تحديات وهواجس اتفاق الصخيرات الليبي

تحديات وهواجس اتفاق الصخيرات الليبي

19 ديسمبر 2015
قياديون بالمؤتمر الوطني وبرلمان طبرق رفضوا الاتفاق(عبد الحميد حسباس/الأناضول)
+ الخط -
يلاقي الاتفاق الليبي، الذي وُقّع في الصخيرات المغربية أمس الأول الخميس، لتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، ترحيباً عربياً ودولياً كبيراً، وسط دعوات لمقاطعي الاتفاق للالتحاق بالموقّعين والسير به. لكن هذا الاتفاق لا يبدو أنه سيضع حداً للانقسام الذي تعيشه الساحة الليبية منذ أكثر من أربع سنوات، مع الاعتراضات الكثيرة عليه، والتي قسّمت الصف الواحد، إذ بدا المشهد العام في ليبيا أكثر انقساماً. فبينما كان الخلاف بشكل عام يدور بين برلمان طبرق والمؤتمر الوطني العام في طرابلس، طاول اليوم المؤسستين ذاتهما، وأصبحت الخلافات طرابلسية - طرابلسية، وطبرقية - طبرقية، بما يطرح احتمالات خطيرة على الوضع الليبي.

كما أن هذا الاتفاق زاد المخاوف من ارتفاع أسهم التدخّل العسكري الخارجي في ليبيا، والذي كان ينتظر حكومة ليبية مُعترف بها لتطالب بهذا التدخّل تحت شعار محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وبرز مؤشر إضافي على قرب التدخّل العسكري، مع ما كشفته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية من أن قوة عسكرية أميركية زارت ليبيا لاستطلاع شن هجوم ضد "داعش".

ويخشى متابعون للشأن الليبي أن تخرج الخلافات الليبية داخل المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق، من طابعها السياسي إلى الشوارع، إذ تحظى كل مجموعة بأنصار من المجموعات المسلحة. ويبدو الترقب كبيراً لما ستحمله الأيام المقبلة وما ستسفر عنه الجهود الدولية والداخلية لتفادي التطورات السلبية. وعلى الرغم من أن اتفاق الصخيرات وقّعته قيادات بارزة من المؤتمر الوطني وبرلمان طبرق، فإن قيادات بارزة في المؤسستين رفضت ذلك. ووصف رئيس فريق حوار المؤتمر الوطني، عوض عبدالصادق، في تصريح لقناة "النبأ" الليبية، مراسم توقيع اتفاق ‫الصخيرات بـ"المسرحية الكبيرة والتي شاركت فيها أطراف لا تريد الخير لليبيا والليبيين". ودعا عبدالصادق، رداً على دعوة بعض السفراء للالتحاق باتفاق الصخيرات، "الدول الصديقة والبعثة الأممية للحاق بالحوار الليبي - الليبي"، مؤكداً رفضه لما سماها بـ"حكومة الوصاية"، ومشدداً على أن ‫"ليبيا دولة ذات سيادة والليبيون هم من يقررون مصيرهم".

من جهته، رفض رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، بنود الاتفاق الذي وُقّع في الصخيرات، واصفاً حكومة الوفاق بأنها "تتعارض مع الكرامة الوطنية، ولم تكن نتاج حوار ليبي - ليبي، وهو ما يرفضه الليبيون". وأكد في بيان، عدم قبول فرض ما وصفه "بالحلول المعدة سلفاً على الليبيين، والتي تم توريدها عن طريق ليبيين، لأنها لن يكتب لها النجاح". كما اعتبر "أن ما يُتخذ من قرارات باسم مجلس النواب خارج قبة البرلمان لا يكون دستورياً ولا قانونياً".

وكان صالح ورئيس المؤتمر الوطني العام نوري بوسهمين، أكدا، الأربعاء، أنهما لم يفوّضا أحداً لتوقيع أي اتفاق في الصخيرات. كما أن بياناً سابقاً لنواب من برلمان طبرق، ثمّن الجهود الدولية، لكنه رفض في المقابل "الإملاءات التي تفرضها بعض الدول والقوى المتطرفة، والتي تدفع إلى فرض وصاية دولية، منتهكة بذلك إرادة الشعب الليبي وحقه في الديمقراطية، واختياره حكومة متوافق عليها ترضي كافة أطراف النزاع الليبي".

كما عقد المؤتمر الوطني في طرابلس مؤتمراً صحافياً، أكد خلاله أنه فوّض بوسهمين بتشكيل لجان برلمانية لتفعيل وثيقة إعلان المبادئ في تونس، والعمل على تشكيل حكومة وفاق وطني. ودعا المجتمعون الأمم المتحدة إلى دعم وثيقة إعلان المبادئ التي وُقّعت في تونس، والتي انتهت بلقاء بوسهمين مع صالح في مالطا. وقال المتحدث باسم المؤتمر الوطني العام عمر حميدان، خلال هذا المؤتمر، "إن المؤتمر الوطني يسعى إلى تشكيل حكومة وفاق وطني قبل الـ24 من ديسمبر/ كانون الأول الحالي"، مؤكداً أن "المؤتمر لم يفوّض أيّاً من أعضائه بالتوقيع أو المشاركة في اجتماع الصخيرات".

اقرأ أيضاً: طرفا الصراع الليبي يوقّعان بشكل نهائي على اتفاق المصالحة

وتعكس هذه التصريحات والمواقف توافقاً واضحاً على رفض قيادات في المؤتمر وبرلمان طبرق ما وصفته بـ"الإملاءات والأجندات الخارجية"، متمثلة أساساً في إمكانية طلب الحكومة الجديدة التدخّل العسكري الأجنبي في ليبيا بحجة محاربة "داعش".

وتجد هذه المخاوف سنداً موضوعياً في التصريحات التي سبقت أو تلت اتفاق الصخيرات، ففايز السراج، المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة، طالب المجتمع الدولي "بتقديم الدعم الذي تحتاجه بلاده للقضاء على التنظيمات الإرهابية، ومن بينها داعش". وقال في لقاء مع "راديو سوا"، إن حكومته ستواجه صعوبات جمّة، في مقدمتها الملفات الأمنية والاقتصادية، مشيراً إلى أن الحكومة ستعود إلى طرابلس بعد تشكيلها، لكنه أعرب عن أمله في أن تكون الأوضاع الأمنية مناسبة لنقلها إلى هناك.

ويبدو تشكيل هذه الحكومة في طرابلس بالذات أمراً صعباً للغاية وغير قابل للتحقق في ظل الرفض من قبل أعضاء في المؤتمر الوطني العام وأبرز قياداته، إلا إذا فُرض بالقوة على كل الرافضين. وتجد المخاوف من التدخّل العسكري مبرراً جديداً في تصريح للسفير البريطاني لدى ليبيا بيتر ميليت، الذي أكد لـ"راديو سوا" أن بلاده سوف تعترف فقط بالحكومة التي سيترأسها السراج، معرباً عن "استعداد المجتمع الدولي لتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري والأمني الذي تحتاجه حكومة الوحدة الوطنية"، معتبراً أن "أي تدخل عسكري يجب أن يكون تلبية لدعوة من الحكومة الليبية".

كما كان لافتاً ما ذكرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية من أن بريطانيا تأمل إرسال مئات الجنود إلى ليبيا بعد توقيع اتفاق السلام. وبحسب الصحيفة، تتوقع بريطانيا أن تطلب منها الحكومة الليبية الجديدة إرسال قوات لتدريب وتقديم المشورة للقوات الليبية لتحقيق الاستقرار في ليبيا ووقف تقدّم "داعش". وأوردت الصحيفة قول وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون لتلفزيون القوات المسلحة، إن وزارته مستعدة لإرسال ألف جندي في مهمة غير قتالية.

كما كشفت "ذا غارديان" عن أن وحدة عسكرية أميركية كانت في مهمة سرية في ليبيا، وتم نشر صور للوحدة على موقع "فيسبوك". وقالت الصحيفة إن "القوات الجوية في ليبيا" أعلنت أن 20 جندياً أميركياً وصلوا إلى قاعدة الوطية الجوية في ليبيا، يوم الاثنين الماضي، لكنهم غادروا بعد وقت قصير، بعدما طلب قادة محليون منهم الرحيل، لأنهم لا يملكون إذناً للتواجد في القاعدة. وأشارت الصحيفة إلى أن مصادر في البنتاغون أكدت لوسائل إعلام أميركية أن وحدة من القوات الخاصة كانت جزءاً من مهمة أرسلت هذا الأسبوع، ولكن لم يتضح ما إذا كان الجنود قد غادروا البلاد. التعليق على "فيسبوك"، الذي كشف عن وجود الوحدة الأميركية، ورد فيه أن 20 جندياً نزلوا في القاعدة الليبية "وهم في استعداد قتالي مرتدين سترات واقية من الرصاص وبحوزتهم أسلحة متطورة".

وبحسب الصحيفة، فإن قاعدة الوطية تتواجد قرب صبراتة، التي توجد فيها قاعدة لـ"داعش"، وازدادت التكهنات بأن الولايات المتحدة تستعد لشن هجمات على التنظيم من هذه القاعدة. ونقلت عن مصدر من بلدة زنتان قوله إن "قادة محليين ذكروا أن الأميركيين كانوا في مهمة تدريبية، ولكن لا أحد يعرف التفاصيل".

كما ذكرت "ذا غارديان" أن بياناً لوزارة الدفاع الأميركية أكد أن القوة الأميركية كانت في القاعدة. وقالت متحدثة باسم الوزارة، إن "أفراداً من الجيش الأميركي سافروا إلى ليبيا في 14 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بموافقة مسؤولين ليبيين، للدخول في حوار مع ممثلي الجيش الوطني الليبي"، مضيفة: "لكن أعضاء من مليشيا محلية طالبوا بمغادرة الجنود الأميركيين، وفي محاولة لتجنب الصراع، فإن القوات الأميركية غادرت من دون وقوع حوادث".

الحديث عن التدخّل العسكري الغربي في ليبيا ليس جديداً، إذ كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت، في وقت سابق، أن واشنطن ولندن تبحثان نشر طائرات بلا طيار في ليبيا لمراقبة "داعش". ونقلت عن مسؤول كبير في الإدارة الأميركية "أن واشنطن تُجري مباحثات مع دول شمال أفريقيا من أجل إنشاء قاعدة لطائرات بلا طيار لمراقبة داعش في ليبيا، على الرغم من أنّ أي دولة في شمال أفريقيا لم توافق على استخدام إحدى قواعدها لهذا الغرض".

اقرأ أيضاً: "إملاء الصخيرات": استعجال التوقيع للتدخل عسكرياً في ليبيا