اليمن: "المقاومة الجنوبية" تتجاوز اختبار قرار الدمج بالجيش والأمن

اليمن: "المقاومة الجنوبية" تتجاوز اختبار قرار الدمج بالجيش والأمن

26 اغسطس 2015
عوامل عديدة قللت من مخاوف "المقاومة" من الدمج(العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن قرار "المقاومة الجنوبية" في اليمن، بالموافقة على قرار دمج عناصرها في صفوف مؤسستي الجيش والأمن، الذي اتخذ أول من أمس، خلال اجتماع موسع في عدن ضم قيادات عسكرية وأمنية وقيادات "المقاومة" في المحافظات الجنوبية، مفاجئاً، في ظل التحديات الأمنية المتصاعدة في اليمن عموماً وفي الجنوب خصوصاً. وجاءت هذه الموافقة لتنهي جدلاً استمر لأسابيع، وتحديداً منذ اتخاذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرار الشروع في الإعداد لعملية الدمج. ومما عزز هذا الجدل التوجهات السياسية المتعددة في جنوب اليمن حيث ينشط الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، والذي فرضت الحرب الأخيرة تحديات عدة عليه.

اقرأ أيضاً الصراع على عدن: اتهامات للمليشيات والمخلوع بتحريك "خلايا نائمة" 

وكان واضحاً أن تطورات الأوضاع الأمنية في المناطق المحررة باتت تشكل ضغطاً على قيادات "المقاومة" والجيش معاً، في ظل الحوادث الأمنية الأخيرة في عدن، والتي كان أبرزها استهداف مكتب محافظ المدينة نايف البكري وتفجير مبنى الاستخبارات فيها، فضلاً عن شائعات عن سيطرة تنظيم "القاعدة" على أجزاء ومراكز مهمة في المدينة. كما برزت أخيراً محاولات لاستهداف "المقاومة الشعبية" وجرّها إلى مواجهة مع مؤسسات الشرعية والتحالف العربي. وقد شكلت هذه المعطيات مجتمعة، عوامل دفعت بقيادات "المقاومة" فضلاً عن الجيش والأمن، إلى تسريع عقد اللقاء يوم الإثنين واتخاذ قرار الموافقة على الدمج.

وفي السياق، يقول مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" إنّ الأحداث في عدن كان الغرض منها "ضرب المقاومة، وخصوصاً بعد ترافقها مع بعض الشائعات في محاولة لتخريب الأوضاع"، معتبراً أن "قرار الموافقة على الدمج، هو تحويلٌ للمقاومة من جماعات مسلحة إلى جيش نظامي وشرعي، يؤدي واجبه الوطني ولا سيما في ما يتعلق بإكمال مسيرة الدفاع عن الوطن".
وكان المجتمعون قد أكدوا يوم الإثنين الماضي، على أهمية عملية الدمج وتم وضعها في سياق سحب البساط من تحت أي أطراف لجرّ الأوضاع في مناطق الجنوب نحو الانزلاق إلى الفوضى.
وعلى الرغم من أن القضية الرئيسية لـ"المقاومة" تتمثل في "القضية الجنوبية"، إلا أن المرحلة الراهنة وتطوراتها، دفعتها إلى اتخاذ خطوة وصفها البعض بـ"الجريئة والشجاعة والطريق الصحيح"، فيما يرى فيها آخرون "الطريق إلى الاستقرار في الجنوب". كما يعتبر مدافعون عن الخطوة أنها تشكل "تجاوزاً لأي مخاطر حالية تسعى إليها أطراف لجرّ المقاومة إلى الوقوف في وجه التحالف العربي". وبدا واضحاً حضور هذا الهاجس في مضمون بيان "المقاومة" وقيادة الجيش في قبول الدمج، إذ جاء فيه "إننا اليوم، وإلى جانبنا قوى التحالف، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر العروبة، نخطو خطوات الثبات لنعلن للعالم، أننا دعاة أمن وسلام وبناة لدعائم دولة المؤسسات، لنصبح جزءاً من منظومة عسكرية خليجية، تصون أمن المنطقة العربية...".
كما حضرت أيضاً في البيان المخاوف من تمزيق "المقاومة" عبر ولاءات شخصية وضيقة، من خلال التأكيد على أنه "ببناء مدماك هذه المؤسسة العسكرية والأمنية، نقطع دابر محاولات التفكير في الولاءات الشخصية أو الحزبية، أو الإبقاء على التكوينات الغير المنظمة، والتنظيمات الإرهابية".

اقرأ أيضاً: الحوثيون والمخلوع يتحسبون لمعركة الشمال: إعادة انتشار واعتقالات
 

وكان قرار الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، قبل أسابيع والقاضي بدمج "المقاومة" في الجيش والأمن، قد أثار جدلاً، ولا سيما حول آلية الدمج. وبرزت مخاوف من أن يكون الدمج ضمن وحدات من الجيش السابق. لكن يبدو أن القرار بتدريب الجيش الجديد من أبناء المناطق التي ينتمي إليها المجندون، قد قلل من مخاوف "المقاومة"، ولا سيما أنّ أطرافاً، بما فيها قيادات في الحراك الجنوبي، رحبت بقرار الدمج، باعتباره خطوة صحيحة لتجاوز الأوضاع الأمنية التي تفرضها مرحلة ما بعد تحرير عدن والجنوب من مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح. ومما ساهم في تقليل المخاوف أيضاً أنّ الجيش المتواجد في محافظات جنوب اليمن بات كله من الجنوب، وهو من سيتولى عملية ضبط الأوضاع فيها، بمشاركة من قوات الأمن، التي يجري إنشاؤها حالياً، وسينخرط في صفوفها جزء من عناصر "المقاومة".
وقد تم التوافق خلال اجتماع الإثنين الماضي، على تشكيل لجان من قيادات "المقاومة" والجيش والأمن لبحث أسس وآلية الدمج. ومن المقرر أن يصدر الرئيس هادي قراراً يعتمد فيه أسماء المشاركين في اللجان للبدء في العمل، وذلك بعد ترشيح جميع الأطراف عدداً من الأسماء أبرزهم قائد "المقاومة الجنوبية" عيدروس قاسم الزبيدي، شلال علي شايع الذي يعد قائداً بارزاً في "المقاومة" في محافظة الضالع الجنوبية وشارك في معركة قاعدة العند الجوية. ويضاف إليهم أيضاً هاني بن بريك الذي يوصف بأنه القائد الميداني الأبرز في "مقاومة" عدن وأحد إثنين ممن كانت قيادة التحالف العربي تتعامل معهم مباشرة.
كذلك يبرز من الجيش قائد المنطقة العسكرية الرابعة أحمد سيف اليافعي، مساعد وزير الدفاع اللواء الركن عبدالقادر العمودي، فضلاً عن العميد فضل حسن أول قائد لواء تم تدريبه داخل عدن ويضم عناصر من الجيش و"المقاومة"، والعميد عبدالله لصبيحي الذي كان من قيادات الجيش البارزة في عدن منذ بداية الحرب. أما من الأمن، فيبرز المرشحان ناصر لخشع نائب وزير الداخلية ومدير أمن عدن محمد مساعد.
كما أن قرار قبول الدمج جاء بعد تطمينات من الشرعية والتحالف العربي لعدم تكرار الأخطاء التي كان يقوم بها النظام السابق، وخصوصاً لجهة عدم السماح بعودة الوجوه السابقة لقيادات الجيش، الذي سيكون ضمن صفوفه عناصر "المقاومة".
وتمثل عملية الدمج بالنسبة للجنوبيين أهمية بالغة، ليس فقط لتجاوز مسألة تكرار النموذج الليبي وضمان الأمن والاستقرار، إذ إنها تمثّل فرصة لتفويت وتجاوز أي صراعات مقبلة. لكن على الرغم من ذلك تعتبر أعداد "المقاومة" التي يفترض دمجها قليلة مقارنة بما هو مخصص للجنوبيين في الجيش وفق مخرجات الحوار الوطني، والتي أقرّت تشكيل جيش وطني جديد في اليمن قوامه مائتان وخمسون ألف جندي، مناصفة بين الجنوب والشمال، وهو ما أكدت عليه وثيقة مؤتمر الرياض، الذي عقد في مايو/أيار الماضي. وعلى الرغم من أنّ نصيب الجنوبيين مائة وخمسة وعشرون ألف جندي، فإن ما تم توزيعه من استمارات لعناصر "المقاومة" في محافظات الجنوب، يقتصر على 45 ألف استمارة، وفقا لما أكده مساعد وزير الدفاع اليمني، اللواء الركن عبدالقادر العمودي، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، والذي أشار فيه أيضاً إلى أن "المتقدمين سيخضعون بعد تقديمهم للاستمارات لعملية اختبارات".
أخيراً، ينهي تكفّل دول التحالف العربي بإعادة تطبيع الأوضاع ودعم بناء الجيش والأمن والجهاز الإداري للدولة مخاوف الجنوبيين من تكاليف ما بعد التحرير وما خلّفته الحرب، ولا سيما أيضاً أن المرحلة بالنسبة للجنوبيين، وفق ما يردده البعض، تقتضي أن يكون الجنوبيون ضمن التحالف العربي والشرعية. ويعزو أصحاب هذا الاعتقاد رأيهم إلى أنّ المرحلة المقبلة ستكون صعبة وخطرة، وسيواجه الجنوب الكثير من التحديات الصعبة، ولا سيما أن الجنوب أصبح هدفاً لأطراف متصارعة عدة، وهو ما ظهر جلياً خلال الأيام الأخيرة.

اقرأ أيضاً: "الموت المدفون"... سلاح المليشيات للانتقام من المناطق اليمنية المحرّرة