبي

الحكومة الليبية: ولادة متعثرة باعتراضات داخلية وتبنٍّ أوروبي

20 يناير 2016
دعا الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بحكومة السرّاج(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد مشاورات امتدت لأسابيع، أبصرت حكومة الوفاق الوطني الليبية النور، أمس الثلاثاء، من دون أن تكون قادرة على تحويل لحظة إعلانها إلى لحظة إنهاء الانقسام الليبي الذي تعيشه ليبيا منذ عام 2011 عقب الإطاحة بحكم معمر القذافي، وخصوصاً على صعيد مؤسسات الدولة. كل ذلك أخذاً بعين الاعتبار الظروف والاعتراضات التي رافقت مشاورات تشكيل الحكومة منذ التوقيع على اتفاق الصخيرات في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي والانقسامات الجديدة التي أفرزتها التركيبة الحكومية التي تضم 32 وزيراً برئاسة فائز السراج، ما يضعف من تمثيلها لمختلف المكونات الليبية. يضاف إلى ذلك تركيبتها الفضفاضة ونظام المحاصصة الذي اعتمد في تأليفها، وانعكس تقسيماً طاول أبرز الوزارات، بما في ذلك وزارة الخارجية، وسط تجاهل للتحذيرات من أن تقسيم كهذا سيفقد الوزارات فعاليتها ويزيد من الأعباء الحكومية.

اقرأ أيضاً: خارطة التدخل العسكري في ليبيا: "منطقة خضراء" وقرار دولي 

ترحيب أوروبي

بدا واضحاً من ظروف وتوقيت إعلان الحكومة، أن المجلس الرئاسي الليبي كان حريصاً على أن يكون موعد إعلان ولادتها قبل انتهاء مهلة الـ48 ساعة الإضافية التي كان قد حددها لكشف التركيبة الوزارية، وقبل انطلاق مؤتمر "روما 2" الدولي حول ليبيا، الذي عقد أمس، وكان واضحاً أنه يحتاج إلى حكومة ليبية يخاطبها ويستطيع الاتفاق معها على بنود المرحلة المقبلة في ليبيا في ظل تزايد مؤشرات الاتجاه لتدخل عسكري غربي في البلاد بذريعة ملاحقة تنظيم "داعش" والحد من تمدده. هذه الحاجة الغربية، الأوروبية تحديداً، كانت واضحة أمس من خلال مسارعة الاتحاد الأوروبي إلى الاحتفاء بتشكيل الحكومة وتأكيد التزامه بتسليم حزمة مساعدات تصل إلى 100 مليون يورو إلى حكومة الوفاق الوطني فور تكوينها، فضلاً عن ترحيب كل من مصر وجامعة الدول العربية بالحكومة الجديدة. لكن الاتحاد الأوروبي لم يكتف بذلك، بل وجه مجموعة من الرسائل التحذيرية إلى الداخل الليبي وإلى الدول التي تتخذ مواقف أو تدعم أيا من أطراف الأزمة الليبية. وطالب الاتحاد الأوروبي المؤسسات المالية والاقتصادية والحكومية في ليبيا بالقبول بسلطة حكومة الوفاق الوطني، التي يعتبرها الممثل الشرعي الوحيد لليبيا، تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2259 الصادر في ديسمبر الماضي، بحسب البيان الذي أصدره. كما دعا الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "وقف الدعم والاتصال الرسمي مع المؤسسات الموازية التي تدعي أنها السلطة الشرعية"، في حين شجع بيان الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف الليبية غير المشاركة في الاتفاق السياسي الموقع بالصخيرات على اغتنام الفرصة والتعجيل بقبول الاتفاق. وفي تهديد للمعترضين، تطرق بيان الاتحاد الأوروبي إلى "وجوب محاسبة معرقلي الحوار السياسي برعاية الأمم المتحدة".
من جهته، حثّ المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، مارتن كوبلر، مجلس نواب طبرق (المعترف به دوليا على الرغم من أنه منحل بحكم من المحكمة الدستورية) على الانعقاد بسرعة واعتماد الحكومة الجديدة، على اعتبار أن المصادقة عليها يكسبها الشرعية القانونية التي تحتاجها لمباشرة مهامها بالرغم من الاعتراضات داخل ليبيا عليها.

تردد داخلي
وعلى عكس الموقف الأوروبي الواضح، فقد تردد جميع الليبيين المقيمين في تونس، مواطنون وناشطون في الحقل المدني والسياسي، ممن تحدثت إليهم "العربي الجديد"، في توصيف هذا الاتفاق، بانتظار رد الفعل على الأرض في ليبيا ومخرجات مؤتمر "روما 2". لكن أغلبهم كان يشير إلى ما سمّوه "العائق الكبير" المتمثل في غضب الجهة الشرقية والزنتان. وكان ممثل الجهة الشرقية، علي القطراني، قد أعلن تجميد عضويته مؤقتاً من المجلس الرئاسي بسبب "عدم الجدية والوضوح في التعامل مع المطالب الأساسية وتلبيتها". وتمسك القطراني بمطالب منطقته، وخصوصاً في ما يتعلق بالجيش، ليلتحق به ليلاً أثناء المفاوضات عمر الأسود، وزير الدولة وممثل مدينة الزنتان، مؤكداً في بيان له "أنه بعد مخاض وطول انتظار على مدى ثلاثين يوماً جاءت النتيجة مخيبة للآمال، ونتجت عن عدم تقدير المسؤولية من قبل رئيس المجلس الرئاسي وبعض أعضائه بمحاولة تشكيل حكومة غير توافقية أقصيت منها معظم مدن وأطياف الشعب الليبي". وأعلن الأسود "رفضه لما قد يصدر عن هذا المجلس، وعدم مسؤوليته عما سيصدر عنه من أعمال"، بحسب نص البيان.
ويجمع الليبيون على أن "الجهتين الغاضبتين"، أي الجهة الشرقية والزنتان، تمثلان رقماً صعباً في المعادلة الليبية التي حاولت الحكومة الجديدة أن تعكس تمثيلها، بزيادة عدد الحقائب الوزارية إلى 32، بعدما كانت يتجه المجلس الرئاسي إلى اعتماد 22 حقيبة ثم 24 و26، قبل أن يقرر الأعضاء التراجع والاكتفاء بـ10 حقائب فقط، إلى أن اتخذ القرار النهائي بتوسيع الحكومة إلى العدد المعلن أمس.

التشكيلة الوزارية
وكانت الأخبار المتقطعة التي تخرج من غرفة المفاوضات التي امتدت لغاية ساعات فجر أمس، في ضاحية "قمرت" التونسية، تعكس حالة التوتر وعدم الاتفاق حول التشكيل وعدد الحقائب وتمثيل المناطق قبل أن تحسم التشكيلة الحكومة بـ32 وزيراً، وذلك من خلال تقسيم الوزارات نفسها. ونتج عن ذلك وزارة للخارجية وأخرى للشؤون العربية والأفريقية، فضلاً عن وزارة للتعليم العام وأخرى للتعليم العالي بعدما كانتا وزارة واحدة في المشروع الأول. كذلك تم فصل وزارتي التخطيط والمالية بعدما كانتا مدمجتين. وتضمن الاتفاق وزارة مستقلة للزراعة وأخرى للموارد المائية، بالإضافة إلى وزارات مستقلة أخرى للنفط والكهرباء والصناعة والاتصالات والمواصلات والنقل الجوي والطيران.
وبحسب قرار المجلس الرئاسي، الذي حصلت عليه "العربي الجديد"، توزعت أهم الحقائب على كل من مهدي إبراهيم البرغثي في الدفاع، عبد السلام الجنيدي في العدل، عارف صالح الخوجة لوزارة الداخلية ومروان علي أبو سريولو في الخارجية. كذلك اختير الطاهر محمد سركيس للمالية، خليفة رجب عبد الصادق لوزارة النفط ويوسف أبو بكر جلالة لوزارة المصالحة الوطنية. وعين صالح الغزال الجانب وزيراً لحقوق الإنسان واللاجئين ونصر سالم امحمد وزيراً للشؤون العربية والأفريقية. أما محمد أحمد الوليد فاختير لوزارة الأوقاف، في حين عينت أسماء مصطفى الأسطى وزيرة للثقافة، لتكون المرأة الوحيدة في التشكيلة الحكومية.

ووزير الدفاع الجديد، العقيد المهدي البرغثي، هو آمر الكتيبة 204 دبابات لانتفاضة 15 أكتوبر. ولد وترعرع في مدينة بنغازي ووضع نفسه تحت إمرة الجيش الليبي ورئاسة الأركان التابعة لبرلمان طبرق، وأسقط مقر غرفة عمليات شورى بنغازي بمعسكر 17 فبراير. أما وزير الداخلية العارف صالح الخوجة فقد سبق له أن شغل نفس المنصب في حكومة أحمد معيتيق (حكومة طرابلس)، في حين تبقى سيرة وزير الخارجية الجديد مروان أبو سريويل مجهولة تماماً، حتى من قبل الليبيين أنفسهم، وهو ما أدى إلى استغراب الكثير منهم اختياره في المنصب.

وفي السياق لم يخف وزير العمل والتأهيل في حكومة الإنقاذ، محمد بالخير، استغرابه الشديد من قائمة الأسماء المعلنة غير المعروفة. ويشير بالخير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هذه الحكومة "مخيبة للآمال، لأنها جاءت فاقدة لقراءة عميقة للوضع الليبي وهي حكومة محاصصة فديرالية مقنّعة، ولم تعبر عن كافة المتناقضات الليبية". وفيما يرى بالخير أن "هذه المجموعة (الحكومية) لا نعرف لها تمثيلاً حقيقياً للتيارات السياسية في ليبيا"، يلفت إلى أنها "أسست على معايير واعتبارات خاطئة، وجاءت موسعة جداً بتقسيم كل وزارة إلى عدد من الوزارات، وهو ما سيفقدها فاعليتها وجدواها من ناحية، وسيزيد من الوضع المالي والاقتصادي المتأزم في ليبيا والمنذر بالإفلاس".

اقرأ أيضاً سيناريوهات التدخل العسكري في ليبيا: ساعة الصفر للعملية الكبيرة 

المساهمون